لا تنفصل مقاربة المؤلّف حول العلمانية عن تفكيك السلطة، التي تتجاوز شكلها السياسي في ما يسميها البعض الدولة أو الحكومة أو المؤسسة الرسمية، لتعني كذلك تلك القدرة السحرية أو القوة الممنوحة لموضوع ما أو تصوّر معين ومن ثم سيطرته على قراراتنا واختياراتنا بحيث تصبح كلّ إرادة أو محاولة لمخالفته مرفوضة.
في حديثه لـ"العربي الجديد"، يشير دبابش إلى أنه قدّم دراسة نقدية لآراء نخبة من الكتّاب العرب، منهم: محمد عابد الجابري، وحسن حنفي، وعبد الوهاب المسيري، وعزيز العظمة، ومحمد عمارة حول موضوع العلمنة وتبيان حدود تصوّراتهم التي ظلّت رهينة القاموس القروسطي، وبعيدة كل البعد عن قيم الحداثة التي يرفعون شعاراتها، وعمِل الإعلام على تقديمهم كممثّلين لها.
ويضيف "هو أيضاً دفاع عن مشروع العلمنة وعن ضرورته عربياً في هذا الوقت الراهن، وكشف الفهم الخاطىء حوله في التفكير والكتابة، وقد ابتدأت المشروع بتحفيز من المفكّر الراحل جورج طرابيشي (1939 – 2016) للمضي في كتابة هذا البحث النقدي".
"طرحت المعاني الثلاث للعلمنة وهي التحرّر من سلطة النص وتأويله الأحادي، وسلطة التفكير المغلق والمنتهي، وسلطة الدولة الشمولية المشرقية من أجل مجتمع أكثر حرية وانفتاحاً وليس مجتمع القبيلة أو الكنتونات"، يختم الكاتب.
تتضمّن الدراسة أربعة فصول؛ الأول "تعريف العلمنة" ويقف عند الأخطاء الشائعة في تعريف هذا المفهوم لدى المسلمين والمسيحيين، والثاني "العلماني ضرورة عربية" ويشتمل على مقاربة لآراء مجموعة من الكتّاب ورجال الدين الذين جعلوها ترتبط بواقع أوروبا فقط دون وعي منهم بقيمتها السياسية والاجتماعية عربياً.
أما الفصل الثالث "إشكالية الخلافة" فينقد مشروع دولة الخلافة وتبيان تاريخيته، بوصفه مشروعاً لا يرتبط بالعقيدة، وأن نموذج السلطة ليس مشرّعاً له من الله، ورغم أن النظام الجمهوري منتوج غربي إلّا أنه قدّم حلولاً مقبولة. في الفصل الأخير "النموذج العلماني" يعرض الكاتب لنماذج معروفة عالمياً تؤكّد على أن المشروع العلماني لا يرتبط بنموذج جاهز لكنه يُصنع باستمرار وغير منتهٍ، ولا يمكنه أن ينجح فوقياً كما فعل أتاتورك بل لا بدّ من أسس تحتية تؤسّسه.