"الاقتتال الجاري الآن، وسفك الدماء، ومحاولة تجزئة الوطن الواحد، إنما يتخطى التربص بالوحدة الوطنية ليهدد الوجود العربي ذاته". تلك كانت المقولة المحورية التي تمخض عنها اجتماع المكتب الدائم لـ"الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب"، الذي أقيم من 23 إلى 26 حزيران/ يونيو 2014 في عمّان، واستضافته "رابطة الكتاب الأردنيين"، بالتعاون مع "مهرجان جرش للثقافة والفنون - 2014".
المجتمعون كانوا أصدروا بياناً ختامياً وآخر ثقافياً، وتقريراً استعرض حال الحريات في الوطن العربي، كما درجت عليه العادة، عقب كلِّ اجتماع. بيد أن سؤالاً مهمّاً ظلّ يراود متابعي الاجتماع - على قلَّـتهم -: ما الجديد الذي قدّمه المجتمعون، بعيداً عن "التأكيد على.."، و"التنديد بـ.."، واستنكار الـ.."، وغيرها من العبارات الفضفاضة، في طحن مستمر لبيت كعب بن زهير: "ما أرانا نقولُ إلا رجيعاً، ومعاداً من قولنا مكرورا"؟
بحسب البيان الختامي ثمة "تأكيد على المواقف الداعمة مسار الديمقراطية بجناحيها السياسي والاجتماعي"، ودعوة موجهة إلى "الجميع" لـ"التمسك بالدولة الوطنية ومؤسساتها وفي مقدمتها الجيوش"، وثمّة مباركة للدول العربية بسبب "خطواتها الديمقراطية في الدول التي حصلت فيها انتخابات رئاسية أو نيابية أو نقابية أو سواها"، وثمّة كذلك "دعوة لجميع الجهات والاتجاهات، وعلى المستويين الرسمي والأهلي، إلى تصويب المسار النضالي باتجاه فلسطين قضية العرب الكبرى، وذلك لدعم صمود أهلنا في عموم فلسطين المحتلة وفي قلبها القدس".
البيان نفسه لم يبتعد، بمجمله، عن بيان الاجتماع الذي سبقه، حيث نسي، أو تناسى، المجتمعون، أن المرحلة الجديدة التي يشهدها الوطن العربي الآن تحتاج لغة أخرى غير التنديد والاستنكار؛ الأمر الذي يؤشر إلى ضرورة تزويد الاتحاد بدماء ثقافية جديدة شابة أكثر تفاعلاً مع الواقع، قادرة على إحداث التأثير بداية، والتغيير تالياً.
أما البيان الثقافي للاجتماع فلم يكن أحسن حالاً من سابقه، ففيه تأكيد "على تعاظم الدور المنوط بالثقافة والمثقفين في هذه المرحلة الصعبة الحرجة التي تمر بها الأمة العربية بأسرها"، وفيه تشديد "على أهمية أن ينهض الأدباء والكتّاب العرب بوظيفتهم التاريخية في توجيه الوعي والتأثير في الوجدان الجمعي العام، بشكل يسهم في تجاوز المعوقات والمشكلات، ويقرّب الأمّة العربية من تحقيق آمالها وتطلعاتها بحياة حرة كريمة، تبنى على أسس وتوجهات مستمدة من مبادئ الثقافة العربية العريقة المنفتحة المتنورة".
في البيان نفسه، ثمّـة جملة من تلك التأكيدات - التي يصار إلى تعميمها من قبل الاتحاد، عقب اجتماعاته كافة - تتمحور حول "وحدة الثقافة العربية"، و"استقلال الثقافة واستقلال المثقف"، و"رفض المثقفين العرب لاتساع نزعات التجزئة والتقسيم والتنافر والتصادم، بموجِّهات طائفية أو دينية أو عرقية".
وثمّـة كذلك دعوة للحكومات العربية إلى "دعم الفعل الثقافي وإدراك أهميته، بوصفه ركيزة أساسية في الأمن القومي وحماية الهوية العربية". وهي دعوات على أهميتها لا تقدم جديداً وتأتي بديلاً عما يجب قوله وفعله في راهن عربي مشتعل.
ومن خلال تقرير حال الحريات في الوطن العربي، أكد المجتمعون "أنهم يتابعون بكثير من القلق ما يجري في معظم دول الوطن العربي، من انتهاكات وتضييق على حرية الفكر والإبداع"، وأن "أي اعتداء على الإبداع والقفز على الحريات لا يؤدي إلى النتائج التي تسعى إليها الثقافة، وعلى رأسها بناء الإنسان الواعي المؤمن بأهداف أمته"، في حين ظلّ سؤال: "ماذا بعد ذلك القلق؟" معلقاً إلى إشعار غير معلوم.
الأسئلة الكثيرة التي انتظر مثقفون إجابات عليها من قبل المجتمعين، ظلّـت حائرة في رؤوس أصحابها، وقد أضيفت إليها أسئلة جديدة، فالاجتماع لم يقدّم جديداً، في ظلّ راهن تسفك فيه الدماء، بمجانية، في كثير من البلاد العربية.
وبينما يرى المؤتمر (و"رابطة الكتّاب الأردنيين" بطبيعة الحال) أنّ ما يحدث في سوريا ومصر على المستوى الرسمي حالات ديموقراطية؛ فإن قسماً كبيراً من الكتّاب الأردنيين يعتبر مواقف الرابطة "غير مشرّفة تجاه آلام الشعب السوري" و"دفاعها مخزٍ عن طاغية دمشق" كما كتب الشاعر طاهر رياض على صفحته في فيسبوك منذ مدة، مؤكداً مقاطعته لـ"الرابطة" وأنشطتها.
التساؤلات حول موقف رئاسة "الرابطة" الحالية وانحيازها إلى صف الأنظمة الرسمية، هي ما جعل مثقفين أردنيين يعلّقون بأن "الخطاب القومي هنا حق يراد به باطل ويعيد إلى الأذهان أدبيات تلك الأنظمة، أكثر من الأسئلة الملحة التي تطرحها الشعوب العربية الآن".