اعتقد كثيرون مع ظهور الإنترنت وتجذر العصر الرقمي أن الحريات ستعيش عصرها الذهبي، لكن الواقع كشف أن المسألة غير ذلك تماماً وأن السلطة مع كلّ وسيلة تواصل جديدة تخترع وسائل رقابة جديدة وأساليب قمع تناسب هذه التقنية.
في هذا السياق، يدور كتاب "الساحة العامة الخطرة: التهديدات الهيكلية لحرية التعبير اليوم" والذي أعدّه وحرّره الأكاديمي ديفيد بوزين، وصدر مؤخراً ضمن "منشورات جامعة كولومبيا" ويضمّ مجموعة من الدراسات لباحثين وباحثات من حقول مختلفة يتناولون حرية التعبير اليوم من زوايا مختلفة.
ويخصّ الكتاب حرية التعبير في أميركا بالقسم الأكبر منه، في بلد كان يعتقد لوقت طويل أنه معقل الديمقراطية لكنه أثبت في السنوات الأخيرة زيفه وعدم صحّته، يقول المحرّر في المقدّمة "يخشى الأميركيون من جميع أشكال الأيديولوجيا السياسية مع تعرّض "حرية التعبير" للهجوم، قد يبدو هذا غريباً في وقت لا تزال فيه الحماية القانونية لحرية التعبير قوية وتقلّ الرقابة الحكومية العلنية".
ويضيف "مع ذلك، فقد أثارت مجموعة من التطوّرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية تحديات عميقة لكيفية إدارة الكلام. تتزايد التهديدات الجديدة للخطاب السياسي - مع صعود الشعبوية الاستبدادية وسرية الأمن القومي، إلى تراجع الصحافة المطبوعة وثقة الجمهور في الخبراء، إلى "الأخبار المزيفة"، وأنماط المراقبة الخفية التي أصبحت ممكنة بفضل التقنيات الرقمية".
"الساحة العامة الخطرة" لم تعد الساحات الفعلية حيث تقام المظاهرات وتلقى الخطب، بل إن الكتاب يتطرّق إلى وسائط التواصل الاجتماعي والصحافة بوصفها أيضاً ساحة عامة للتعبير، ويجمع الكتاب بين كبار المفكرين لتحديد التهديدات متعدّدة الأوجه اليوم لحرية التعبير والتحقيق فيها.
تحدّد المقالات التغييرات الهيكلية الرئيسية في وسائل الاتصال الجماهيري وأشكال الرأسمالية العالمية، وتستكشف طرقًا لمعالجة هذه الأخطار والحفاظ على السمات الأساسية لديمقراطية صحية، وتتفحّص قوانين الإنترنت وسياسات الإعلام والصحافة، وتتوقّف عند التاريخ القانوني والنظرية القانونية، بحيث تشكّل الأوراق في مجموعها وجهات نظر جديدة حول تحصين نظام الكلام وإعادة تنشيط الساحة العامة.
يُذكر أن ديفيد بوزين هو أستاذ القانون في كلية الحقوق بـ"جامعة كولومبيا"، وقد أصدر عدّة دراسات أكاديمية عن الحريات في القرن الواحد والعشرين وعلاقتها بالقوانين؛ من بينها "الشفافية المضطربة: تاريخ ومستقبل حرية المعلومات" (كولومبيا 2018).