ومثل كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في إسبانيا، كان ظهور جماعات "الألتراس" في عالم كرة القدم والرياضة متزامنًا مع التحوّل الديمقراطي في البلاد.
ظهر "الألتراس" في قلب مجتمع يتغيّر بشكلٍ سريع للغاية، بعد خروجه من قبضة حديدية عرف خلالها حكمًا مركزيًا ديكتاتوريًا استمر أكثر من 35 عامًا. وتم إقرار دستور عصري يليق بالقرن العشرين، يعترف بالتعدّدية اللغوية والهويّات القومية، بل ويجمع في نظامه السياسي بين الحكم المركزي والإدارة المحلية جزئيًا لقطاعات مثل النقل والصحّة والتعليم.
تم إنشاء أول رابطة لـ"الألتراس" في عام 1980 لنادي ريال مدريد باسم "أولتراس سور"، وبدا أن أصحابه يجسدون التمسك بالقيم التقليدية للمجتمع الذي كان متدينًا ومحافظًا بطبعه وبشكل رسمي.
وبعد ذلك، في عامي 1981 و 1982 تم إنشاء رابطتي ألتراس برشلونة وأتليتكو مدريد، وتلتهما روابط للكثير من الأندية الشعبية في إسبانيا. باستثناء "بويشوس نويس ألتراس برشلونة و"هيري نورتي" ألتراس أتليتك بيلباو، اللذين كانا يحملان أيديولوجية يسارية، كانت بقية روابط "الألتراس" ذات أيديولوجية يمينية، وكلها بلا استثناء كانت متطرّفة، تلجأ للعنف الجسدي والتخريب للمرافق والمنشآت، ليس فقط في حالة الخسارة، وإنما لدى الاحتفال بالفوز كما هو الحال مع رابطة "بويشوس نويس" في برشلونة.
بدأت روابط "الألتراس" بأعداد قليلة، لكنها نمت بشكلٍ سريعٍ حتى تراوحت بين الألفين وثلاثة آلاف عضو للأندية الجماهيرية، وفي بداياتهم حظي "الألتراس" بدعم مادي ومؤسسي من مجالس إدارات الأندية التي تمثلها، هذا الدعم كان بشكل رسمي بتخصيص مدرّج أو جزء من مدرج خاصّ بهم في الملاعب، ومنحهم تذاكر دخول بسعر منخفض، وتوفير أماكن لاجتماعاتهم في أماكن ملحقة بالنادي، وكان لهذا الدعم هدفان؛ الأوّل "إبراز الأنياب" وإحباط الفرق الأخرى ومشجعيها، والثاني استخدامهم كلما اقتضت الحاجة ضد لاعب معين، أو لتأييد ودعم مجالس الإدارة في حالة الخسارة أو عدم الاستقرار.
بعد أن كان "الألتراس" يسعون لتوكيد الهوية القومية إزاء الآخرين، ويشجّعون فرقهم بولاء غير مسبوق، تسلّلت الشعارات النازية واليمينية المتطرّفة إلى ملاعب كرة القدم، ووصلت مرحلة الاعتداء الجسدي والعنف تجاه مشجعي الفرق الأخرى، حتى تواترت حالات القتل والعنف مع كل مباراة، حتى لو كانت غير مهمة.
خلال التسعينيات، عاشت روابط "الألتراس" في إسبانيا أزهى عصورها، ولم تكن إدارات الأندية تتصرّف إلا مع وقوع حوادث قتل أو شجارات عنيفة، أو تطبيق عقوبات مالية ورياضية على النادي. وانقلب السحر على الساحر بعدها، رغم استمرار الدعم المؤسسي لروابط "الألتراس" أصبحت تشكّل عبئًا على الأندية، سواء ماليًا أو معنويًا بسبب العنف والشعارات العنصرية والنازية التي يرفعونها.
ومع بداية الألفية الجديدة أصبح "الألتراس" رقمًا صعبًا في معادلة كرة القدم والرياضة الإسبانية عمومًا. وأصبح رؤساء الأندية مجبرين على إرضائهم ماليًا، بشكل غير رسمي، وإلا تعرّضوا لهجومهم خلال المباريات وخارجها، وملاحقات الشرطة لهم كانت تنتهي غالبًا إلى لا شيء لعدم وجود أدلة إدانة للأفراد الذين يمارسون العنف.
الخطوة الأهم في القضاء على "الألتراس" أو التقليل من نفوذهم بشكل رسمي كان قرار خوان لابورتا رئيس نادي برشلونة، والذي منعهم من دخول ملعب برشلونة فور فوزه في الانتخابات عام 2003.
ومنذ ذلك الوقت تم وضع حراسة خاصة على خوان لابورتا خوفًا من الاعتداء عليه. ورغم هذا، يقوم "ألتراس" برشلونة بالسفر خلف الفريق في المباريات الخارجية أو في مواجهة الفرق الإسبانية الأخرى، وقام بالخطوة نفسها نادي ريال مدريد في العام الماضي، بعد مقتل أحد مشجعي فريق ديبورتيبو لا كورونيا على يد "ألتراس" نادي أتليتكو مدريد. ويبدو أن ريال مدريد قام بهذه الخطوة حفظاً لماء الوجه رغم أن الواقعة لا تخصه، ولا سيما بعد التركيز الإعلامي والسياسي على روابط "الألتراس" وجرائمها التي انقطعت لفترة لكنها كانت كالنار الكامنة تحت الرماد.
أما اليوم، تتنصّل روابط "الألتراس" من حوادث العنف، لكنها تواصل الاحتفاء بفرقها وبالسفر خلفها في المنتديات وفي مواقع التواصل الاجتماعي وتعرض الصور التي تبرز قوتهم وعددهم وتأثيرهم.