مع إعلان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني لبرنامجه الانتخابي، الأحد الماضي، يبدو أن مرشحه لمنافسة المستشارة أنجيلا ميركل على منصب المستشار الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي وزعيم الحزب، مارتن شولتز، أراد تغيير التكتيك في حملة الحزب لهذه الدورة، بتصعيد المواقف السياسية وتوجيه سهامه مباشرة إلى شخص ميركل عند مخاطبته المندوبين خلال المؤتمر، الذي عقد في مدينة دورتموند، مقدماً نفسه وكأنه زعيم للمعارضة.
ويقول المراقبون إن اتخاذ شولتز هذا المنحى في حملته يعود إلى اعتبار أنها ستكون فرصته الأخيرة لاستعادة زمام المبادرة للتجييش، واستنهاض المشككين والمندوبين قبل 13 أسبوعاً من الانتخابات، في ظل تراجع حضوره وتفوق حزب ميركل على حزبه بفارق 15 نقطة في الاستطلاعات الأخيرة، وبعدما مني وحزبه أخيراً بثلاث هزائم متتالية في انتخابات برلمانات ثلاث ولايات، كان أقساها في ولاية شمال الراين وستفاليا معقل الحزب، والتي تعتبر من الأكثر كثافة بالسكان بين الولايات الألمانية.
ويرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أن تصويب شولتز على ميركل، والقول إنها واتحادها المسيحي يدفعان بالناخب للعزوف عن الإدلاء بصوته، عبر استخدام سياسي فارغ المضمون يظهر ضعفه، معتبرين أن ميركل، وكما تظهر سيرتها السياسية وبراغماتيتها، لن تنجر إلى هذا النوع من المهاترات الإعلامية، خصوصاً بعدما تبين للجميع أن شولتز يفتعل الجدل مع المستشارة لاستغلاله في حملته، وهو ما أشار إليه بالقول "إنهم يرفضون المناقشات الموضوعية أثناء الحملة الانتخابية للتنصل من الخلافات الجوهرية، وهذا هجوم على الديمقراطية". مع العلم أن مضمون حديث شولتز لاقى أيضاً ردود فعل سلبية في الوسط الإعلامي، واستدعى أيضاً رداً من زعيم الحزب المسيحي الاجتماعي، الشريك لميركل في الاتحاد المسيحي، هورست زيهوفر، الذي قال "يبدو أن شولتز فقد أعصابه مبكراً وأظهر يأسه، وكشف عن العجز لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي". وجاء رد ميركل، الإثنين الماضي، خلال إحدى الندوات التي تنظمها مجلة "بريجيت" عن الانتخابات البرلمانية لعام 2017، مسالماً، إذ أكدت مواصلة العمل من أجل تعزيز الديمقراطية، قبل أن تضيف ممازحة "يبدو أن الحملة الانتخابية مرهقة للبعض أحياناً".
ويضيف الخبراء أنه، وفي نهاية المطاف، شولتز ليس زعيم حزب العمال البريطاني، جيريمي كوربين، والوضع في ألمانيا يختلف عن بريطانيا أو فرنسا، أي أن محاولة استنهاض الشارع بمصطلحات منها إعادة الشباب إلى أوروبا والحديث عن الحرية والعدالة والتعليم وحقوق الإنسان لا تدغدغ مشاعر الناخب في ألمانيا. وأكدوا أن الشعارات والبرنامج لا يكفيان، وعلى مرشح الحزب الاشتراكي أن يظهر حنكة واحترافاً في التأطير السياسي، كما فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، والشجاعة والذكاء في تقديم الأفكار والكلمات كما فعل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ومنها التزامه الواضح تجاه الاتحاد الأوروبي.
ويعتبر المراقبون أن شعار العدالة الاجتماعية أصبح مستهلكاً، وفي ألمانيا كل شخص له قيمة متساوية، بغض النظر عن ماله وامتيازاته ونفوذه، وبالتالي فإن شولتز يحتاج المزيد من الشجاعة لإحداث الفرق، بعد أن تصاعدت شعبيته عند إعلان ترشيحه، خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، مستفيداً من واقع وتعب وهموم ومشاكل المستشارة، إلا أنها خبت في الفترة الأخيرة، بعد أن اصطدم مرة جديدة بمنحنى الشعبية السياسية. من هنا، بات المطلوب استخدامه، عوضاً عن هذه الشعارات، مصطلحات تؤثر في الناخب، ومنها إعادة توزيع الضريبة على الثروات أو الإصلاح الضريبي، وهذه علامة قوة، حسب رأيهم. كما وإظهار تعاطفه مع الناس بعبارات التعاون والمحبة لحماية نفسية الجمهور، ومنها أن التعاون الجيد يسمح للناس بالحصول على ما يحتاجون إليه، وليس الحصول من الناس على ما يكسبون، وهذا يعطي المواطن بعض الثقة ويحثه على متابعة الأمور التي تجعله سعيداً، وهذا الأسلوب يعتمده رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو.
وانطلاقاً من الحملة التي يعتمدها الاشتراكي، يرى الخبراء أنه يسعى لتعزيز موقعه في السلطة عبر التركيز على خطط الابتكار والاستثمار والتعليم والبطالة وتخفيض الضرائب عن الطبقة الوسطى، كما وإظهار الدولة الاجتماعية الحديثة. لكنه ورغم ذلك لا يملك ما يكفي من المواد لحملة انتخابية مثيرة للجدل، وخصوصاً أن القضايا الجوهرية هي في صلب وأولويات عمل المستشارة وحزبها، منها الداخلية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والأمن وعمل أجهزة الاستخبارات مع تمدد الشبكات الإرهابية داخل أوروبا، وهذا ما يطمئن المواطن، مع كل الجهد والدعم الذي تبذله الحكومة الاتحادية، وفي ظل وضع اقتصادي مريح والزيادة في نسبة الصادرات ومبيعات التجزئة، فضلاً عن الاهتمام بملف المعاشات التقاعدية والتأمين الصحي والأمن الوظيفي. ناهيك عن أخرى خارجية، إذ أظهرت ميركل أداء متميزاً على الساحة الدولية شكّل لها مصدراً للثقة، بفضل تعاطيها الحاسم والجدي في ملفات حساسة، منها المتعلقة بحلف شمال الأطلسي واتفاقية باريس للمناخ بوجه ترامب، ما دفع بمؤسسات الاتحاد الأوروبي لتأييد طروحاتها وخياراتها. والأمر نفسه بالنسبة للعلاقة مع روسيا وتركيا في ظل أزمة اللاجئين والحرب على الإرهاب.
وعن تجاوب الناخب مع حماسة شولتز، يرى الخبراء أن هناك صعوبة كبيرة لدى الاشتراكي في شحذ الهمم لدى الناخبين، نظراً إلى أن الواقع العام لا يوحي بأن لدى المواطن الألماني في الوقت الحاضر رغبة كبيرة من أجل التغيير، والوضع الاقتصادي متين، والمطلوب تعزيز صلابة الموقف الألماني والأوروبي في ظل الظروف السياسية العالمية وفرض عامل الاستقرار، فضلاً عن أن ميركل هي السياسي الوحيد من الدول المؤثرة في أوروبا التي استطاعت، بحنكتها، امتصاص النقمة والاتهامات التي سيقت ضدها خلال العامين الأخيرين، مع تعدد الأزمات في ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، والتي نتج عنها خروج رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، من السلطة، وتبعه أيضاً في إيطاليا رئيس الحكومة، ماتيو رينزي، وفي فرنسا لم يترشح الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا هولاند، لولاية ثانية لقناعته بأن حظوظه بالفوز معدومة.