وأكدت مصادر سياسية قريبة من قيادة المجلس لـ"العربي الجديد" وجود العديد من القيادات السياسية في المجلس، على مستوى هيئته الرئاسية وأعضاء ما يُعرف بـ"اللجنة العمومية"، لا ترى مانعاً من تحوله إلى حزب، بعد أن فشل منذ الأشهر الأولى لولادته في إثبات ما أعلنه، من توصيف لنفسه ككيان يتولى إدارة الجنوب اليمني وتمثيله، إذ اصطدمت خطوته برغبات "التحالف العربي"، المؤقّتة على الأقل، بضرورة بقاء الحكومة الشرعية اليمنية، ولو بصورة شكلية كغطاء لتدخل التحالف في البلاد. وأشارت المصادر إلى أن هذا التوجّه "لا يزال يواجه في المقابل تحفّظاً قائماً على العديد من الحسابات".
وأخيراً، استحدث المجلس أمانة عامة، وعيّن محافظ شبوة السابق، أحمد حامد لملس، أميناً عاماً للمجلس، في خطوةٍ ذهب العديد من تعليقات السياسيين اليمنيين إلى اعتبارها "المؤشر الأبرز والأحدث على أن المجلس يمضي نحو القبول بالأمر الواقع"، وهو أنّه قوة أو هيئة سياسية تكتسب صفات أقرب إلى حزب أو مكوّن سياسي. وهو الأمر الذي كان المجلس قد سبق إليه بالعديد من القرارات، على غرار إنشاء دوائر سياسية وإعلامية وجماهيرية ومثلها من الخطوات، التي يرسّخ بها بناءً تنظيمياً يجعل منه حزباً سياسياً، على الرغم من وجود عوائق قانونية على الأقل، وأولها افتقاره إلى الصفة الوطنية التي تشترط على الأحزاب أن تكون ممثّلة لمختلف محافظات البلاد، ولا تقوم على أساس تمثيل منطقة دون أخرى.
وكان رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، قد طالب مرات عدة، في تصريحات صحافية، "المجلس الانتقالي الجنوبي" بالتحول إلى حزب سياسي والتخلّي عن السلاح، وقال إنه حتى مع إبقاء شعاراته المنادية بالانفصال فإن بإمكانه أن يمارس عمله السياسي، بل أكد في وقت سابقٍ أن "بإمكان المجلس كحزب أن يسعى إلى تسلّم الحكم في المحافظات الجنوبية".
وتتخوّف قيادات "الانتقالي" من أن التحوّل إلى حزب سياسي ستنتج عنه خسائر، أولاها أمام الجماهير التي وعدها المجلس بأنه الممثل الوحيد لـ"الجنوب"، بالإضافة إلى ما يمكن أن يترتّب على ذلك من اعتباره مكوناً بين مكونات عدة، وبالتالي يعود ليمثّل حجمه الطبيعي، كممثل لطيْف من القيادات الجنوبية وقواعد ما يُعرف بـ"الحراك الجنوبي"، المطالب بالانفصال، بالإضافة إلى القيادات التي أقنعتها أبوظبي بالانضمام إلى المجلس بشكل عام، ولكن مع وجود تيارات وأطراف أخرى، لها الحق في أن يكون لها صوتها في الجنوب.
وتأسّس "المجلس الانتقالي الجنوبي" في مايو/ أيار الماضي، من 26 عضواً برئاسة محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، ونائبه هاني بن بريك، وكلاهما كان من أبرز حلفاء الإمارات في عدن. وفيما قدّم المجلس نفسه كإدارة لـ"الجنوب" على غرار "المجلس السياسي" الذي يمثّل واجهة السلطة في مناطق سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في صنعاء، تراجعت حدة التصعيد في الفترة التي تلت تأسيسه، نظراً إلى ما تقتضيه حاجة التحالف الذي تقوده السعودية، من إبقاء الحكومة الشرعية كواجهة للتدخل في اليمن، وإن كان التحالف، خصوصاً في المناطق التي تتصدّر الحضور فيها الإمارات، يمارس سياسات تقوّض جهود الحكومة الشرعية ونفوذها، وهو الأمر الذي وثّقه فريق الخبراء المكلف من مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن.
وفي وقتٍ لاحقٍ، اتجه المجلس إلى تعزيز بناه التنظيمية من خلال تأسيس فروع في المحافظات، تحت مسمّى "القيادة المحلية للمجلس الانتقالي"، في كل محافظة على حدة. وأعلن في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عن تأسيس "الجمعية الوطنية" التي قدّمها على أنها "البرلمان الجنوبي" في الدولة الانفصالية التي يدعو إلى تأسيسها في جنوب اليمن. إلّا أنّ شهوراً مرّت من دون أن يتمكّن المجلس من تحويل "الجمعية" إلى هيئة حقيقية، مثلما فشل في السابق في تقديم نفسه كسلطة في محافظات جنوب اليمن. إلّا أنه في المقابل يواصل تأسيس الهيئات التنظيمية ويعقد الاجتماعات والأنشطة، التي تجعل منه مكوناً سياسياً، أو كياناً، يستعد لتسلم السلطة في المحافظات الجنوبية باليمن، ولكن في ظروف مناسبة لاحقاً.