بات واضحاً أن الأزمة الخليجية المتفاقمة منذ أسابيع، لم تعد مقتصرة على أطرافها فحسب، قطر والسعودية والإمارات والبحرين، بما في ذلك الأطراف الوسيطة لحلها، وإنما تعدتها إلى حدود جغرافية أبعد كثيراً، ومنها الأراضي الفلسطينية، التي لا تبدو ذات صلة مباشرة بهذه الأزمة.
أطراف الأزمة
ليس سراً أن الأزمة الخليجية التي اندلعت قبل أسابيع، والحملة التي شنتها عدة دول خليجية وعربية على قطر، فاجأت الفلسطينيين على اختلاف مواقعهم التنظيمية، وتباين قراءاتهم السياسية، ولكل منهم دوافعه ومنطلقاته.
السلطة الفلسطينية من جهتها تدرك تماماً هشاشة الوضع العربي من الأساس، وقد دفعت بسببه تنازلات أمام إسرائيل والإدارة الأميركية الجديدة، وتخشى مزيدا من التفتت في المشهد الإقليمي، ما يجعلها لقمة سائغة لدى الإسرائيليين والأميركيين، يفرضون شروطهم عليها، وليس أمامها سوى الاستجابة، في ظل افتقادها لظهير عربي، يبدو أنه منشغل أكثر بمهاجمة قطر، وتصفية حساباته معها، على حساب الانشغال بالقضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، أو هكذا يجب أن تكون.
صحيح أن السلطة الفلسطينية لا تخفي أن علاقاتها مع أطراف الأزمة الخليجية لا تمر بأحسن أحوالها، لكنها تبقي على شعرة معاوية معها، رغم أن مستوى العلاقة بين السلطة الفلسطينية وقطر قد تبدو الأفضل، سواء بسبب دورها في إذابة الجليد بين المواقف الفلسطينية، ودورها المتواصل في إنجاز المصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو استمرار دعمها المالي لموازنة السلطة الفلسطينية.
في حين أن علاقة السلطة الفلسطينية مع السعودية تمر بفتور لا يخفى على أحد، فيما تمتاز علاقتها بالإمارات بقطيعة حادة منذ سنوات، نظراً لدورها في إدامة الخلافات داخل الساحة الفلسطينية عبر دعمها للقيادي الفتحاوي محمد دحلان، العدو اللدود لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
حماس، من جهتها، التي ترتبط مع قطر بعلاقة متينة ووثيقة، أقرب ما تكون إلى التحالف السياسي، لا تخفي امتنانها لقطر على احتضانها القيادة السياسية للحركة، ودعمها المالي لقطاع غزة، ودورها الكبير في التخفيف من ظروف الحصار المفروض عليه، وهو ما جعل هذا الأمر محط أنظار الجهات المحاصِرة لقطر، حتى أنها لم تتورع عن المطالبة علانية بضرورة طرد قيادة حماس من الدوحة، والتوقف عن دعم قطاع غزة.
علاقة حماس مع باقي أطراف الأزمة الخليجية، ليست على قدم المساواة، فالوضع مع السعودية يمكن وصفه بأنه علاقة في حدها الأدنى، بل إن الرياض عبر وزير خارجيتها لم يتوان أخيرا عن شمل حماس ضمن محاور الأزمة الخليجية بسبب احتضان قطر للحركة، وهو موقف غريب قد لا يتناغم مع الموقف الرسمي للمملكة التي حافظت على إبقاء خيط، ولو رفيع، في العلاقة مع مختلف مكونات الساحة الفلسطينية.
لكن علاقة حماس مع الإمارات تمر بحالة لا ترضي الحركة، التي التزمت الصمت مطولا إزاء العديد من ممارسات أبوظبي تجاهها، سواء ملاحقة أنصارها هناك، أو وقف الدعم المالي المحول إلى الجمعيات الخيرية في الأراضي الفلسطينية، أو حتى عدم التردد في وصف الحركة بأنها إرهابية، وهي ممارسات بعيدة كل البعد عن الخط الرسمي العربي في التعامل مع الحركات الفلسطينية، لكن كل ذلك لم يدفع حماس لإعلان موقف علني تجاه هذه الممارسات، رغبة منها في عدم الدخول بسجالات تضر القضية الفلسطينية، ولا تنفعها.
تطورات الأحداث
اتخذت السلطة الفلسطينية رسميا على الأقل، الموقف الصامت من تفاعلات الأزمة الخليجية، ربما رغبة منها بعدم إقحام نفسها في حدث لا ناقة لها فيه ولا جمل من جهة، أو خشية من أن تدفع أثمانا لا تقوى على حملها من جهة ثانية، أو لعلها الميكيافيلية السياسية التي قد تجعلها تفضل الانتظار إلى حين اتضاح معالم الأزمة حتى تتخذ موقفا واضحا لا لبس فيه ولا خلاف، من جهة ثالثة.
ومع ذلك، فقد خرجت بعض الأصوات الرسمية الفلسطينية عبر تصريح هنا ومقابلة هناك لتبدي تأييدها للحصار المفروض على قطر، بسبب ما يقولون إنها سياسة قطرية غير منسجمة مع النسق العربي الرسمي، أو لأنها تحابي حماس، ويرون في هذه الأزمة المفتعلة ضد قطر فرصة لتقليم أظافرها، والحد من نفوذها.
بل إن هناك بعض المسؤولين الفلسطينيين من اتهم قطر بالتسبب بإدامة الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، رغم أن الدوحة دأبت على استضافة ممثلي فتح وحماس على الدوام لإنجاز المصالحة الفلسطينية التي طال أمدها، وهو ما قد يعني عدم وجود توجه فلسطيني رسمي موحد إزاء الأزمة الخليجية، يمكن اعتباره أحد كوابح إصدار موقف سياسي علني للسلطة الفلسطينية من الأزمة الخليجية.
في الجانب الآخر من فتح والسلطة الفلسطينية، فقد سارع محمد دحلان إلى إعلان موقفه المؤيد للحملة على قطر، وإطلاق أقذع الأوصاف على السياسة القطرية في المنطقة، ولا سيما أن الرجل لا يخفي ولاءه لدولة الإمارات، ويعتبره الفلسطينيون أحد عرابي سياسة أبوظبي في المنطقة الممتدة من تونس، إلى ليبيا، ومصر وسورية، وصولا إلى اليمن.
حماس من جهتها، ورغم أنها لم تتخذ موقفا علنيا من الأزمة الخليجية، تطبيقا لسياستها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، فقد أصدرت سلسلة بيانات تشكر فيها الدوحة على دعمها للفلسطينيين، واحتضانها لقيادة الحركة، وفي الوقت ذاته، أكدت حماس على ضرورة حل الأزمة الخليجية داخل البيت العربي، بالحوار الأخوي الهادئ.
خيارات الفلسطينيين
يعلم الفلسطينيون بمختلف توجهاتهم أنهم الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية الدائرة، ولذلك يبدون رغبة جادة بالبقاء بعيدا عما قد يصفونه "اللعب مع الكبار"، رغم خروج موقف هنا وتصريح هناك، وهم يدركون تماما أن أي تطور مؤسف للأزمة الخليجية قد يعود بالسلب على قضيتهم.
يخشى الفلسطينيون أن ينشغل الإقليم والمجتمع الدولي بتبعات الأزمة الخليجية على حساب القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل الحديث المتواصل من قبل الولايات المتحدة عما تعتبره المبادرة الإقليمية الشاملة، بحيث تكون القضية الفلسطينية ضمن ملفاتها، وليس على رأسها.
أكثر من ذلك، يراقب الفلسطينيون الموقف الإسرائيلي المتشفي بقطر، والمؤيد للحملة عليها، واعتبار ذلك مقدمة طبيعية لمحاصرة حماس، والتضييق عليها، لأن الدوحة كانت بنظر تل أبيب العرابة الإقليمية والدولية للحركة الفلسطينية، والتي حملت على عاتقها مسؤولية إدماجها في العملية السياسية، والتوقف عن وصفها بالحركة الإرهابية، وهو ما يغضب إسرائيل والدول المحاصرة لقطر على حد سواء... يا للمفارقة!
بالخروج من قراءة المواقف، وتفسير التصريحات، يمكن الحديث عن جملة خيارات فلسطينية على اختلاف مسمياتها تجاه الأزمة الخليجية، رغبة منهم بالخروج بأقل التكاليف وأخف الأثمان، على النحو التالي:
تبدو السلطة الفلسطينية مستمرة في سياستها الصامتة تجاه تطورات الأزمة الخليجية، لذات الاعتبارات سالفة الذكر، لكن متغيرا جديدا قد يساهم في تغيير موقفها يتعلق بتطورات الساحة الفلسطينية، لا سيما مع الحراك الذي يقوم به محمد دحلان داخل غزة بدعم مصري إماراتي.
لم تتوان حركة فتح عن الحديث علانية عن انزعاجها من الدعم الذي يلقاه دحلان من هذه الدول، عبر بيان رسمي صادر عن لجنتها المركزية، وهو ما يعني مزيدا من الافتراق بين رام الله من جهة، والقاهرة وأبوظبي من جهة أخرى.
وإن كان هذا الخلاف بين هذه الأطراف الثلاثة يتعلق بالملف الفلسطيني الداخلي، لكن ارتداداته قد لا تتوقف عند ذلك، وقد تنسحب على موقف السلطة الفلسطينية من الأزمة الخليجية، لا سيما إن واصلت قطر سياستها الداعمة للفلسطينيين، وعدم تدخلها في خلافاتهم الداخلية، على عكس المواقف التي تتبناها الدول المحاصرة لها.
حماس تتحدث عن رغبتها بطي الخلاف الخليجي داخلياً، وعدم توسيعه، وتطويقه بين الأشقاء، لكنها ترغب كما يبدو بعدم تحميل قطر أثمانا هي في غنى عنها، ولذلك ترددت الأحاديث عن تخفيف حماس لتواجد عناصرها داخل الدوحة، ربما دون أن تطلب منها الأخيرة ذلك.
تدرك حماس أن الحملة على قطر شديدة، والموجة عاتية، ومن ضمن أسبابها ما يقال إنه تعاطف الدوحة مع حماس، وربما ليس سراً أن مداولات على مستويات قيادية في حماس دفعت لاتخاذ موقف مريح للجانبين، فمن جهة يمنح الحركة أريحية في التنقل بين الساحات العربية والإقليمية، لإعادة تموضع تواجد قادتها وكوادرها، ومن جهة أخرى يحرم خصوم قطر أوراقا قد تستخدم للضغط عليها، لا سيما لدى الإدارة الأميركية، التي أعلنت أن حماس حركة إرهابية خلال خطاب الرئيس دونالد ترمب في قمة الرياض في مايو/ أيار الماضي.
اللافت أن من تفاعلات الأزمة الخليجية التقارب الحاصل بين حماس وإيران وحزب الله، ورغم أن هذا التقارب مضى عليه وقت سابق لنشوب الأزمة، ما قد يصب في صالح الموقف القطري الذي حصل على دعم إيراني في هذه الأزمة، وقد يمنح حماس قدرة على البقاء في ذات المحور الإقليمي، دون كثير من الخسائر.
مع العلم أن قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس شهد خروج مظاهرات وفعاليات مؤيدة لقطر، وشاكرة لها على تقديم الدعم لسكان غزة المحاصرين.
أخيراً، لا يعلم الفلسطينيون كم قد تستمر الأزمة الخليجية، ففي الوقت الذي تنشط فيه الوساطة الكويتية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية، لوضع حد لها، وعدم توسعها، لكن إصدار المواقف المناوئة لقطر بين حين وآخر، وكيل مزيد من الاتهامات له من قبل الدول المحاصرة، ربما يجعل الأزمة تأخذ مزيدا من الوقت.
وكلما طالت الأزمة الخليجية أكثر، ربما ضيق ذلك من هامش الفلسطينيين في البقاء على الحياد، دون اتخاذ موقف لصالح هذا الطرف أو ذاك، رغم أن التوجه الفلسطيني العام ما زال حتى كتابة هذه السطور يطالب دول الخليج بالاحتكام لصوت العقل والمنطق، بعيدا عن حصار قطر وتهديدها، لما فيه مصلحة قضيتهم الوطنية الفلسطينية.
(رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الأمة/غزة)
اقــرأ أيضاً
أطراف الأزمة
ليس سراً أن الأزمة الخليجية التي اندلعت قبل أسابيع، والحملة التي شنتها عدة دول خليجية وعربية على قطر، فاجأت الفلسطينيين على اختلاف مواقعهم التنظيمية، وتباين قراءاتهم السياسية، ولكل منهم دوافعه ومنطلقاته.
صحيح أن السلطة الفلسطينية لا تخفي أن علاقاتها مع أطراف الأزمة الخليجية لا تمر بأحسن أحوالها، لكنها تبقي على شعرة معاوية معها، رغم أن مستوى العلاقة بين السلطة الفلسطينية وقطر قد تبدو الأفضل، سواء بسبب دورها في إذابة الجليد بين المواقف الفلسطينية، ودورها المتواصل في إنجاز المصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو استمرار دعمها المالي لموازنة السلطة الفلسطينية.
في حين أن علاقة السلطة الفلسطينية مع السعودية تمر بفتور لا يخفى على أحد، فيما تمتاز علاقتها بالإمارات بقطيعة حادة منذ سنوات، نظراً لدورها في إدامة الخلافات داخل الساحة الفلسطينية عبر دعمها للقيادي الفتحاوي محمد دحلان، العدو اللدود لمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية.
حماس، من جهتها، التي ترتبط مع قطر بعلاقة متينة ووثيقة، أقرب ما تكون إلى التحالف السياسي، لا تخفي امتنانها لقطر على احتضانها القيادة السياسية للحركة، ودعمها المالي لقطاع غزة، ودورها الكبير في التخفيف من ظروف الحصار المفروض عليه، وهو ما جعل هذا الأمر محط أنظار الجهات المحاصِرة لقطر، حتى أنها لم تتورع عن المطالبة علانية بضرورة طرد قيادة حماس من الدوحة، والتوقف عن دعم قطاع غزة.
لكن علاقة حماس مع الإمارات تمر بحالة لا ترضي الحركة، التي التزمت الصمت مطولا إزاء العديد من ممارسات أبوظبي تجاهها، سواء ملاحقة أنصارها هناك، أو وقف الدعم المالي المحول إلى الجمعيات الخيرية في الأراضي الفلسطينية، أو حتى عدم التردد في وصف الحركة بأنها إرهابية، وهي ممارسات بعيدة كل البعد عن الخط الرسمي العربي في التعامل مع الحركات الفلسطينية، لكن كل ذلك لم يدفع حماس لإعلان موقف علني تجاه هذه الممارسات، رغبة منها في عدم الدخول بسجالات تضر القضية الفلسطينية، ولا تنفعها.
تطورات الأحداث
اتخذت السلطة الفلسطينية رسميا على الأقل، الموقف الصامت من تفاعلات الأزمة الخليجية، ربما رغبة منها بعدم إقحام نفسها في حدث لا ناقة لها فيه ولا جمل من جهة، أو خشية من أن تدفع أثمانا لا تقوى على حملها من جهة ثانية، أو لعلها الميكيافيلية السياسية التي قد تجعلها تفضل الانتظار إلى حين اتضاح معالم الأزمة حتى تتخذ موقفا واضحا لا لبس فيه ولا خلاف، من جهة ثالثة.
ومع ذلك، فقد خرجت بعض الأصوات الرسمية الفلسطينية عبر تصريح هنا ومقابلة هناك لتبدي تأييدها للحصار المفروض على قطر، بسبب ما يقولون إنها سياسة قطرية غير منسجمة مع النسق العربي الرسمي، أو لأنها تحابي حماس، ويرون في هذه الأزمة المفتعلة ضد قطر فرصة لتقليم أظافرها، والحد من نفوذها.
بل إن هناك بعض المسؤولين الفلسطينيين من اتهم قطر بالتسبب بإدامة الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية، رغم أن الدوحة دأبت على استضافة ممثلي فتح وحماس على الدوام لإنجاز المصالحة الفلسطينية التي طال أمدها، وهو ما قد يعني عدم وجود توجه فلسطيني رسمي موحد إزاء الأزمة الخليجية، يمكن اعتباره أحد كوابح إصدار موقف سياسي علني للسلطة الفلسطينية من الأزمة الخليجية.
في الجانب الآخر من فتح والسلطة الفلسطينية، فقد سارع محمد دحلان إلى إعلان موقفه المؤيد للحملة على قطر، وإطلاق أقذع الأوصاف على السياسة القطرية في المنطقة، ولا سيما أن الرجل لا يخفي ولاءه لدولة الإمارات، ويعتبره الفلسطينيون أحد عرابي سياسة أبوظبي في المنطقة الممتدة من تونس، إلى ليبيا، ومصر وسورية، وصولا إلى اليمن.
حماس من جهتها، ورغم أنها لم تتخذ موقفا علنيا من الأزمة الخليجية، تطبيقا لسياستها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، فقد أصدرت سلسلة بيانات تشكر فيها الدوحة على دعمها للفلسطينيين، واحتضانها لقيادة الحركة، وفي الوقت ذاته، أكدت حماس على ضرورة حل الأزمة الخليجية داخل البيت العربي، بالحوار الأخوي الهادئ.
خيارات الفلسطينيين
يعلم الفلسطينيون بمختلف توجهاتهم أنهم الطرف الأضعف في المعادلة الإقليمية الدائرة، ولذلك يبدون رغبة جادة بالبقاء بعيدا عما قد يصفونه "اللعب مع الكبار"، رغم خروج موقف هنا وتصريح هناك، وهم يدركون تماما أن أي تطور مؤسف للأزمة الخليجية قد يعود بالسلب على قضيتهم.
أكثر من ذلك، يراقب الفلسطينيون الموقف الإسرائيلي المتشفي بقطر، والمؤيد للحملة عليها، واعتبار ذلك مقدمة طبيعية لمحاصرة حماس، والتضييق عليها، لأن الدوحة كانت بنظر تل أبيب العرابة الإقليمية والدولية للحركة الفلسطينية، والتي حملت على عاتقها مسؤولية إدماجها في العملية السياسية، والتوقف عن وصفها بالحركة الإرهابية، وهو ما يغضب إسرائيل والدول المحاصرة لقطر على حد سواء... يا للمفارقة!
بالخروج من قراءة المواقف، وتفسير التصريحات، يمكن الحديث عن جملة خيارات فلسطينية على اختلاف مسمياتها تجاه الأزمة الخليجية، رغبة منهم بالخروج بأقل التكاليف وأخف الأثمان، على النحو التالي:
تبدو السلطة الفلسطينية مستمرة في سياستها الصامتة تجاه تطورات الأزمة الخليجية، لذات الاعتبارات سالفة الذكر، لكن متغيرا جديدا قد يساهم في تغيير موقفها يتعلق بتطورات الساحة الفلسطينية، لا سيما مع الحراك الذي يقوم به محمد دحلان داخل غزة بدعم مصري إماراتي.
لم تتوان حركة فتح عن الحديث علانية عن انزعاجها من الدعم الذي يلقاه دحلان من هذه الدول، عبر بيان رسمي صادر عن لجنتها المركزية، وهو ما يعني مزيدا من الافتراق بين رام الله من جهة، والقاهرة وأبوظبي من جهة أخرى.
وإن كان هذا الخلاف بين هذه الأطراف الثلاثة يتعلق بالملف الفلسطيني الداخلي، لكن ارتداداته قد لا تتوقف عند ذلك، وقد تنسحب على موقف السلطة الفلسطينية من الأزمة الخليجية، لا سيما إن واصلت قطر سياستها الداعمة للفلسطينيين، وعدم تدخلها في خلافاتهم الداخلية، على عكس المواقف التي تتبناها الدول المحاصرة لها.
حماس تتحدث عن رغبتها بطي الخلاف الخليجي داخلياً، وعدم توسيعه، وتطويقه بين الأشقاء، لكنها ترغب كما يبدو بعدم تحميل قطر أثمانا هي في غنى عنها، ولذلك ترددت الأحاديث عن تخفيف حماس لتواجد عناصرها داخل الدوحة، ربما دون أن تطلب منها الأخيرة ذلك.
تدرك حماس أن الحملة على قطر شديدة، والموجة عاتية، ومن ضمن أسبابها ما يقال إنه تعاطف الدوحة مع حماس، وربما ليس سراً أن مداولات على مستويات قيادية في حماس دفعت لاتخاذ موقف مريح للجانبين، فمن جهة يمنح الحركة أريحية في التنقل بين الساحات العربية والإقليمية، لإعادة تموضع تواجد قادتها وكوادرها، ومن جهة أخرى يحرم خصوم قطر أوراقا قد تستخدم للضغط عليها، لا سيما لدى الإدارة الأميركية، التي أعلنت أن حماس حركة إرهابية خلال خطاب الرئيس دونالد ترمب في قمة الرياض في مايو/ أيار الماضي.
اللافت أن من تفاعلات الأزمة الخليجية التقارب الحاصل بين حماس وإيران وحزب الله، ورغم أن هذا التقارب مضى عليه وقت سابق لنشوب الأزمة، ما قد يصب في صالح الموقف القطري الذي حصل على دعم إيراني في هذه الأزمة، وقد يمنح حماس قدرة على البقاء في ذات المحور الإقليمي، دون كثير من الخسائر.
مع العلم أن قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس شهد خروج مظاهرات وفعاليات مؤيدة لقطر، وشاكرة لها على تقديم الدعم لسكان غزة المحاصرين.
أخيراً، لا يعلم الفلسطينيون كم قد تستمر الأزمة الخليجية، ففي الوقت الذي تنشط فيه الوساطة الكويتية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية، لوضع حد لها، وعدم توسعها، لكن إصدار المواقف المناوئة لقطر بين حين وآخر، وكيل مزيد من الاتهامات له من قبل الدول المحاصرة، ربما يجعل الأزمة تأخذ مزيدا من الوقت.
وكلما طالت الأزمة الخليجية أكثر، ربما ضيق ذلك من هامش الفلسطينيين في البقاء على الحياد، دون اتخاذ موقف لصالح هذا الطرف أو ذاك، رغم أن التوجه الفلسطيني العام ما زال حتى كتابة هذه السطور يطالب دول الخليج بالاحتكام لصوت العقل والمنطق، بعيدا عن حصار قطر وتهديدها، لما فيه مصلحة قضيتهم الوطنية الفلسطينية.
(رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الأمة/غزة)