للعلاقة السينمائية بين الممثلين الأميركيين، المتحدّرين من أصول إيطالية، روبرت دي نيرو وآل باتشينو، حكاية تُروى. ذلك أن الأفلام التي مثّلا فيها معاً قليلةٌ للغاية، علماً أن "العرّاب 2" (1974) لفرنسيس فورد كوبولا، هو أول فيلم لهما، لكن من دون أن يلتقيا وجهاً لوجه، لأن دي نيرو أدّى شخصية فيتو كورليوني عندما كان شاباً، أي في بدايات وصوله إلى نيويورك، مطلع القرن الـ20؛ وباتشينو أدّى دور ابنه مايكل، أثناء تولّيه قيادة "عائلة كورليوني المافياوية"، في أواخر خمسينيات القرن نفسه.
هذه المسألة لن تكون عابرة، رغم أن كثيرين لم ينتبهوا إليها حينها. بعد 21 عاماً، اعتمدها الأميركي مايكل مان، في "حرارة" (1995): مستوحياً إياها من وقائع جُرمية عرفتها شيكاغو، مطلع ستينيات القرن الـ20، ارتكزت الحكاية على مطاردة الملازم فانسانت هانا (باتشينو) للمجرم نيل ماك كولاي (دي نيرو). خلال السياق الدرامي للمطاردة، لن يلتقي الممثلان وجهاً لوجه، إلاّ عندما قرّر هانا دعوة ماك كولاي إلى تناول القهوة معاً. هنا، اختار مايكل مان تصوير مشهد اللقاء (ومدّته نحو 10 دقائق) بأسلوب أراده تكريمياً لهما، وتحية لـ "العرّاب 2": يلتقيان في مقهى، ويجلسان وجهاً لوجه أمام طاولة تفصل بينهما، ويتحدّثان عن كوابيس وأنماط حياة وهواجس، وعن راهنٍ يفرض عليهما تلك المطاردة، وعن مصيرهما فيها وبعدها. لكنهما لن يظهرا معاً البتّة، ولو في لقطة واحدة. كلّ كاميرا كانت تُصوِّر كلّ واحد منهما على حدة، وجمالية المشهد نابعةٌ من مونتاجه البديع.
لم تتجدّد التجربة لاحقاً. أهميتها كامنةٌ في السبق الذي صنعه مايكل مان. أما العلاقة المهنية بين الممثلين، فلم تتأثّر كثيراً بها، مع أنهما التقيا معاً، بعد 13 عاماً، في "قتل الصالحين" (Righteous Kill)، للأميركي جون آفنت، وها هما يستعدان للقاء جديد بينهما، في "الإيرلندي" لمارتن سكورسيزي، الذي تعرضه "نتفلكس"، حصرياً، على شاشتها، خريف 2019.
في "قتل الصالحين"، يؤدّي آل باتشينو شخصية الملازم ديفيد "رووستر" ديك، وروبرت دي نيرو شخصية الملازم توم "تورك" كووان. بعد 30 عاماً من الخدمة في سلك الشرطة في نيويورك، لا يزالان مُصمّمين على العمل، ولا يُفكّران في التقاعد إطلاقاً. لكن، قبل مغادرتهما المكتب للمرة الأخيرة في حياتهما المهنية، يكتشفان أن هناك عملية قتل تُنفَّذ بحقّ مجرمين عديدين، تمكنوا من التسلّل بين ثقوب العدالة، ما جعلهما يتذكَّران أساليب اعتمدها قاتل متسلسل توصّلا، منذ وقت بعيد، إلى إدانته. لذا، بدآ تحقيقاتهما، سعياً منهما إلى حلّ هذه المعضلة، وكشف حقيقة الأمور. لكن، هناك من يعتقد أن أحد رجال الشرطة متورّطٌ في المسألة.
أما "الإيرلندي"، الذي يُشارك فيه جو بيتشي وهارفي كايتل (هما أيضاً مثّلا في أفلام لسكورسيزي، إلى جانب دي نيرو)، فيستند إلى كتابٍ بعنوان "سمعتك أيها القاتل: فرانك "الإيرلندي" شيران وقصة المافيا من الداخل، وسائقو الشاحنات، والجولة الأخيرة لجيمي هوفا" (2010)، للمحامي الأميركي تشارلز براندت (العنوان بالإنكليزية يحمل تعبيراً آخر: I Heard You Paint Houses، علماً أن الكلمتين الأخيرتين تعنيان "قتل رجل"). أما السيناريو، الذي كتبه ستيفن زايلن، فيروي حكاية فرانك شيران (1920 ـ 2003)، أحد أبرز قياديي "نقابة سائقي الشاحنات"، المتُّهم بإقامة علاقات مع "عائلة بوفالينو" المافياوية، الناشطة في شمال شرق بنسلفانيا. كما أنه أحد وجوه الصفّ الأول في عمليات الفساد داخل النقابات، المرتبطة بالجريمة المنظَّمة.
قبل وقتٍ قليل على وفاته، اعترف شيران بأنه قتل جيمي هوفا، القياديّ في "نقابة سائقي الشاحنات" أيضاً (عام 1992، أخرج الممثل داني دي فيتو فيلماً بعنوان "هوفا"، تناول فيه سيرة النقابيّ، الذي أدّى جاك نيكلسون دوره). في "الإيرلنديّ"، يؤدّي دي نيرو شخصية شيران، وباتشينو يمثّل دور هوفا، بينما يُقدِّم بيتشي شخصية راسل بوفالينو (1903 ـ 1994)، عرّاب العائلة المافياوية في شمال شرق بنسلفانيا، وكايتل شخصية آنجلو آنّالورو، المعروف باسم آنجلو برونو (1910 ـ 1980)، عرّاب عائلة فيلادلفيا، بين عامي 1959 و1980.
عام 2008، أعلن سكورسيزي عن رغبته في تحقيق المشروع، مُقدِّماً إياه بصفته التعاون التاسع بينه وبين دي نيرو، اللذين التقيا ـ سينمائياً ـ للمرة الأخيرة عام 1995، في "كازينو" (مع بيتشي أيضاً). في سبتمبر/أيلول 2014، أكّد آل باتشينو أن سكورسيزي سيُحقّقه، فور انتهائه من "صمت" (2016). في أكتوبر/تشرين الأول 2015، قال دي نيرو إن الفيلم سيُنجز، وإن تصويره سيكون عام 2016، بينما أكّد سكورسيزي أن زايلن يكتب السيناريو.
في "السوق السينمائية"، أثناء الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/أيار 2016) لمهرجان "كانّ"، تمّ شراء حقوق الاقتباس السينمائي. يومها، اقترحت الشركة المكسيكية "فابريكا دي سيني" دفع 100 مليون دولار أميركي لتمويل المشروع، مشيرة إلى اتفاق بينها وبين شركة "باراماونت" على توزيعه داخل الولايات المتحدة الأميركية، بينما تتولّى "آي. أم. غلوبال" توزيعه دولياً. كما وافقت "أس تي أكس إنترتاينمانت" على دفع 50 مليون دولار أميركي للتوزيع الدولي، متقدّمة بذلك على "يونيفرسال بيكتشرز" و"فوكس للقرن الـ20" و"لايونزغايت".
في فبراير/شباط 2017، أعلنت "باراماونت" تخلّيها عن المشروع، بعد انسحاب "فابريكا دي سيني" منه، بحجة أن الميزانية "ضخمة جداً". عندها، تدخّلت "نتفلكس" واشترت الحقوق بـ105 ملايين دولار أميركي، مخصّصةً 125 مليون دولار أميركي لإنتاجه. وقد بدأ تصويره في 29 أغسطس/آب 2017، في مانهاتن ونيوجرسي.
اقــرأ أيضاً
هذه المسألة لن تكون عابرة، رغم أن كثيرين لم ينتبهوا إليها حينها. بعد 21 عاماً، اعتمدها الأميركي مايكل مان، في "حرارة" (1995): مستوحياً إياها من وقائع جُرمية عرفتها شيكاغو، مطلع ستينيات القرن الـ20، ارتكزت الحكاية على مطاردة الملازم فانسانت هانا (باتشينو) للمجرم نيل ماك كولاي (دي نيرو). خلال السياق الدرامي للمطاردة، لن يلتقي الممثلان وجهاً لوجه، إلاّ عندما قرّر هانا دعوة ماك كولاي إلى تناول القهوة معاً. هنا، اختار مايكل مان تصوير مشهد اللقاء (ومدّته نحو 10 دقائق) بأسلوب أراده تكريمياً لهما، وتحية لـ "العرّاب 2": يلتقيان في مقهى، ويجلسان وجهاً لوجه أمام طاولة تفصل بينهما، ويتحدّثان عن كوابيس وأنماط حياة وهواجس، وعن راهنٍ يفرض عليهما تلك المطاردة، وعن مصيرهما فيها وبعدها. لكنهما لن يظهرا معاً البتّة، ولو في لقطة واحدة. كلّ كاميرا كانت تُصوِّر كلّ واحد منهما على حدة، وجمالية المشهد نابعةٌ من مونتاجه البديع.
لم تتجدّد التجربة لاحقاً. أهميتها كامنةٌ في السبق الذي صنعه مايكل مان. أما العلاقة المهنية بين الممثلين، فلم تتأثّر كثيراً بها، مع أنهما التقيا معاً، بعد 13 عاماً، في "قتل الصالحين" (Righteous Kill)، للأميركي جون آفنت، وها هما يستعدان للقاء جديد بينهما، في "الإيرلندي" لمارتن سكورسيزي، الذي تعرضه "نتفلكس"، حصرياً، على شاشتها، خريف 2019.
في "قتل الصالحين"، يؤدّي آل باتشينو شخصية الملازم ديفيد "رووستر" ديك، وروبرت دي نيرو شخصية الملازم توم "تورك" كووان. بعد 30 عاماً من الخدمة في سلك الشرطة في نيويورك، لا يزالان مُصمّمين على العمل، ولا يُفكّران في التقاعد إطلاقاً. لكن، قبل مغادرتهما المكتب للمرة الأخيرة في حياتهما المهنية، يكتشفان أن هناك عملية قتل تُنفَّذ بحقّ مجرمين عديدين، تمكنوا من التسلّل بين ثقوب العدالة، ما جعلهما يتذكَّران أساليب اعتمدها قاتل متسلسل توصّلا، منذ وقت بعيد، إلى إدانته. لذا، بدآ تحقيقاتهما، سعياً منهما إلى حلّ هذه المعضلة، وكشف حقيقة الأمور. لكن، هناك من يعتقد أن أحد رجال الشرطة متورّطٌ في المسألة.
أما "الإيرلندي"، الذي يُشارك فيه جو بيتشي وهارفي كايتل (هما أيضاً مثّلا في أفلام لسكورسيزي، إلى جانب دي نيرو)، فيستند إلى كتابٍ بعنوان "سمعتك أيها القاتل: فرانك "الإيرلندي" شيران وقصة المافيا من الداخل، وسائقو الشاحنات، والجولة الأخيرة لجيمي هوفا" (2010)، للمحامي الأميركي تشارلز براندت (العنوان بالإنكليزية يحمل تعبيراً آخر: I Heard You Paint Houses، علماً أن الكلمتين الأخيرتين تعنيان "قتل رجل"). أما السيناريو، الذي كتبه ستيفن زايلن، فيروي حكاية فرانك شيران (1920 ـ 2003)، أحد أبرز قياديي "نقابة سائقي الشاحنات"، المتُّهم بإقامة علاقات مع "عائلة بوفالينو" المافياوية، الناشطة في شمال شرق بنسلفانيا. كما أنه أحد وجوه الصفّ الأول في عمليات الفساد داخل النقابات، المرتبطة بالجريمة المنظَّمة.
قبل وقتٍ قليل على وفاته، اعترف شيران بأنه قتل جيمي هوفا، القياديّ في "نقابة سائقي الشاحنات" أيضاً (عام 1992، أخرج الممثل داني دي فيتو فيلماً بعنوان "هوفا"، تناول فيه سيرة النقابيّ، الذي أدّى جاك نيكلسون دوره). في "الإيرلنديّ"، يؤدّي دي نيرو شخصية شيران، وباتشينو يمثّل دور هوفا، بينما يُقدِّم بيتشي شخصية راسل بوفالينو (1903 ـ 1994)، عرّاب العائلة المافياوية في شمال شرق بنسلفانيا، وكايتل شخصية آنجلو آنّالورو، المعروف باسم آنجلو برونو (1910 ـ 1980)، عرّاب عائلة فيلادلفيا، بين عامي 1959 و1980.
عام 2008، أعلن سكورسيزي عن رغبته في تحقيق المشروع، مُقدِّماً إياه بصفته التعاون التاسع بينه وبين دي نيرو، اللذين التقيا ـ سينمائياً ـ للمرة الأخيرة عام 1995، في "كازينو" (مع بيتشي أيضاً). في سبتمبر/أيلول 2014، أكّد آل باتشينو أن سكورسيزي سيُحقّقه، فور انتهائه من "صمت" (2016). في أكتوبر/تشرين الأول 2015، قال دي نيرو إن الفيلم سيُنجز، وإن تصويره سيكون عام 2016، بينما أكّد سكورسيزي أن زايلن يكتب السيناريو.
في "السوق السينمائية"، أثناء الدورة الـ69 (11 ـ 22 مايو/أيار 2016) لمهرجان "كانّ"، تمّ شراء حقوق الاقتباس السينمائي. يومها، اقترحت الشركة المكسيكية "فابريكا دي سيني" دفع 100 مليون دولار أميركي لتمويل المشروع، مشيرة إلى اتفاق بينها وبين شركة "باراماونت" على توزيعه داخل الولايات المتحدة الأميركية، بينما تتولّى "آي. أم. غلوبال" توزيعه دولياً. كما وافقت "أس تي أكس إنترتاينمانت" على دفع 50 مليون دولار أميركي للتوزيع الدولي، متقدّمة بذلك على "يونيفرسال بيكتشرز" و"فوكس للقرن الـ20" و"لايونزغايت".
في فبراير/شباط 2017، أعلنت "باراماونت" تخلّيها عن المشروع، بعد انسحاب "فابريكا دي سيني" منه، بحجة أن الميزانية "ضخمة جداً". عندها، تدخّلت "نتفلكس" واشترت الحقوق بـ105 ملايين دولار أميركي، مخصّصةً 125 مليون دولار أميركي لإنتاجه. وقد بدأ تصويره في 29 أغسطس/آب 2017، في مانهاتن ونيوجرسي.