شهدت محافظة إدلب تطوراً بارزاً في صفوف المعارضة السورية، مع إعلان اندماج فصيلي "حركة أحرار الشام" و"ألوية صقور الشام" الإسلاميين المعارضين، ضمن كيان واحد أطلق عليه "حركة أحرار الشام الإسلامية"، في خطوة وضعت "الجبهة الإسلامية" في موقف حرج، كما قد تُشكّل عائقاً أمام طموحات "جبهة النصرة" بالتوسّع في المحافظة.
وفي الوقت الذي يُتوقع فيه أن تشهد المحافظة معركة بين المعارضة وقوات النظام السوري، مع سعي الأولى إلى السيطرة على مدينة إدلب، لتصبح المحافظة بذلك خارج سيطرة النظام بشكل كامل، شهدت المحافظة هذا الاندماج العسكري، الذي جرى بحضور القائد العام لحركة "أحرار الشام" هاشم الشيخ أبو جابر، وعدد من قادة "ألوية صقور الشام"، كما ظهر في تسجيل فيديو بُث على الإنترنت.
لا تبدو الأهداف التي أعلن عنها الفصيل الوليد، جديدة على المستوى الميداني العسكري، إذ قال نائب قائد "صقور الشام" علي العمر أبو عمار، إن أهداف هذا الاندماج توحيد الصف وتشكيل نواة قوية ضد نظام بشار الأسد والمليشيات الأجنبية المقاتلة، إضافة إلى توحيد القضاء والمحاكم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، وتنظيم الإشراف على معبر باب الهوى" الذي تسيطر عليه حركة "أحرار الشام".
لا يوجد عمل عسكري في ريف إدلب لحركة "أحرار الشام" إلا وشهد مشاركة من ألوية "صقور الشام"، والعكس صحيح، إضافة إلى أن تنسيق الفصيلين كان على مستوى عالٍ، وبالتالي فإن خطوة الاندماج لم تكن سوى احتفالية وإعلامية لتنسيق سابق، إلا أنها تعطي مؤشرات عن توسّع مشروع حركة "أحرار الشام". ولعل هذا الاندماج يُحسب لـ"أحرار الشام" بالدرجة الأولى، التي حققت بذلك عدة نقاط، أولها كسب المزيد من السيطرة على مناطق جغرافية أوسع في إدلب، ما يصب في زيادة الزخم العسكري للحركة، إضافة إلى توسيع الحاضنة الشعبية، خصوصاً أن أبو عيسى الشيخ وألوية "الصقور" يحظون بشعبية عالية في جبل الزاوية وبعض مناطق ريف إدلب، ناهيك عن فتح مصادر جديدة لدعم الحركة، وهما المختلفتان في الداعمين والممولين، والمتفقتان أيديولوجياً، فالحركتان تتبعان منهج السلفية الجهادية.
في المقابل، حققت "صقور الشام" التي تمثل في النهاية مشروعاً محلياً مصغراً، اندماجاً مع حركة ضخمة تمتلك مشروعاً أوسع وأكثر تماسكاً، بدليل أن الأخيرة تعرّضت لضربة قاسية باغتيال الصف الأول لقياداتها، الأمر الذي كان كفيلاً بإنهاء أي فصيل غيرها، إلا أنها تجاوزت الصدمة واستعادت نشاطها وترتيب صفوفها، بحيث شكلت نواة جيدة لاحتضان "صقور الشام" أو صهرهم إن صح التعبير، وخصوصاً في ظرف لا يبدو فيها أبو عيسى الشيخ وفصيله قوياً كما كان في بداية تشكيل الحركة.
ويوضح أحد المستشارين السياسيين في "الجبهة الإسلامية" لـ "العربي الجديد"، الذي تحفّظ على ذكر اسمه، أن هذا الاندماج كان له العديد من الأمور الممهدة التي جعلته حتمياً، إذ إن عناصر ألوية "صقور الشام" لا يتجاوز عددهم الفعلي 700 مقاتل، أعلن مائتان منهم منذ أربعة أشهر اندماجهم مع جبهة "النصرة"، في حين كان لباقي العناصر تنسيق كبير وميول نحو "الأحرار"، مقابل عدم وجود قيادة فعلية لأبو عيسى على كل هؤلاء العناصر. ويضيف المصدر، "أن أبو عيسى شخص بسيط لا يتمتع بشخصية قيادية، وأن ألوية "صقور الشام" كانت تدار عبر إخوته الأربعة، والذين استُشهدوا جميعاً على الجبهات، ما سبب انتكاسة قيادية لدى أبو عيسى، ساهم فيها انضمام العديد من عناصره إلى جبهة النصرة، وميول الباقي منهم للأحرار، فكان هذا الاندماج".
اقرأ أيضاً: مجزرة كلور للنظام السوري: استباق معركة إدلب
لكن هذا الإعلان وإن كان قد وحّد فصائل عسكرية من جهة، إلا أنه كان بمثابة نعي لتشكيل سابق كانت "أحرار الشام" طرفاً أساسياً فيه، وهو "الجبهة الإسلامية"، التي لم يبقَ منها فعلياً سوى "جيش الإسلام" قائماً بذاته، ولعل الاندماجات التي حققتها فصائل "الجبهة الإسلامية" كانت لحساب تشكيلات أخرى أشبه بتوحّد مؤقت وردة الفعل على ظروف عسكرية متغيرة، في حين تُحقّق "أحرار الشام" اندماجات لحسابها الشخصي ضمن مشروعها ورؤيتها البعيدة، إذ ضمت "أحرار الشام" إلى صفوفها سابقاً "الجبهة الإسلامية الكردية" و"لواء الحق"، وهما أصغر مكونات "الجبهة الإسلاميّة" ، لتصهر اليوم في صفوفها ألوية "صقور الشام"، في حين أن "لواء التوحيد" و"لواء أحرار سورية" تحوّلا إلى اثنين من مكوّنات "الجبهة الشاميّة" والتي تشكّلت في حلب استجابة لتهديدات الوضع العسكري الذي فرضه النظام.
ويبدو أن الاندماج الأخير الذي حققته حركة "أحرار الشام" مع "صقور الشام"، وضع "الجبهة الإسلامية" في موقف حرج، وهي التي سعت لتوحيد الفصائل العسكرية وتحصيل الدعم الذي بدأ شحه يظهر في الفترة الأخيرة بشكل واضح، حتى بدأت فصائلها تبحث عن تحالفات واندماجات جديدة.
من جهة أخرى، يُبرز هذا التوحّد "حركة أحرار الشام" و"جبهة النصرة" كقوتين أساسيتين في إدلب، ما يثير تساؤلات عدة حول مستقبل علاقة الحركة مع "النصرة" التي ترى في إدلب مشروعاً خفياً ومركز ثقل استراتيجي. وعلى الرغم من أن "النصرة" باركت هذا التوحّد، إلا أنه قد يُشكّل عائقاً في وجه طموحاتها على المستوى البعيد، فحتى مباركة "النصرة" جاءت على لسان التيار المنفتح فيها، إذ غرد الشرعي السابق في الجبهة وأحد أعضاء مجلس الشورى الحالي، أبو ماريا القحطاني على حسابه الشخصي في موقع "تويتر" قائلاً: "الشيخ أبو عيسى قائد صقور الشام، يتقدم بخطوة لم يسبقه أحد من قادة الجماعات فيها، ونسأل الله أن يحفظه ويكون قدوة لبقية القادة".
في حين غرّد أبو حسن الكويتي، أحد الشرعيين في "النصرة"، قائلا": "أبو عيسى سجل اسمك التاريخ بأحلى العبارات وأعظم الإنجازات". تلك التغريدات التي وُجّهت للإطراء على أبو عيسى، وليس "الأحرار"، تُثبت فكرة أن التنازل من أبو عيسى وأن "صقور الشام" ذابت بشكل كامل ضمن "أحرار الشام".
يبدو أن هذا الاندماج الأخير سيفتح الباب واسعاً أمام فصائل جديدة للانضمام إلى "أحرار الشام"، خصوصاً مع التغيّرات الواضحة التي طرأت على سياسة الحركة دولياً وداخلياً، وتجلّت في شعار الحركة الجديد "ثورة شعب"، بخلاف الشعار الذي كان يجمع "أحرار الشام" مع باقي فصائل "الجبهة الإسلامية" وهو "مشروع أمة".
ولعل هذا الشعار الجديد للحركة يفيد في دعم المعلومات التي تتوارد من داخل الحركة عن احتمال إعلانها خلال الأشهر القليلة المقبلة عن نفسها كتشكيل وطني سوري بعيد عن أي ارتباط بتنظيمات إرهابية، وإن صحت تلك التنبؤات فذلك يستدعي تطمينات ووعوداً ودعماً دولياً حصلت عليه الحركة، ما سيجعلها قبلة لفصائل أصغر ويفتح الباب واسعاً أمام دور جديد ستلعبه "أحرار الشام" في مستقبل سورية.