حركة "السترات الصفراء" تستعد للتظاهر، غداً السبت، في جولتها الخامسة والأربعين، أي "بعد عشرة أشهر، وهي تُشهرُ مطالبَها، التي ترد عليها الحكومة بالتجاهل والاحتقار".
وعبر إحدى صفحاتها التي عبرت عن التصميم على التظاهر في ساحة الشانزليزيه، وهو ما أيده جيروم رودريغيز، أحد وجوه الحراك الأكثر شعبية، والذي فقد عينه اليمنى بسبب طلق ناري من قبل الشرطة.
ويثير هذا الإصرار على التظاهر في هذه المنطقة قلق السلطات الفرنسية على أعلى المستويات، وهو ما لن تسمح به، على الأرجح.
ولأن باريس تشكّل مرآة فرنسا، فإن كل تظاهرة في العاصمة تبدو وكأن فرنسا كلها تتظاهر. ولأن باريس تشهد أنشطة طول السنة، فإنه ليس من المستغرب أن نسمع من الحكومة انشغال قوى الأمن في توفير الحماية، وهو ما ينعكس على تظاهرات "السترات الصفراء"، التي تجد متنفسا لها، وخاصة لعناصرها المتشددة وبعض المندسين من أقصى اليسار العنيف.
ولأن المواجهة بين "السترات الصفراء" والحكومة ليست فقط في الشارع، فإن شبكات التواصل الاجتماعي، التي يجيد نشطاء الحراك استخدامها، لا تخلو من مواجهات، ومن كر وفر مع القوى الأمنية.
وقد أثار انتباه خبراء الشرطة في فيسبوك خطابٌ وقَّعه من يطلقون على أنفسهم "السترات الصفراء تنتصر"، وهو خطاب يدعو إلى "ليلة متاريس كبرى في العاصمة"، في إشارة إلى انتفاضة 1968، وقبلها إلى كومونة باريس (الثورة الفرنسية الرابعة) ومتاريسها الشهيرة، وهو خطاب يدعو المتظاهرين إلى إحياء مايو 1968، على طريقتهم، مع هبوط الليل.
ويجد المتظاهرون "بنكا من الأهداف" التي يمكن أن يعاد فيها تمثيل أو إنتاج ثورة مايو 1968 متجددة، من بينها جادة الشانزليزيه أو مجلس النواب، أو حي "لوماري" وأرصفته الممتلئة بالنشاط، أو الأحياء البورجوازية في المقاطعة السادسة عشرة، أو زيارة مراكز الشرطة المنتشرة.
وتبحث وزارة الداخلية عن وجود رابط بين هذه التسمية الجديدة وبين حركة "السترات الصفراء"، التي قررت من جانبها التظاهر في العاصمة نهار غد السبت.
ومما يجعل عمل القوى الأمنية أصعب هو تصميم "السترات الصفراء" على التظاهر، غدا، إلى جانب نشطاء المناخ، من الإيكولوجيين، الذين سيتجمعون في منطقة "لا مادلين"، بدلا من التظاهر، خوفاً من إثارة صدامات مع الشرطة.
ولا يغيب عن بال السلطات الأمنية، والسياسية أيضا، أن الظروف الاجتماعية أصبحت مواتية لهذا النوع من الحراك، ومن الرغبة في تلاقي النضالات وتعاضدها، خاصة مع الحراكات الاجتماعية الرافضة لإصلاح التقاعد، الذي تريد الحكومة فرضه على الجميع. ولا يمكن تناسي أن قاعدة كبيرة من نشطاء "السترات الصفراء" متقاعدون في وضعية هشاشة.
وفي كل مرة تستحضر وزارة الداخلية مشاركة اليسار المتطرف في التظاهرات، خاصة "بلاك بلوك"، التي تأتي، خصيصا، لمهاجمة القوى الأمنية وتخريب رموز وممتلكات الدولة، وهو ما عبرت عنه صفحات في "فيسبوك".
"أيام التراث المفتوحة": ضحية للتظاهرات؟
وتحسبّا لأي طارئ، قررت كثير من المصالح إغلاق أبوابها أمام الجمهور، رغم أنه كان من المفروض أن تظلّ مفتوحة طول الليل، بفضل "أيام التراث"، ومن بينها وزارة الفلاحة والتربية الوطنية، وأيضا محافظَة الأمن ومتحفا "لوغران باليه" و"لوبوتي باليه"، وغرفة التجارة والصناعة، ومحكمة الحسابات، ومتحف الماسونية، وتطول القائمة بين فترة وأخرى، فيما ستبقى مرافق أخرى مفتوحة، بينها مجلس الشيوخ والإيليزيه ووزارتا الداخلية والثقافة ومقر الحكومة الأولى ومجلس النواب إلى حد الآن، إذ أن كل شيء ممكن، لكن بشرط التسجيل المسبق للراغبين في زيارتها.
وستكون القوى الأمنية في حالة استنفار كبيرة في العاصمة، ويصل تعداد ما تم تكليفه لتوفير الأمن حوالي 5000 شرطي ودركي، من أجل مواجهة أي اضطرابات محتملة مع المتظاهرين، وهو ما لخّصه مسؤول نقابي في الشرطة، سيلفان دورانتي، النقابة البديلة في الشرطة، بالقول: "70 وحدة من الشرطة ستنخرط في الدفاع عن الجمهورية".
"اعترافات" ماكرون
ما لم يقله الرئيس ماكرون عن الحراك الاجتماعي، وعن الأزمة في فرنسا بشكل مباشر للفرنسيين، تفوه به في لقاء له مع مجلة "تايم"، في طبعتها الأوروبية، فقد ترك العنان لاعترافاته: "قدمت الانطباع، على الأرجح، بأني أريد تنفيذ الإصلاح ضد إرادة الشعب. وأحيانا فُهمَ نفاد صبري على أنه نفاد صبر من الفرنسيين. وهو ليس بصحيح".
وعلى الرغم من عناد الرئيس الطويل وتصميمه على عدم التلفظ بكلمتي "سترات صفراء"، إلا في النادر، وبشكل سريع وانتقادي، إلا أنه، فجأة، يعترف، أمام الصحيفة الأميركية، بإيجابيات هذا الحراك: "بمعنى ما، كانت حركة "السترات الصفراء" جيدةً، بالنسبة لي".
ولا شك أن كثيرا من قيادات ووجوه الحراك سيقرأون هذه الاعترافات، ويضعون الرئيس أمام اعترافاته.
لقد وعد ماكرون الشباب العاطل بقطع الشارع، فقط، للعثور على الشغل، ففعلوا، دونما طائل، ثم توعَّد المتظاهرين بانتظارهم "ليأتوا للبحث عني" فأتوا إليه إلى قصر الإيليزيه، وطالَب من الشباب الإيكولوجي أن ينتفض على المسؤولين السياسيين، فقاموا باقتلاع بورتريهاته وتظاهروا بها وهي مقلوبة.
أحيانا لا تكفي الاعترافات، وهذا ما تقوله "السترات الصفراء" منذ 45 أسبوعاً.