على مدار السنوات السابقة، سعى منظّمو "مهرجان معركة القصر الكبير الدولي لحفظ الذاكرة" إلى الخروج من ثنائيات المنتصر/ المهزوم، والمسلم/ والكافر وغيرهما، ضمن تظاهرتهم التي تستعيد المعركة التاريخية التي استطاع المغاربة فيها دحر الإمبراطورية البرتغالية عام 1578.
في هذا الإطار، تتوسّع المداخلات كلّ عام من أجل قراءة أكثر شمولية وموضوعية للواقعة التي أتت بعد سلسلة هجمات قام بها الإسبان والبرتغاليين على بلاد المغرب منذ القرن الخامس عشر، حيث استغلوا ضعف الدولة المرينية آنذاك، وانتشار المجاعة، ما سهّل احتلالهم لمناطق مغربية.
انطلقت عند الخامسة والنصف من مساء أمس الإثنين فعاليات الدورة الخامسة من المهرجان افتراضياً بتنظيم من "الجامعة للجميع للتعلم مدى الحياة" في مدينة القصر الكبير، و"جمعية البحث التاريخي والاجتماعي"، والمجلس الجماعي للمدينة، والتي تتواصل حتى مساء غدٍ الأربعاء.
انتهت المعركة التاريخية بدحر الإمبراطورية البرتغالية عام 1578
تتضمّن الافتتاح مجموعة مداخلات للتعريف بالتظاهرة ورؤيتها وأهدافها، قدّمها محمد السيمو رئيس المجلس الجماعي، ومصطفى العلالي من الجامعة، ومحمد إشراقة من الجمعية، والباحث إدريس حيدر، تلتها المحاضرة الافتتاحية التي ألقاها أستاذ التاريخ المصري إسماعيل حامد بعنوان "حول معركة القصر الكبير وأثرها في امتداد نفوذ الدولة السعدية في غرب أفريقيا"، وقدّمها الباحث أنس الفيلالي.
ابتدأ حامد محاضرته بالإشارة إلى الوهن الذي حلّ بالعالم الإسلامي عشية وقوع المعركة حيث كان معظم دول شمال أفريقيا ففي عزّ ضعفها، مع تشكّل قطبين عالميين أساسيين هما الدولة العثمانية وممكلة البرتغال، والأخيرة كانت تعبث في بلاد المغرب مستغلّة الأحوال التي تعيشها، لنهب ثرواتها، حتى تأسسّت الدولة السعدية بحلول عام 1549.
وأوضح أن معركة القصر الكبير في هذا السياق كانت فاصلة لأن نتائجها ساهمت في تثبيت الهوية الإسلامية لبلاد المغرب في فترة كان يراد طمسها، مع توسّع الإمبراطورية البرتغالية لتشمل أجزاء من غرب القارة السمراء وشرقها ومناطق واسعة في الأميركيتين وصولاً إلى آسيا، حيث كُسرت هيبتها بعد هذه المواجهة الكبرى وبدأ تراجعها في أفريقيا والعالم أيضاً.
ساهمت نتائجها في تثبيت الهوية الإسلامية في المغرب
كما لفت إلى أن معركة القصر الكبير رسّخت قوة الدولة السعدية في عهد المنصور في شمال أفريقيا ليمتدّ نفوذها بعد ذلك ويغطي مناطق في غانا ومالي وتشاد، وصار يُحسب حسابها من قبل القوى والعالمية، كما بايعته العديد من الممالك الإقليمية وأعلنت ولاءها له، إلى أن رفض سلطان صنغاي الذي حكم النيجر وبوركينافاسو دفع الجزية، ليغزو السعديون تلك البلاد ويخضعونها لسلطتهم.
يقام مساء اليوم الثلاثاء ندوة تضمّ ورقة للباحث الجزائري أحمد سعودي بعنوان "معركة وادي المخازن انتصار المغاربة للدين والأرض والتاريخ"، وورقة للباحث المغربي زين العابدين زريوح بعنوان "إطلالة على عقليات معسكري الحرب". ويختتم المهرجان غداً بندوة "معركة القصر الكبير وتعدد سبل التنمية الاقتصادية والسياحية"بمشاركة الباحثين محمد اخريف، ومحمد سعيد المرتجي، ورشيد الصبار، وحسن المودن، وياسر زيغم.