الغرابة تبدأ من الاسم نفسه...وتمتد إلى كل شيء
كان يسمي فنانون أنفسهم "الشاب خالد" أو "الشاب مامي" أو "الشاب نصرو" أو غيرها، نسبة إلى خرّيجي المسابقة الغنائية الجزائرية "ألحان وشباب"، قبل أن تصبح اسماً سائداً بين نجوم الأغاني واسعي الشعبية في المنطقة، لكن "الشاب" اختار أن يسمي نفسه "الشاب" ببساطة، وحتى في حساباته على الإنترنت يقول إن اسمه هو "الشاب شي حاجة" (الشاب شيء ما).
اشتهر نبيل العمراوي (30 عاماً) بموسيقاه البسيطة. الإيقاع المغربي معزوفاً على آلة غيثار، لكن الغرابة تكمن في كلماته التي تتراوح بين الاختلاف والعمق والثورية، مع كليبات بجرعة أكبر من الغرابة.
أشهر هذه الأغاني أغنية "كوتوكوتو" التي حصدت أكثر من 8 ملايين مشاهدة، والتي تستعرض تناقضات المجتمع المغربي كما يراها فتسرد عبارات مثل: "أنت وسخ وتنظف الخارج فقط، أدخلي شعرك تحت الحجاب، هل تضع قُرطاً في أذنك وأنت ذكر؟ أنت متعلم وتسمع الأغاني الشعبية؟"، ثم ترّد على مثل هذه العبارات: "ما شأن أمك أنت؟ هل أحسست بالغبن في هذا وفي غيره لا"، "البعض ضائع في الغابة، والبعض ضائع في الغباء. البعض قلب الدنيا بسبب تنورة قصيرة. هل أحسست بالغبن في هذا وفي غيره لا".
تنتقل الأغنية إلى مستوى أكثر ثورية وانتقاداً للواقع فتقول: "على راسو بطحة وشوفته فطحة، فخاطرو فلحة وحنا ملحة. وجهدو فرحة وشطحة (رقصة) وردحة على الجثت. وللي سرق البلد، سرفق (صفع) الأمل، تسمى بطل"، "إذ نسينا فلا تقلي السمك علينا، أنت ليست مرسىً أو ميناءً أو سفينة"، "نحن نريد الغرق فقط اتركنا وشأننا".
ثم تصل الأغنية إلى مستوى الغرابة عندما تقول الكلمات "بق بق بق، نحن نغرق نغرق"، غرابة تسود الأغاني الأخرى، مثل عندما يختار "الشاب" أغنية عن الأواني المنزلية لتمرير رسائل ناقدة للمجتمع والسياسات.
مولود في حي الطلاب وبين طموح الشباب
وُلد نبيل، الاسم الحقيقي لـ"الشاب"، في يوليو/تموز 1990 في العاصمة المغربية الرباط، وبالضبط في حي القامرة حيث درس وترعرع، وهو الحي الذي اشتهر بتجمّع الطلاب القادمين من أنحاء المغرب من أجل الدراسة في العاصمة، حاملين أحلاماً وآمالاً ومشاعر يبدو أن "الشاب" يتقن ملامستها.
أحلام وآمال ومشاعر تهطل أفكاراً على "الشاب" حيث ما كان، لا يحتاج طقوساً معينة، يكتب بالليل أو في الصباح الباكر، في المنزل أو فوق دراجة وهو يدندن.
يقول "الشاب" لموقع "العربي الجديد"، "منذ الصغر، كنا نستمع إلى موسيقى الأطلس المتوسط والموسيقى الشعبية بأنواعها، وكذلك موسيقى الراي"، ومن هنا استقى مصادر إلهامه من الموسيقى والألحان. كما تأثر بالموسيقى العالمية مثل الجاز والروك والميتال. يقول إنه يستلهم موسيقاه وكلماته "ببساطة من كل ما يؤثر بي، سواء موسيقى، أفلام، روايات، أناس حقيقيون، أو تجارب".
Facebook Post |
أغانٍ تتصدر الترند...و"الشاب" يجهل السبب
جمعت قناة "الشاب" في "يوتيوب" حتى الآن أكثر من 23 مليون مشاهدة، وتصدّرت أكثر من أغنية ترند "يوتيوب" عند صدورها. وفي الشوارع وهواتف الشباب تنطلق أغنياته ويتفاعل معها المستمعون.
بحسبه، "أحب الجمهور في البداية أغنية "الزين الزين الزين"، وبعدها "بغينا الليل مايساليش"، و"عن الماعن"، لكن استناداً إلى الأرقام والإحصائيات، أغنية "كوتوكوتو" هي من عرّفت الجمهور الأوسع على ما أقوم به".
ولا يعرف بالضبط ما سر نجاح أسلوبه: "يصعب تحديد ما يحبه الناس في أسلوبي، كل مستمع حسب اهتماماته وحسه أعتقد، هناك من يحب الكلمات والمواضيع، وهناك من يحب الألحان والإيقاعات الشعبية، ومن يحب الجو العام للأغنية، من يحب بساطتها ومن يحب تعقيدها"، "يصعب التحديد خصوصاً أن المستمعات والمستمعين هم من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية".
وتوصف فيديو كليبات "الشاب" بالغريبة. مقتطفات من مقاطع تاريخية وأخرى متداولة عبر الإنترنت قد تبدو غير مترابطة بشكل منطقي. فكرة يتفق معها "الشاب": "أعتقد أيضاً أنها غريبة واختياري للشكل تفرضه أيضاً الإمكانيات المتاحة لدي، فأنا أشتغل عليها لوحدي بإمكانياتي وتقنيتي المتوسطة"، "أشتغل على كل شيء لوحدي، كل الأغاني من الكلمات حتى الفيديو".
لماذا يكره "الشاب" الصحافة والصحافيين؟
يُوصف "الشاب" بأنه عدو للصحافة، يرفض إجراء اللقاءات الصحافية ويكيل لها الانتقادات اللاذعة. في إحدى منشوراته قال للصحافيين "إلى الصحافة الفارغة ابتعدوا عني، أجروا حواراتكم مع المعتقلين في السجون من دون مبرر"، وفي أغنية "العياشة" انتقد من يظهر على الشاشة ووصفهم بالمتملقين.
وبرغم كرهه للصحافة وافق على الحديث إلى "العربي الجديد"، مؤكداً أن انتقاده لا يعني كل الصحافة بل فئة معينة لا يوافق على ما تنشره.
ويوضح "أنا فقط لا أحب كل من لا يتقن ولا يحترم عمله سواء كان صحافياً، خياطاً أو قاضياً. وأعتقد أن نسبة مهمة من الصحافة المغربية رديئة وغير مستقلة".
ويؤكد أن "هناك منابر إعلامية وصحافيين مغاربة محترمين وأكفاء، وهم متضايقون أيضاً من مستوى الإعلام في المغرب".
"الشاب" وعلاقاته بـ"يوتيوب" والعلامات
يشتكي "الشاب" من عراقيل يراها تتعلق بسياسة "يوتيوب". قال في أحد منشوراته إن "يوتيوب" "يمارس "شبه رقابة" ليدفعك إلى ممارسة الرقابة على نفسك وتصبح أملسَ وأليفاً".
وأوضح: "لقد منع عني الإعلانات في نصف مقاطعي بسبب مشاهد في الكليبات أو بسبب مواضيع حساسة"، "وصنّف أحد المقاطع بأنه للكبار فقط"، و"على العموم "يوتيوب" يعتبر نصف مقاطعي غير لائقة ويريدنا جميعاً أن ننتج كليبات في البحر ونركب سيارات دفع رباعي ونرقص من أجل المعلنين الذين وقعت معهم"، بحسب تعبيره.
كما اشتكى من حملات لمحاولة حذف مقاطعه: "هناك عدد كبير من الناس يبلّغون عن المقاطع"، متسائلاً: "هل الجميع يريد أن يربينا؟".
وبالحديث عن الشركات والإعلانات لا يرفض "الشاب" التوقيع مع شركة إنتاج وتوزيع معينة، ويقول إن قراره رهين بـ"الشركة وعرضها وبنود العقد، وحسب ما تقدمه ومشروعها الفني".
كما لا يرى مستقبله الفني رهيناً بأسلوبه الحالي أو بأسلوب واحد معين. يوضح "الشاب": "أنا أجرّب دوماً ولست حبيساً لنوع موسيقي معين، ولا مرتبطاً بمتطلبات أو تيارات السوق الموسيقية. أتمنى أن أبقى دائماً أجرب وأن لا أقع في الفخ".