يقف محمد عباس على بعد مئات الأمتار من الحدود التركية السورية للاطمئنان على منزله وهو ممنوع من العودة إليه، إذ يقع منزله في قرية "8 آذار"، والتي تُعرف بقرية "السليب"، وهي تابعة لمنطقة تل أبيض في ريف الرقة، وقد هجرها أهلها في 15 يونيو/ حزيران الحالي بعد أن تلقوا تهديدات عبر اتصالات هاتفية ومواقع التواصل الاجتماعي من عناصر "وحدات حماية الشعب"، وهي الذراع العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي الذي سيطر على المنطقة مع قوات من المعارضة السورية بعد طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، منها خلال الأيام القليلة الماضية.
تبلغ مساحة تل أبيض نحو 5 آلاف كيلومتر مربع، وتضم ما يزيد عن 600 قرية عربية و24 كردية وخمس قرى تركمانية، وحسب شهادة محمد، فإن قرية السليب، وهي أكبر قرى الريف الغربي ويبلغ عدد سكانها نحو ألفي نسمة، قد هجرها أهلها بشكل كامل بعد وصول تهديدات بالقتل لكل من يبقى فيها، بالإضافة إلى كل من قرى بندرخان والدناي والأحمدية والحرية وتكتيكانية والفيونطة.
غالبية سكان هذه القرى يرجعون في أصلهم إلى عشيرة السرامدة، كما أن هناك عدة قرى في الجانب التركي بعمق 40 كيلومتراً داخل تركيا يعود أصل سكانها لهذه العشيرة، وبعد أحداث الهجرة في 15 يونيو الحالي لجأوا إلى أقربائهم في الجانب التركي. ويوضح محمد أن أحد الأشخاص حاول العودة منذ عدة أيام إلى القرية ولكن عناصر "وحدات الحماية" منعوه من ذلك.
يُرجع عناصر القوات المشتركة سبب منع السكان العرب والتركمان من العودة إلى منازلهم، تارة إلى أنهم بايعوا تنظيم "داعش"، وعدم انضمام أولادهم إلى صفوف مقاتلي "وحدات حماية الشعب" حين كانوا يسيطرون على أجزاء من المنطقة قبل أكثر من عام قبل مجيء "داعش"، وتارة أخرى يدّعون بأن هذه المنطقة تعود ملكيتها إلى الأكراد، ولكن النظام السوري هو من قام قبل عدة عقود بتهجير الأكراد، وهم السكان الأصليون لهذه المنطقة، وإعطاء أراضيهم للعرب بغية تغيير ديمغرافية المنطقة.
ويرد على ذلك شيخ عشيرة السرامدة خليل الحامدي، الذي يسكن في قرية "زونجك" في الطرف التركي، بأن العشيرة تنقسم في عدة قرى على الطرفين السوري والتركي، متساءلاً: "إذا كان النظام السوري هو من جلب العرب إلى القرى السورية، فمن قام بجلبنا إلى قرى الطرف التركي وهي كثيرة كحمش وقمر الدين وشويحان ودرفلا؟".
ويوضح الحامدي أن عشيرتهم تسكن في المنطقة منذ مئات السنين وحين انقسمت المنطقة قبل مئة عام تم إنشاء السكة الحديدية والتي اعتُبرت الحد الفاصل بين الدولتين، وأصبحت العشيرة موزعة على الجانبين، ويشير إلى أنه منذ فترة ليست ببعيدة كان الأقارب يجتمعون كل مساء ويقطعون الحدود كل يوم ويحضرون الأفراح في ما بينهم ولم يختلف عليهم شيء سوى الهوية.
اقرأ أيضاً: مفصل تل أبيض في الحرب السورية: رباعيّة تغيّر الخرائط
ويُجمع مئات المدنيين السوريين الهاربين من قراهم، والذين لجأوا إلى أقاربهم في الطرف التركي، على أنهم غادروا قراهم بعد تلقيهم تهديدات بالقتل من عناصر "وحدات حماية الشعب" إذا لم يغادروا منازلهم، وأحد أهم الأشخاص الذين يقومون بإرسال التهديدات عبر أفراد عائلته هو إبراهيم باقر كردو، وهو وزير الخارجية في عين العرب ذات الإدارة الذاتية. ويحذر الحامدي من أن قضية المهجرين السوريين إذا لم يتم حلها وضمان عودتهم إلى منازلهم فإنها ستنعكس سلباً على الوضع الحدودي داخل تركيا.
يذكر أن قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" كانت تسيطر قبل عام تقريباً في شهر رمضان الماضي على أجزاء من قرى تل أبيض، ومنها بعض القرى العربية، ولم يتعرض حينها أحد للتهجير، ولكن هذه المرة هرب معظم أهالي القرى، وغادر أغلبهم باتجاه مدينة الرقة وريفها بينما النسبة الأقل إلى تركيا. وحسب الإحصاءات التركية، فإن 23 ألفاً دخلوا إلى تركيا قادمين من منطقة تل أبيض.
ويقول الناشط أحمد الحاج صالح، الذي يقوم بتوثيق انتهاكات الأطراف في أحداث تل أبيض، إن معارك تل أبيض بدأت في بداية شهر يونيو الحالي، وكانت القوات المشتركة حتى الـ13 من الشهر نفسه تتعامل مع كافة المدنيين بشكل جيد جداً وقدّمت لهم الطعام بشكل مجاني.
ولكن في 13 يونيو، هجّرت "وحدات حماية الشعب" الكردية أهالي قرية زحلة العربية، وتقع القرية على بعد 12 كيلومتراً جنوب تل أبيض في ريف الرقة، وفي 15 من الشهر نفسه تم تهجير قرية قره شرف العربية، وهي تقع شمال قرية عين عيسى في ريف الرقة، كما تم نهب أملاك الأهالي بشكل كامل، وهو ما حصل مع قرية مدلج أيضاً. كما تم تهجير قرى باب الهوى، من كلي، الضبعة، إلى القرى المجاورة، وفي الليلة ذاتها توجّهت إحدى الضابطات إلى أهالي القرى وقدمت لهم الاعتذار على هذا التصرف، وطلبت منهم العودة إلى قراهم.
وفي 23 يونيو الحالي نفذت "وحدات حماية الشعب الكردية" تهديدها بإخلاء قرية حمام التركمان وتهجير أهلها بعد أن أبلغت أبناء القرية بوجوب إخلاء القرية خلال 24 ساعة، وفي حال لم تتم الاستجابة سيتم قصفها عبر طيران التحالف.
وحسب شهادات عدة أشخاص وصلوا إلى قرية "أقشة قلعة" التركية في الليلة نفسها برفقة نحو 200 شخص بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فإن سيارة مفخخة كانت قد دخلت صباح يوم الإثنين 22 الحالي إلى قرية حمام التركماني وانفجرت أمام أحد مقرات قوات "حماية الشعب"، ونتج عن ذلك إصابات في صفوف "الوحدات"، وفي عصر اليوم نفسه قام عناصر من القوات الكردية بإبلاغ أهالي القرية عبر مآذن الجوامع بوجوب إخلاء القرية وإذا لم يتم التنفيذ سيتم قصف القرية عبر طيران التحالف.
وأوضحت الإفادات بأنه صباح يوم الثلاثاء 23 الحالي، تم تشكيل لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص من أبناء القرية من أجل لقاء القيادة العسكرية في تل أبيض والتفاوض معها، لكن من دون جدوى، وبعد التوجّه إلى بيت الشعب (إدارة مدنية للمنطقة)، جرى إبلاغهم أن أهل حمام التركمان ينسّقون مع تنظيم "داعش".
وفي اليوم نفسه، انسحبت قوات "حماية الشعب" من القرية، وهذا ما أخاف أهل القرية من قصف التحالف، وجعلهم يخرجون بشكل نزوح جماعي إلى القرى المجاورة وإلى تركيا.
اقرأ أيضاً: وحدات حماية الشعب الكردية تهجّر أهالي قرية تركمانية
حاول فريق "العربي الجديد" الوصول إلى مدينة تل أبيض في 22 يونيو الحالي بعد فتح المعبر الحدودي من الطرفين، لكن رفض "وحدات حماية الشعب" حال دون ذلك. وقال أحد عناصر "وحدات الحماية"، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "هناك سبع قرى تعود ملكيتها لعائلة الكردو، ولكن النظام السوري سلّمها للعرب عبر القانون رقم 161 عام 1958 القاضي بإعادة توزيع الملكيات الزراعية والمعروف باسم قانون الإصلاح الزراعي، وتم عبره اقتطاع أراضٍ واسعة من الأكراد وتسليمها للعرب بغية تغيير ديمغرافية المكان".
وأضاف أن "هناك أراضٍ واسعة في ريف الرقة وحلب والحسكة تعود ملكيتها لعوائل كردية، وسيتم استرجاع جميع هذه الأراضي"، مشيراً إلى أن "قوات الجيش الحر وعدة فصائل مقاتلة أخرى وجبهة النصرة ومن ثم داعش هجرت العديد من القرى الكردية، ونحن سنعمل على إعادة جميع المهجرين الأكراد إلى منازلهم".
لكن القاضي خالد الناصر يوضح أنه في عام الوحدة بين سورية ومصر، صدر قانون الإصلاح الزراعي وشمل الإقليم السوري والمصري، وتضمّن إعادة توزيع الملكيات الزراعية الكبيرة (الاقطاعات) إلى ملكيات زراعية صغيرة للعاملين والمزارعين فيها، وقد بدأ تطبيقها في الإقليم السوري في العام نفسه، وشمل جميع الإقطاعات الزراعية سواء كان مالكي الأراضي من العرب أو الأكراد، وقد تم توزيع هذه الملكيات إما على مزارعين وفلاحين من المنطقة نفسها، أو على مزارعين تم استقدامهم من مناطق أخرى، ولم تكن هذه سياسة خاصة في مناطق الملكيات الكردية فقط وإنما أيضاً في مناطق الملكيات العربية.
وأضاف أن قانون الإصلاح الزراعي تضمّن أيضاً فقرات تمنع بيع وتجزئة الوحدات الزراعية الموزعة، كما نص على أن يدفع المزارع المستفيد من الوحدات المقتطعة جزءاً من قيمة المحصول بشكل سنوي، وتم منح سندات تمليك لمعظم المزارعين المستفيدين من الوحدات الزراعية.
وكشفت شهادات 30 عائلة على الحدود التركية، لـ"العربي الجديد"، أن السبب الرئيسي وراء هجرة أبنائها هو الخوف من ارتكاب انتهاكات بحقهم من قِبل قوات "حماية الشعب"، وخصوصاً بعد تلقيهم اتصالات عديدة من عناصر في هذه القوات تطالبهم بوجوب إخلاء قراهم والخروج منها، بالتزامن مع نشر قوائم بأسماء مطلوبين من أبناء المنطقة على صفحات غير رسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الخوف من الاشتباكات وقصف طيران التحالف. ونشرت صفحات على موقع "فايسبوك" محسوبة ومقربة من حزب "الاتحاد الديمقراطي" أسماء وقوائم بمطلوبين للقوات المشتركة بتهمة "الدعشنة" وارتكاب انتهاكات بحق الأكراد سابقاً، وبلغ عدد هذه القوائم أكثر من عشرة قوائم واحتوت على ما يقارب ألفي اسم.
كما بيّن الشهود قيام عناصر "داعش" بتلغيم عدد من منازل المدنيين كونها كانت جبهات قتال مع القوات المشتركة، وهذا ما جعل القوات المشتركة تخلي بعض القرى لإزالة الألغام، لكن الأهالي غير متأكدين من عودتهم بعد إزالة الألغام.
وأكد بعض الشهود أن هناك اعتقالات عديدة بحق بعض الأشخاص، ومنهم من تم إطلاق سراحه ومنهم من لا يزال حتى الآن معتقلاً، كما أفادوا بحصول عمليات (فردية) سرقة ونهب للمنازل والسيارات والدراجات النارية، وتم توثيق أنواع السيارات وأرقامها.
كما ظهر من خلال هذه الشهادات، أن سبع قرى، وهي الحرية، عبد كوي، 8 آذار (السليب)، الثورة (الجلبة)، كيتكانية، الدناي، الأحمدية، تم تهجيرها بشكل كامل ومنع أهلها من العودة، وهي القرى التي يدّعي عناصر "وحدات حماية الشعب" بعودة ملكيتها للأكراد.
وأوضحت الشهادات أنه قد سبق لتنظيم "داعش" أن قام أثناء سيطرته على المنطقة بتهجير القرى الكردية ومصادرة المنازل فيها، وكانت وقتها القرى العربية والتركمانية ترزح تحت سيطرة التنظيم بين مؤيد له، وهم عدد قليل ومحدود، وبين متعايش من دون أن يتدخل أو يعمل مع "داعش"، وهم الأغلبية الساحقة، في حين هرب جميع المعارضين والناشطين خوفاً من بطش التنظيم. ولفتت الشهادات إلى أن "داعش" أجبر الجميع على تسليم أسلحتهم أثناء سيطرته على المنطقة، وخلال المعارك الأخيرة لم تحدث معارك حقيقية بين الطرفين ولم يبدِ عناصر التنظيم أي جدية في المعارك.
وكان الائتلاف الوطني للمعارضة السورية قد شكّل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق للوقوف على أحداث تل أبيض والقرى المحيطة بها، وضمت اللجنة عدداً من أعضاء الائتلاف ومندوبين من وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة، فضلاً عن منظمات حقوقية كردية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز توثيق الانتهاكات بما فيها المنظمات الكردية.
ولكن "وحدات حماية الشعب" رفضت دخول أعضاء اللجنة إلى مدينة تل أبيض، باعتبار أن الائتلاف قام بوصف "وحدات حماية الشعب" بالإرهابيين، وطالبوهم بالاعتذار حتى يتمكنوا من الدخول.
وجاء الإعلان عن تشكيل اللجنة بعد أن اتهمت عدة أطراف "وحدات حماية الشعب" بالقيام بعمليات تهجير عرقية في حق العرب والتركمان، بعد طردهم عناصر "داعش". وحدد الائتلاف مهام عمل اللجنة بترتيب لقاءات مع النازحين والمتضررين، للوقوف على الأسباب التي دفعتهم إلى النزوح، ومعرفة مدى رغبتهم في العودة إلى مناطقهم، ودراسة لوازم تأمين عودتهم. كما جرى تحديد مهام اللجنة بزيارة منطقة تل أبيض والقرى المحيطة بها، خصوصاً القرى التي يشير اللاجئون إلى وجود حالات تهجير فيها، ولقاء الأطراف الفاعلة في المنطقة، والتباحث معها حول سبل إيجاد حل للمشكلة.
كما تعتزم لجنة تقصي حقائق دولية تابعة للأمم المتحدة بحث تداعيات ما يجري في منطقة تل أبيض، ومقابلة حالات كانت غادرت منازلها وتضررت نتيجة الأحداث الأخيرة، وتستمر اللجنة بعملها حتى شهر أغسطس/ آب المقبل.
وما زالت الأحداث تتفاعل، إذ أصدر تنظيم "داعش" قراراً أمر فيه جميع الأكراد القاطنين في مدينة الرقة بمغادرة المدينة في مهلة قدرها 72 ساعة، في الوقت ذاته الذي تسعى فيه العائلات النازحة للعودة إلى منازلها وتحييدها عن الصراعات التي تحصل في المنطقة.
اقرأ أيضاً: "حماية الشعب" الكردية: حليف يجمع ثقة واشنطن وطهران والأسد
غالبية سكان هذه القرى يرجعون في أصلهم إلى عشيرة السرامدة، كما أن هناك عدة قرى في الجانب التركي بعمق 40 كيلومتراً داخل تركيا يعود أصل سكانها لهذه العشيرة، وبعد أحداث الهجرة في 15 يونيو الحالي لجأوا إلى أقربائهم في الجانب التركي. ويوضح محمد أن أحد الأشخاص حاول العودة منذ عدة أيام إلى القرية ولكن عناصر "وحدات الحماية" منعوه من ذلك.
يُرجع عناصر القوات المشتركة سبب منع السكان العرب والتركمان من العودة إلى منازلهم، تارة إلى أنهم بايعوا تنظيم "داعش"، وعدم انضمام أولادهم إلى صفوف مقاتلي "وحدات حماية الشعب" حين كانوا يسيطرون على أجزاء من المنطقة قبل أكثر من عام قبل مجيء "داعش"، وتارة أخرى يدّعون بأن هذه المنطقة تعود ملكيتها إلى الأكراد، ولكن النظام السوري هو من قام قبل عدة عقود بتهجير الأكراد، وهم السكان الأصليون لهذه المنطقة، وإعطاء أراضيهم للعرب بغية تغيير ديمغرافية المنطقة.
ويرد على ذلك شيخ عشيرة السرامدة خليل الحامدي، الذي يسكن في قرية "زونجك" في الطرف التركي، بأن العشيرة تنقسم في عدة قرى على الطرفين السوري والتركي، متساءلاً: "إذا كان النظام السوري هو من جلب العرب إلى القرى السورية، فمن قام بجلبنا إلى قرى الطرف التركي وهي كثيرة كحمش وقمر الدين وشويحان ودرفلا؟".
ويوضح الحامدي أن عشيرتهم تسكن في المنطقة منذ مئات السنين وحين انقسمت المنطقة قبل مئة عام تم إنشاء السكة الحديدية والتي اعتُبرت الحد الفاصل بين الدولتين، وأصبحت العشيرة موزعة على الجانبين، ويشير إلى أنه منذ فترة ليست ببعيدة كان الأقارب يجتمعون كل مساء ويقطعون الحدود كل يوم ويحضرون الأفراح في ما بينهم ولم يختلف عليهم شيء سوى الهوية.
اقرأ أيضاً: مفصل تل أبيض في الحرب السورية: رباعيّة تغيّر الخرائط
يذكر أن قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" كانت تسيطر قبل عام تقريباً في شهر رمضان الماضي على أجزاء من قرى تل أبيض، ومنها بعض القرى العربية، ولم يتعرض حينها أحد للتهجير، ولكن هذه المرة هرب معظم أهالي القرى، وغادر أغلبهم باتجاه مدينة الرقة وريفها بينما النسبة الأقل إلى تركيا. وحسب الإحصاءات التركية، فإن 23 ألفاً دخلوا إلى تركيا قادمين من منطقة تل أبيض.
ويقول الناشط أحمد الحاج صالح، الذي يقوم بتوثيق انتهاكات الأطراف في أحداث تل أبيض، إن معارك تل أبيض بدأت في بداية شهر يونيو الحالي، وكانت القوات المشتركة حتى الـ13 من الشهر نفسه تتعامل مع كافة المدنيين بشكل جيد جداً وقدّمت لهم الطعام بشكل مجاني.
ولكن في 13 يونيو، هجّرت "وحدات حماية الشعب" الكردية أهالي قرية زحلة العربية، وتقع القرية على بعد 12 كيلومتراً جنوب تل أبيض في ريف الرقة، وفي 15 من الشهر نفسه تم تهجير قرية قره شرف العربية، وهي تقع شمال قرية عين عيسى في ريف الرقة، كما تم نهب أملاك الأهالي بشكل كامل، وهو ما حصل مع قرية مدلج أيضاً. كما تم تهجير قرى باب الهوى، من كلي، الضبعة، إلى القرى المجاورة، وفي الليلة ذاتها توجّهت إحدى الضابطات إلى أهالي القرى وقدمت لهم الاعتذار على هذا التصرف، وطلبت منهم العودة إلى قراهم.
وفي 23 يونيو الحالي نفذت "وحدات حماية الشعب الكردية" تهديدها بإخلاء قرية حمام التركمان وتهجير أهلها بعد أن أبلغت أبناء القرية بوجوب إخلاء القرية خلال 24 ساعة، وفي حال لم تتم الاستجابة سيتم قصفها عبر طيران التحالف.
وحسب شهادات عدة أشخاص وصلوا إلى قرية "أقشة قلعة" التركية في الليلة نفسها برفقة نحو 200 شخص بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، فإن سيارة مفخخة كانت قد دخلت صباح يوم الإثنين 22 الحالي إلى قرية حمام التركماني وانفجرت أمام أحد مقرات قوات "حماية الشعب"، ونتج عن ذلك إصابات في صفوف "الوحدات"، وفي عصر اليوم نفسه قام عناصر من القوات الكردية بإبلاغ أهالي القرية عبر مآذن الجوامع بوجوب إخلاء القرية وإذا لم يتم التنفيذ سيتم قصف القرية عبر طيران التحالف.
وأوضحت الإفادات بأنه صباح يوم الثلاثاء 23 الحالي، تم تشكيل لجنة مؤلفة من أربعة أشخاص من أبناء القرية من أجل لقاء القيادة العسكرية في تل أبيض والتفاوض معها، لكن من دون جدوى، وبعد التوجّه إلى بيت الشعب (إدارة مدنية للمنطقة)، جرى إبلاغهم أن أهل حمام التركمان ينسّقون مع تنظيم "داعش".
وفي اليوم نفسه، انسحبت قوات "حماية الشعب" من القرية، وهذا ما أخاف أهل القرية من قصف التحالف، وجعلهم يخرجون بشكل نزوح جماعي إلى القرى المجاورة وإلى تركيا.
اقرأ أيضاً: وحدات حماية الشعب الكردية تهجّر أهالي قرية تركمانية
حاول فريق "العربي الجديد" الوصول إلى مدينة تل أبيض في 22 يونيو الحالي بعد فتح المعبر الحدودي من الطرفين، لكن رفض "وحدات حماية الشعب" حال دون ذلك. وقال أحد عناصر "وحدات الحماية"، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "هناك سبع قرى تعود ملكيتها لعائلة الكردو، ولكن النظام السوري سلّمها للعرب عبر القانون رقم 161 عام 1958 القاضي بإعادة توزيع الملكيات الزراعية والمعروف باسم قانون الإصلاح الزراعي، وتم عبره اقتطاع أراضٍ واسعة من الأكراد وتسليمها للعرب بغية تغيير ديمغرافية المكان".
وأضاف أن "هناك أراضٍ واسعة في ريف الرقة وحلب والحسكة تعود ملكيتها لعوائل كردية، وسيتم استرجاع جميع هذه الأراضي"، مشيراً إلى أن "قوات الجيش الحر وعدة فصائل مقاتلة أخرى وجبهة النصرة ومن ثم داعش هجرت العديد من القرى الكردية، ونحن سنعمل على إعادة جميع المهجرين الأكراد إلى منازلهم".
لكن القاضي خالد الناصر يوضح أنه في عام الوحدة بين سورية ومصر، صدر قانون الإصلاح الزراعي وشمل الإقليم السوري والمصري، وتضمّن إعادة توزيع الملكيات الزراعية الكبيرة (الاقطاعات) إلى ملكيات زراعية صغيرة للعاملين والمزارعين فيها، وقد بدأ تطبيقها في الإقليم السوري في العام نفسه، وشمل جميع الإقطاعات الزراعية سواء كان مالكي الأراضي من العرب أو الأكراد، وقد تم توزيع هذه الملكيات إما على مزارعين وفلاحين من المنطقة نفسها، أو على مزارعين تم استقدامهم من مناطق أخرى، ولم تكن هذه سياسة خاصة في مناطق الملكيات الكردية فقط وإنما أيضاً في مناطق الملكيات العربية.
وأضاف أن قانون الإصلاح الزراعي تضمّن أيضاً فقرات تمنع بيع وتجزئة الوحدات الزراعية الموزعة، كما نص على أن يدفع المزارع المستفيد من الوحدات المقتطعة جزءاً من قيمة المحصول بشكل سنوي، وتم منح سندات تمليك لمعظم المزارعين المستفيدين من الوحدات الزراعية.
كما بيّن الشهود قيام عناصر "داعش" بتلغيم عدد من منازل المدنيين كونها كانت جبهات قتال مع القوات المشتركة، وهذا ما جعل القوات المشتركة تخلي بعض القرى لإزالة الألغام، لكن الأهالي غير متأكدين من عودتهم بعد إزالة الألغام.
وأكد بعض الشهود أن هناك اعتقالات عديدة بحق بعض الأشخاص، ومنهم من تم إطلاق سراحه ومنهم من لا يزال حتى الآن معتقلاً، كما أفادوا بحصول عمليات (فردية) سرقة ونهب للمنازل والسيارات والدراجات النارية، وتم توثيق أنواع السيارات وأرقامها.
كما ظهر من خلال هذه الشهادات، أن سبع قرى، وهي الحرية، عبد كوي، 8 آذار (السليب)، الثورة (الجلبة)، كيتكانية، الدناي، الأحمدية، تم تهجيرها بشكل كامل ومنع أهلها من العودة، وهي القرى التي يدّعي عناصر "وحدات حماية الشعب" بعودة ملكيتها للأكراد.
وأوضحت الشهادات أنه قد سبق لتنظيم "داعش" أن قام أثناء سيطرته على المنطقة بتهجير القرى الكردية ومصادرة المنازل فيها، وكانت وقتها القرى العربية والتركمانية ترزح تحت سيطرة التنظيم بين مؤيد له، وهم عدد قليل ومحدود، وبين متعايش من دون أن يتدخل أو يعمل مع "داعش"، وهم الأغلبية الساحقة، في حين هرب جميع المعارضين والناشطين خوفاً من بطش التنظيم. ولفتت الشهادات إلى أن "داعش" أجبر الجميع على تسليم أسلحتهم أثناء سيطرته على المنطقة، وخلال المعارك الأخيرة لم تحدث معارك حقيقية بين الطرفين ولم يبدِ عناصر التنظيم أي جدية في المعارك.
وكان الائتلاف الوطني للمعارضة السورية قد شكّل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق للوقوف على أحداث تل أبيض والقرى المحيطة بها، وضمت اللجنة عدداً من أعضاء الائتلاف ومندوبين من وزارة العدل في الحكومة السورية المؤقتة، فضلاً عن منظمات حقوقية كردية ومنظمات المجتمع المدني ومراكز توثيق الانتهاكات بما فيها المنظمات الكردية.
ولكن "وحدات حماية الشعب" رفضت دخول أعضاء اللجنة إلى مدينة تل أبيض، باعتبار أن الائتلاف قام بوصف "وحدات حماية الشعب" بالإرهابيين، وطالبوهم بالاعتذار حتى يتمكنوا من الدخول.
وجاء الإعلان عن تشكيل اللجنة بعد أن اتهمت عدة أطراف "وحدات حماية الشعب" بالقيام بعمليات تهجير عرقية في حق العرب والتركمان، بعد طردهم عناصر "داعش". وحدد الائتلاف مهام عمل اللجنة بترتيب لقاءات مع النازحين والمتضررين، للوقوف على الأسباب التي دفعتهم إلى النزوح، ومعرفة مدى رغبتهم في العودة إلى مناطقهم، ودراسة لوازم تأمين عودتهم. كما جرى تحديد مهام اللجنة بزيارة منطقة تل أبيض والقرى المحيطة بها، خصوصاً القرى التي يشير اللاجئون إلى وجود حالات تهجير فيها، ولقاء الأطراف الفاعلة في المنطقة، والتباحث معها حول سبل إيجاد حل للمشكلة.
كما تعتزم لجنة تقصي حقائق دولية تابعة للأمم المتحدة بحث تداعيات ما يجري في منطقة تل أبيض، ومقابلة حالات كانت غادرت منازلها وتضررت نتيجة الأحداث الأخيرة، وتستمر اللجنة بعملها حتى شهر أغسطس/ آب المقبل.
وما زالت الأحداث تتفاعل، إذ أصدر تنظيم "داعش" قراراً أمر فيه جميع الأكراد القاطنين في مدينة الرقة بمغادرة المدينة في مهلة قدرها 72 ساعة، في الوقت ذاته الذي تسعى فيه العائلات النازحة للعودة إلى منازلها وتحييدها عن الصراعات التي تحصل في المنطقة.
اقرأ أيضاً: "حماية الشعب" الكردية: حليف يجمع ثقة واشنطن وطهران والأسد