تعدّ العلاقة بين المترجم والمؤلف قريبة إلى حد كبير من العلاقة بين المخرج وكاتب النص، علاقة محكومة بالصراع تارة والتفاوض تارة ولا يخلو الأمر من شجارات وفضائح أيضاً حفل بها تاريخ الأدب وما زالنا نكتشف الكثير منها إلى اليوم، فكم من ترجمات تكرست بحكم الزمن تبيّن أنها قاصرة أو خائنة للنص الأم أو حتى مستهترة بالقارئ.
ويعرف تاريخ الأدب الحديث الكثير من الكتّاب الذين يشكوا المترجمون من جحيم ملاحظاتهم والتعامل المباشر معهم ومن أبرز هذه الأسماء الروائي التشكيي ميلان كونديرا الذي رفض ترجمات بأكملها في بعض الأحيان، أو وضع المترجمين في مواقف مليئة بالشد والأخذ والرد قبل أن يقبل بمقترحاتهم لا سيما وأنه يجيد عدة لغات، مقابل كتّاب آخرين كانوا يرفضون أي تدخّل للكاتب في عمل المترجم ومنهم أومبرتو إيكو.
في هذا الإطار، يقوم كتاب "الترجمة مع المؤلف" للباحث الأكاديمي باتريك هيرسان، أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة "باريس 8" في العاصمة الفرنسية، والذي صدر مؤخراً ضمن منشورات جامعة السوربون.
يرى الكاتب أن تجارب التعاون بين المؤلفين والمترجمين تكشف عن عمل محكوم عليه بالفشل في العادة، فحين تكون الترجمة قيد الصنع، ينكشف عالم من خطوط القوة والتردد والتعديلات والجرأة أو حتى صرف النظر، حيث يبقى هدف وفعالية هذا التعاون موضع تساؤل: ما الذي يدّعي تحقيقه حضور المؤلف أثناء ترجمة نصه وهل يحقق هذا التعاون ما يدعي أنه يسعى إليه؟ هل يجب أن يختزل دور الكاتب الأصلي إلى مراجعة تصحيح بسيطة أم أن له دور أكبر في تعديل النص بعمق؟ وهل يمكن لدور المؤلف أن يؤدي إلى حد إفساد الترجمة؟
يحاول هيرسان الإجابة على هذه الأسئلة المختلفة بملاحظة حول تجارب عشرات العلاقات التي جمعت المؤلفين بالمترجمين والذين أثبتت أعمالهم المشتركة أنها مثمرة أو إشكالية بشكل خاص. يعتمد الكاتب على المراسلات والمسودات غير المنشورة التي حصل عليها من مالكيها أو من الناشرين أو من المترجمين.
النماذج التي يطرحها الكاتب هنا هي أعمال ترجمت لسانت جون بيرس، وتوماس مان، وبول تسيلان، وغابرييل دانونسيو، وأميليا روسيلي، وغيليرمو كابريرا إنفانتي، وجواو غيماريش روزا، وآن هيبرت، وفيليب جاكوت، وفلاديمير نابوكوف، وجوزيف برودسكي، وخوليو كورتاثار.