في المعرض الذي يقام حالياً في "بيت بيروت" وسط العاصمة اللبنانية، ويتواصل حتى الثاني من كانون الثاني/ يناير المقبل، تحت عنوان "أضواء متحولة" تشترك ثلاثة أجناس فنية هي الرسم والفوتوغرافيا والعمارة لتقديم تصوّر عن مكان جرى تدميره.
ليس فقط ثلاثة أجناس فنية بل وثلاثة أجيال منها، حيث يقام المعرض المشترك بين التشكيلية عفاف زريق (1948)، والفوتوغرافي نويل ناصر (1976) والمعماري رامي صعب (1991).
الثيمة الأساسية لكل الأعمال هي الألم، والذي يجري استكشافه عن طريق المكان الذي يجري فيه عرض الأعمال، وهي "بناية بركات" المعروفة بـ "البيت الأصفر" والذي أصبح اسمه "بيت بيروت" مؤخراً، إذ إن هذا المكان وصموده خلال الحرب رغم أنه كان منصّة القنّاصين على خط التماس في طريق الشام، يمثل الحرب بكل ما فيها.
كانت "بناية بركات" عرضة للهدم والنسيان بعد انتهائها لولا الدفاع المستميت عنه من قبل المعمارية منى حلاق، والذي وصل إلى القضاء ليتمّ تحويله في نهاية الأمر إلى بيت يحكي قصة بيروت في سنوات الظلام والطائفية والحرب، ويحلم الفنانين من خلاله بمستقبل مختلف، أو يفكّرون في الماضي ويعيدون اكتشافه.
البيت بالنسبة إلى الفنانين الثلاثة هو رمز للحرب والذاكرة والمقاومة، حيث يفكرون في الفوضى التي سبّبها الألم، لكيتشف ثلاثة أجيال المشترك بينهم حين يتعلّق الأمر بذاكرة بيروت وصراعها الطويل وعلاقتهم بالمكان.
يتلاعب الثلاثة على الضوء والمساحة، والتلاعب بينهما على الصعيد المادي والشعوري أيضاً، حيث تتكون أعمال المعرض هياكل أسطوانية، في داخل كل منها لوحة ومغلفة من الخارج بصورة. ومن خلال الحركة من الظلام إلى الضوء تتحاور الثلاثة أعمال مع المساحة المحيطة بها.
إنه تجهيز إذن اشترك فيه الثلاثة، في مكان كان بؤرة الدمار، بحثاً عن لحظة من التحاور البصري العميق والهادئ، قام نويل بالاشتغال على لوحات زريق فوتوغرافياً بينما ساهم الهيكل الأسطواني الذي صمّمه المعماري بتكبير تفاصيل لوحات زريق، فبدا كأن الاثنان يحاولان توضيح تفاصيل ألم زريق الجيل الذي عرف الحرب جيداً، وكأنهما يفكران فيه، ويدعوان الجميع إلى التفكير في هذا الألم.