تضاربت، طيلة مساء الأحد وصباح أمس الإثنين، الأرقام في العاصمة النمساوية فيينا، حول هوية الرئيس الجديد للبلاد. تضارب وتّر الأجواء إلى حدّ أن معسكر حزب "الحرية"، ذا الميول النازية، كال الاتهامات إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون النمساوي (أو آر إف) بـ"التلاعب بالأصوات" التي كانت تُعرض تباعاً على الشاشات، قبل أن تحسم النتائج بإعلان فوز مرشح "الخضر"، ألكسندر فان دير بيلين، مساء أمس.
بدا المرشح الرئاسي اليميني، زعيم حزب "الحرية"، نوربرت هوفر، المثير للجدل داخلياً وخارجياً بسبب مواقفه المتطرفة، متوتراً وهو يتابع عملية فرز الأصوات، مع تقدّم منافسه، فان دير بيلين، من حزب "الخضر"، والذي أجمع اليسار ويسار الوسط ويمين الوسط على دعمه في مواجهة هوفر في الجولة الثانية والحاسمة، بعد جولة أولى في 24 أبريل/نيسان الماضي.
وبعد فرز أكثرية أصوات الناخبين، تقدّم هوفر 51.9 في المائة في مقابل 48.1 في المائة لفان دير بيلين، مع تبقّي أكثر من 700 ألف صوت في اقتراع يُدعى "التصويت عبر البريد"، حُسمت لمصلحة فان دير بيلين، مع العلم بأنه من بين 6.382.507 ناخبين تجاوزوا سنّ الـ16 ويحقّ لهم التصويت، شارك في الجولة الثانية نحو 78 في المائة منهم، بزيادة 10 في المائة عن الجولة الأولى.
ولم يحدث مثل هذا الفرز، الذي عاشه المجتمع النمساوي، منذ عام 1980، حين شارك أكثر من 90 في المائة من النمساويين في انتخاب رئيسهم. وهو فرز أقلق النخب الحاكمة داخلياً وفي المحيط الأوروبي، كتعبير عن صراع عميق بين اليمين المتطرف بشكله الفاشي والنازي، الذي لم يكن يتصور كثيرون أن يكون له مكان في الحياة السياسية الأوروبية قبل سنوات قليلة، مع باقي أطراف المجتمع.
اقــرأ أيضاً
تجلّى الانقسام بحضور قويٍّ للتطرف، وظهرت أولى تعبيرات الانقسام حين اصطفت أحزاب مثل "الديمقراطيين المسيحيين" و"الاجتماعيين الديمقراطيين" و"الشيوعيين" في معسكر واحد مع فان دير بيلين، كمخرج وحيد لمحاولة وقف جرّافة التطرف التي تشق طريقها. ويلخّص اليساري، فرانز فليمنت، لـ"العربي الجديد"، ما يحصل بأن "الأمر خطير جداً. سيتذكر النمساويون قريباً ما نقوله عن تجربة أدولف هتلر في إحراقه عام 1933 مبنى الرايخستاغ (البرلمان الألماني السابق) وشقّ الطريق نحو قيادة شمولية".
كما يتخوّف نصف المجتمع النمساوي من "ماكينة التطرف في تحويل مجموعات بشرية إلى أكباش فداء لمشاكل المجتمع. وهو أمر قد يكون ملهماً لمجتمعات وأحزاب يمينية متطرفة أخرى في أوروبا"، حسب ما يقول محمد تشكيك، النمساوي التركي من ضاحية سيمرينغ في فيينا لـ"العربي الجديد".
سيمرينغ هي الضاحية المختلطة إثنياً وتصوّت تقليدياً للحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، لكن سكانها باتوا في حال من القلق. في هذا الصدد، تقول ابنة المنطقة، العاملة المتقاعدة، هيلدا هاين، لـ"العربي الجديد"، إن "الفاشيين تلاعبوا بمشاعر البسطاء في مسألة المسلمين والهجرة والبطالة. لكنهم يتناسون أن أوروبا كلها في ورطة تشبه ثلاثينيات القرن الماضي. أخشى أننا سنكون صورة سيئة ليقلدنا الآخرون". تعترف هاين بأن "قابلية البعض من النمساويين لقبول النازية ليست جديدة، ولكنها توسعت في السنوات الأخيرة بين الملايين الثمانية التي يتشكّل شعبنا منها".
من هو هوفر؟
وبالنسبة إلى هوفر، فقد ولد في الثاني من مارس/آذار 1970 عند الحدود المجرية النمساوية لأبوين من الطبقة المتوسطة. هوفر أب لأربعة أبناء، وتخلى عن مهنته مهندساً للطيران في عام 1994، ليصبح سياسياً في حزب "الحرية" بقيادة زعيمها الراحل، يورغ هايدر. ويعمل جاهداً لخطف أنفاس المؤيدين بشعارات متشددة، لم يسبق أن طُرحت بهذه القوة. فعلى الرغم من العلاقة التاريخية الطويلة بين النمسا والمسلمين، وتسامح المجتمع مع وجود مساجد محمية دستورياً، إلا أنه لم يتردد في القول إن "الإسلام لا يمكن أن يكون له مكان في النمسا. هذه الحكومة يجب إقالتها بغية إدخال تشديدات على سياسة اللجوء ومنع المسلمين من دخول بلادنا".
لا يخفي هوفر تفاخره بعشقه إطلاق النار وحمل السلاح، ويعترف بأنه دائماً ما يحمل مسدس "غلوك 9 ميليمترات". ويبرّر ذلك بالقول إنه "مع وجود الهجرة، أمر طبيعي أن تحمل السلاح". كما يدرّب أبناءه على إطلاق النار، وهي من الأمور غير المعتادة عند السياسيين في المجتمعات الأوروبية، لا بل إنها ظاهرة أميركية بدأ اليمين الأوروبي يدعو إليها إثر أحداث التحرّش التي شهدتها مدينة كولن الألمانية ليلة رأس السنة الأخيرة.
كما يذهب إلى حدّ الاعتراف بأنه في أثناء تجواله في الجولتين الانتخابيتين في البلاد، كان المسدس رفيقه دائماً. ويردد هوفر الشعارات والأيديولوجية النازية، مما يجعله صاحب شعبية كبيرة بين المتشبهين به من جيل الشباب وحليقي الرؤوس من الفاشيين حول أوروبا.
استغل هوفر وصول 100 ألف لاجئ تقريباً إلى بلاده، فراح يدعو اليمين والمحافظين لتأييده رغم أنه يحمل فكراً فاشياً. ولم تأت أصوات نصف الناخبين من العدم، وهو مع أركان أخرى في معسكر اليمين القومي المتطرف، يدركون أية تأثيرات يؤديها حزبهم وتقدمه في بقية دول أوروبا. فهؤلاء يعتبرون حزب "الحرية" الآن مثلهم الأعلى في كيفية التقدم أكثر في أية انتخابات تشريعية مقبلة. وعلى الرغم من أن النمسا جمهورية بنظام برلماني ديمقراطي والرئاسة ليست سوى بروتوكولية، إلا أن الرئيس في النمسا قادر على منع التوقيع على قوانين معينة وعرقلتها، وبيده أيضاً الدعوة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
وبعد فرز أكثرية أصوات الناخبين، تقدّم هوفر 51.9 في المائة في مقابل 48.1 في المائة لفان دير بيلين، مع تبقّي أكثر من 700 ألف صوت في اقتراع يُدعى "التصويت عبر البريد"، حُسمت لمصلحة فان دير بيلين، مع العلم بأنه من بين 6.382.507 ناخبين تجاوزوا سنّ الـ16 ويحقّ لهم التصويت، شارك في الجولة الثانية نحو 78 في المائة منهم، بزيادة 10 في المائة عن الجولة الأولى.
ولم يحدث مثل هذا الفرز، الذي عاشه المجتمع النمساوي، منذ عام 1980، حين شارك أكثر من 90 في المائة من النمساويين في انتخاب رئيسهم. وهو فرز أقلق النخب الحاكمة داخلياً وفي المحيط الأوروبي، كتعبير عن صراع عميق بين اليمين المتطرف بشكله الفاشي والنازي، الذي لم يكن يتصور كثيرون أن يكون له مكان في الحياة السياسية الأوروبية قبل سنوات قليلة، مع باقي أطراف المجتمع.
يحاول كثيرون، داخل النمسا وخارجها، فهم ما يدور من تغيّر في المزاج الشعبي الأوروبي، الذي جعل الناخبين يستديرون هذه الاستدارة "الخطيرة نحو التطرف". ويرى بعضهم أن "التطرف حضر وأصبح جزءاً من الخارطة السياسية". في المقابل، يرى آخرون أن "التصويت بهذا الشكل هو تعبير عن احتجاج شعبي على سياسات البلاد تجاه النخب من يسار الوسط، وخصوصاً الاجتماعيين الديمقراطيين". وفي هذا المجال يأخذ هؤلاء مسألة "فرض الاتحاد الأوروبي لسياسات هجرة موحدة وفتح الأبواب أمام تدفق اللاجئين العام الماضي فاقم المشهد". وبعيداً عن النتيجة الحادة في المواجهة في دورتين انتخابيتين، تحت سقف الديمقراطية وثقافتها، فإن النمسا لن تكون في المستقبل كما كانت عليه خلال الشهرين الماضيين.
تجلّى الانقسام بحضور قويٍّ للتطرف، وظهرت أولى تعبيرات الانقسام حين اصطفت أحزاب مثل "الديمقراطيين المسيحيين" و"الاجتماعيين الديمقراطيين" و"الشيوعيين" في معسكر واحد مع فان دير بيلين، كمخرج وحيد لمحاولة وقف جرّافة التطرف التي تشق طريقها. ويلخّص اليساري، فرانز فليمنت، لـ"العربي الجديد"، ما يحصل بأن "الأمر خطير جداً. سيتذكر النمساويون قريباً ما نقوله عن تجربة أدولف هتلر في إحراقه عام 1933 مبنى الرايخستاغ (البرلمان الألماني السابق) وشقّ الطريق نحو قيادة شمولية".
كما يتخوّف نصف المجتمع النمساوي من "ماكينة التطرف في تحويل مجموعات بشرية إلى أكباش فداء لمشاكل المجتمع. وهو أمر قد يكون ملهماً لمجتمعات وأحزاب يمينية متطرفة أخرى في أوروبا"، حسب ما يقول محمد تشكيك، النمساوي التركي من ضاحية سيمرينغ في فيينا لـ"العربي الجديد".
سيمرينغ هي الضاحية المختلطة إثنياً وتصوّت تقليدياً للحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، لكن سكانها باتوا في حال من القلق. في هذا الصدد، تقول ابنة المنطقة، العاملة المتقاعدة، هيلدا هاين، لـ"العربي الجديد"، إن "الفاشيين تلاعبوا بمشاعر البسطاء في مسألة المسلمين والهجرة والبطالة. لكنهم يتناسون أن أوروبا كلها في ورطة تشبه ثلاثينيات القرن الماضي. أخشى أننا سنكون صورة سيئة ليقلدنا الآخرون". تعترف هاين بأن "قابلية البعض من النمساويين لقبول النازية ليست جديدة، ولكنها توسعت في السنوات الأخيرة بين الملايين الثمانية التي يتشكّل شعبنا منها".
من هو هوفر؟
لا يخفي هوفر تفاخره بعشقه إطلاق النار وحمل السلاح، ويعترف بأنه دائماً ما يحمل مسدس "غلوك 9 ميليمترات". ويبرّر ذلك بالقول إنه "مع وجود الهجرة، أمر طبيعي أن تحمل السلاح". كما يدرّب أبناءه على إطلاق النار، وهي من الأمور غير المعتادة عند السياسيين في المجتمعات الأوروبية، لا بل إنها ظاهرة أميركية بدأ اليمين الأوروبي يدعو إليها إثر أحداث التحرّش التي شهدتها مدينة كولن الألمانية ليلة رأس السنة الأخيرة.
كما يذهب إلى حدّ الاعتراف بأنه في أثناء تجواله في الجولتين الانتخابيتين في البلاد، كان المسدس رفيقه دائماً. ويردد هوفر الشعارات والأيديولوجية النازية، مما يجعله صاحب شعبية كبيرة بين المتشبهين به من جيل الشباب وحليقي الرؤوس من الفاشيين حول أوروبا.
استغل هوفر وصول 100 ألف لاجئ تقريباً إلى بلاده، فراح يدعو اليمين والمحافظين لتأييده رغم أنه يحمل فكراً فاشياً. ولم تأت أصوات نصف الناخبين من العدم، وهو مع أركان أخرى في معسكر اليمين القومي المتطرف، يدركون أية تأثيرات يؤديها حزبهم وتقدمه في بقية دول أوروبا. فهؤلاء يعتبرون حزب "الحرية" الآن مثلهم الأعلى في كيفية التقدم أكثر في أية انتخابات تشريعية مقبلة. وعلى الرغم من أن النمسا جمهورية بنظام برلماني ديمقراطي والرئاسة ليست سوى بروتوكولية، إلا أن الرئيس في النمسا قادر على منع التوقيع على قوانين معينة وعرقلتها، وبيده أيضاً الدعوة إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.