24 أكتوبر 2024
"أونروا".. مؤسسة الضمان الاجتماعي الفلسطيني
إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد شكلت الوطن المعنوي للفلسطينيين، فإن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) قد شكلت مؤسسة الضمان الاجتماعي التي حمت الفلسطينيين المنكوبين من الحاجة، خلال العقود الستة بعد النكبة. فمنذ تأسيسها في 1949، عملت على حل القضايا الحياتية الأساسية للفلسطينيين في الشتات الفلسطيني، وفي ما تبقى من أرض فلسطين خارج السيطرة الإسرائيلية.
القضية الأولى، المعيشية، من خلال السلة الغذائية التي كانت تمنحها لعائلات اللاجئين، والتي تتألف من مواد غذائية متنوعة، الطحين والعدس والبرغل والزيت والسمنة والمعلبات المتنوعة، وكانت الحصة الغذائية كافية لتسد حاجة العائلات المنكوبة من الطعام.
القضية الثانية، الطبابة، فقد تحملت "أونروا" المسؤولية كاملة عن صحة اللاجئين المسجلين في سجلاتها، فعلى مدى سنوات طويلة، كانت تتحمل نفقات العمليات الجراحية في المستشفيات كاملة، وفتحت المستوصفات في التجمعات الفلسطينية لمعالجة اللاجئين، ومنحتهم الدواء مجانا.
القضية الثالثة، التعليم، فقد بنت "أونروا" عشرات المدارس للاجئين في المخيمات، وتحملت مسؤولية تعليم أبناء اللاجئين حتى نهاية المرحلة الإعدادية، موفرة لهم الكتب واللوازم المدرسية من دفاتر وأقلام ولوازم أخرى مجانا سنوات طويلة، وفتحت معاهد مهنية لتعليم من يرغب من الطلاب بعض المهن، بعد نهاية الدراسة الإعدادية، وتم تطويرها لتدريس مهن ما بعد الشهادة الثانوية.
بالتأكيد، لم تكن تجربة "أونروا" مُشرّفة في حياة اللاجئين الفلسطينيين، لأنها ببساطة كانت تعلنهم أصحاب حاجة، ولم يكن يسعدهم انكشاف حياتهم حتى أمام ممثلي المؤسسات الدولية. وكنت أشعر بالخجل الشديد أمام الوفود التي تأتي لتتفرج علينا بوصفنا دليل النكبة الحي، وكنت أشعر أن حياتي مستباحة، وأنها حبل غسيل منشور لمن يريد أن يرى خصوصياتي، كنت أشعر نفسي عارياً. ولم تكن صفوف انتظار (الإعاشة) أقل إذلالا لأرباب العائلات من تلك الزيارات. على الرغم من ذلك كله، تفترض الموضوعية الإقرار بالدور التاريخي المهمة الذي لعبته وكالة الغوث، على كل عيوبها، في حماية حياة الفلسطينيين في المخيمات من الحاجة عقوداً.
نعم، حمتنا "أونروا" من ذل الحاجة، وقادت حياة اللاجئين الانتقالية في المنافي بأقل الخسائر وأقل معاناة. وكانت حياة الفلسطينيين من دون "أونروا" لتكون من الصعوبة بمكان، ولم يكونوا قادرين على ترميم حياتهم، مثلما رمموها في ظل الخدمات التي قدمتها الوكالة لهم.
تعيش "أونروا" اليوم واحدة من أزماتها الكثيرة، وقد تكررت هذه الأزمات المرة بعد الأخرى، ودائما بسبب نقص التمويل، وإحجام الدول المانحة عن تقديم مزيد من التبرعات للوكالة، لسد هذا النقص، في وقت تزيد فيه أعباؤها، بسبب زيادة أعداد اللاجئين، فقد كان عددهم يوم تأسيس "أونروا" حوالي 800 ألف، وأصبحوا اليوم حوالي خمسة ملايين. وعلى مدى العقود المنصرمة، تراجعت خدمات "أونروا" على كل الصعد، فقد تراجع، منذ أكثر من ثلاثة عقود، توزيع الحصص الغذائية، وباتت مقتصرة على أصحاب "الأوضاع الصعبة"، وتراجعت الرعاية الصحية، حيث كانت الوكالة الأممية تدفع كامل مبالغ العمليات الجراحية، باتت تساعد بمبلغ لا يزيد عن 30%، أو بمبلغ مقطوع.
في كل نكبة لتجمع فلسطيني، كانت "أونروا" تنقل تركيزها من منطقة إلى منطقة، بحكم الاحتياجات المتزايدة للمناطق المنكوبة، مثلما جرى في التركيز على لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، والتركيز على قطاع غزة مع الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر. كما فرضت الأوضاع المشتعلة في سورية التركيز على اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين تدهورت أوضاعهم بشكل كبير، وباتوا بحاجة إلى مساعدة ماسة وضرورية، دخلت اليوم في دائرة التخفيضات، ما يُعرِّض الفلسطينيين، المنكوبين مرتين، إلى مزيد من الحاجة وضيق الحال. ويهدد هذا التقنين بإغلاق عشرات المدارس في قطاع غزة، كما يهدد آلاف الطلاب بفقدان مقاعدهم الدراسية.
"أونروا" قضية خدمية بأبعاد سياسية، بقاؤها مهم لمئات آلاف تسد عندهم الحاجات الأساسية، وهي مسألة في غاية الأهمية. وهي، في الوقت نفسه، قضية سياسية، فلا شك، أن الوكالة التي أُنشئت لثلاث سنوات عند انطلاقتها، وحتى حل القضية الفلسطينية، مستمرة بعد أكثر من ستة عقود من ذلك التاريخ. وعلى مدى هذا الزمن الطويل، شكلت "أونروا" السجل الحي للنكبة الفلسطينية، واعتقد أن سجلاتها أهم الوثائق التاريخية التي تؤرخ للنكبة. هي وثائق لم تستخدم إلى اليوم (حسب معلوماتي) في كتابة التاريخ الاجتماعي الاقتصادي لتجربة اللجوء الفلسطيني، ولم تستخدم في كتابة التاريخ الفلسطيني العام.
إننا اليوم أمام تهديد تتعرض له "أونروا" بسبب نقص التمويل، نقف أمام خسارة مئات آلاف اللاجئين الذين تعتمد حياتهم، كليا أو جزئيا، على هذه المنظمة الأممية وخدماتها. وهناك خسارة لشاهد مهم ولأرشيف ضخم من تاريخ النكبة والمعاناة الفلسطينية. لذلك، يحب العمل، بكل السبل، لاستمرار "أونروا" في تقديم خدماتها، فلهذه الخدمات قيمة أكبر من كل تصور للمحتاجين. ومن لم يمر بتجربة اقتلاع، صعب عليه أن يعرف مدى أهمية هذه الخدمات على تواضعها، لأنها، في حالات إنسانية كثيرة، تشكل مسألة حياة أو موت. لأسباب كثيرة، يجب الحفاظ على "أونروا"، ويجب حث الدول المانحة على تغطية العجز في النفقات. في المقابل، يجب محاربة الفساد داخل "أونروا". ولكن، في جميع الحالات، يجب عدم خسارتها، فهي "الشاهد الملك" على النكبة الفلسطينية.
القضية الثانية، الطبابة، فقد تحملت "أونروا" المسؤولية كاملة عن صحة اللاجئين المسجلين في سجلاتها، فعلى مدى سنوات طويلة، كانت تتحمل نفقات العمليات الجراحية في المستشفيات كاملة، وفتحت المستوصفات في التجمعات الفلسطينية لمعالجة اللاجئين، ومنحتهم الدواء مجانا.
القضية الثالثة، التعليم، فقد بنت "أونروا" عشرات المدارس للاجئين في المخيمات، وتحملت مسؤولية تعليم أبناء اللاجئين حتى نهاية المرحلة الإعدادية، موفرة لهم الكتب واللوازم المدرسية من دفاتر وأقلام ولوازم أخرى مجانا سنوات طويلة، وفتحت معاهد مهنية لتعليم من يرغب من الطلاب بعض المهن، بعد نهاية الدراسة الإعدادية، وتم تطويرها لتدريس مهن ما بعد الشهادة الثانوية.
بالتأكيد، لم تكن تجربة "أونروا" مُشرّفة في حياة اللاجئين الفلسطينيين، لأنها ببساطة كانت تعلنهم أصحاب حاجة، ولم يكن يسعدهم انكشاف حياتهم حتى أمام ممثلي المؤسسات الدولية. وكنت أشعر بالخجل الشديد أمام الوفود التي تأتي لتتفرج علينا بوصفنا دليل النكبة الحي، وكنت أشعر أن حياتي مستباحة، وأنها حبل غسيل منشور لمن يريد أن يرى خصوصياتي، كنت أشعر نفسي عارياً. ولم تكن صفوف انتظار (الإعاشة) أقل إذلالا لأرباب العائلات من تلك الزيارات. على الرغم من ذلك كله، تفترض الموضوعية الإقرار بالدور التاريخي المهمة الذي لعبته وكالة الغوث، على كل عيوبها، في حماية حياة الفلسطينيين في المخيمات من الحاجة عقوداً.
نعم، حمتنا "أونروا" من ذل الحاجة، وقادت حياة اللاجئين الانتقالية في المنافي بأقل الخسائر وأقل معاناة. وكانت حياة الفلسطينيين من دون "أونروا" لتكون من الصعوبة بمكان، ولم يكونوا قادرين على ترميم حياتهم، مثلما رمموها في ظل الخدمات التي قدمتها الوكالة لهم.
تعيش "أونروا" اليوم واحدة من أزماتها الكثيرة، وقد تكررت هذه الأزمات المرة بعد الأخرى، ودائما بسبب نقص التمويل، وإحجام الدول المانحة عن تقديم مزيد من التبرعات للوكالة، لسد هذا النقص، في وقت تزيد فيه أعباؤها، بسبب زيادة أعداد اللاجئين، فقد كان عددهم يوم تأسيس "أونروا" حوالي 800 ألف، وأصبحوا اليوم حوالي خمسة ملايين. وعلى مدى العقود المنصرمة، تراجعت خدمات "أونروا" على كل الصعد، فقد تراجع، منذ أكثر من ثلاثة عقود، توزيع الحصص الغذائية، وباتت مقتصرة على أصحاب "الأوضاع الصعبة"، وتراجعت الرعاية الصحية، حيث كانت الوكالة الأممية تدفع كامل مبالغ العمليات الجراحية، باتت تساعد بمبلغ لا يزيد عن 30%، أو بمبلغ مقطوع.
في كل نكبة لتجمع فلسطيني، كانت "أونروا" تنقل تركيزها من منطقة إلى منطقة، بحكم الاحتياجات المتزايدة للمناطق المنكوبة، مثلما جرى في التركيز على لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، والتركيز على قطاع غزة مع الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر. كما فرضت الأوضاع المشتعلة في سورية التركيز على اللاجئين الفلسطينيين في سورية الذين تدهورت أوضاعهم بشكل كبير، وباتوا بحاجة إلى مساعدة ماسة وضرورية، دخلت اليوم في دائرة التخفيضات، ما يُعرِّض الفلسطينيين، المنكوبين مرتين، إلى مزيد من الحاجة وضيق الحال. ويهدد هذا التقنين بإغلاق عشرات المدارس في قطاع غزة، كما يهدد آلاف الطلاب بفقدان مقاعدهم الدراسية.
"أونروا" قضية خدمية بأبعاد سياسية، بقاؤها مهم لمئات آلاف تسد عندهم الحاجات الأساسية، وهي مسألة في غاية الأهمية. وهي، في الوقت نفسه، قضية سياسية، فلا شك، أن الوكالة التي أُنشئت لثلاث سنوات عند انطلاقتها، وحتى حل القضية الفلسطينية، مستمرة بعد أكثر من ستة عقود من ذلك التاريخ. وعلى مدى هذا الزمن الطويل، شكلت "أونروا" السجل الحي للنكبة الفلسطينية، واعتقد أن سجلاتها أهم الوثائق التاريخية التي تؤرخ للنكبة. هي وثائق لم تستخدم إلى اليوم (حسب معلوماتي) في كتابة التاريخ الاجتماعي الاقتصادي لتجربة اللجوء الفلسطيني، ولم تستخدم في كتابة التاريخ الفلسطيني العام.
إننا اليوم أمام تهديد تتعرض له "أونروا" بسبب نقص التمويل، نقف أمام خسارة مئات آلاف اللاجئين الذين تعتمد حياتهم، كليا أو جزئيا، على هذه المنظمة الأممية وخدماتها. وهناك خسارة لشاهد مهم ولأرشيف ضخم من تاريخ النكبة والمعاناة الفلسطينية. لذلك، يحب العمل، بكل السبل، لاستمرار "أونروا" في تقديم خدماتها، فلهذه الخدمات قيمة أكبر من كل تصور للمحتاجين. ومن لم يمر بتجربة اقتلاع، صعب عليه أن يعرف مدى أهمية هذه الخدمات على تواضعها، لأنها، في حالات إنسانية كثيرة، تشكل مسألة حياة أو موت. لأسباب كثيرة، يجب الحفاظ على "أونروا"، ويجب حث الدول المانحة على تغطية العجز في النفقات. في المقابل، يجب محاربة الفساد داخل "أونروا". ولكن، في جميع الحالات، يجب عدم خسارتها، فهي "الشاهد الملك" على النكبة الفلسطينية.