الصورة الشهيرة التي جمعتهما في عام 2005 تختصر طبيعة النظام الانتخابي الأميركي. حينها، وطمعاً بالمزيد من تبرّعاته المالية، لبّت السياسية "الطموحة" هيلاري كلينتون، دعوة الملياردير دونالد ترامب لحضور زفافه، وهو المتموّل الباحث عن سطوة ما على الحياة العامة. بعد حوالي عقد من الزمن، هما الآن في معركة سياسية قبل خمسة أشهر من الانتخابات الرئاسية العامة، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، في ظل فارق كبير في دينامية الحملتين.
أما عند الجمهوريين فالفوضى العارمة لا تزال قائمة. ترامب، والذي حسم الانتخابات التمهيدية حسابياً منذ الشهر الماضي، فوّت في الأسابيع الأخيرة فرصة إعادة اختراع حملته وتوحيد الحزب حول ترشيحه، مستمراً في توزيع الإهانات، ومتناسياً أن قواعد اللعبة تغيّرت الآن.
الأصوات الجمهورية في الكونغرس بدأت ترتفع ضد ترامب، والذي أضحت المؤسسة الحزبية لا تثق به كما ترفضه النخب المحافظة. هناك صراع الآن داخل حملته بين مناصريه الأوفياء الذين يؤيدونه بالاستمرار في أسلوبه الانتخابي، والذي أوصله إلى هذه المرحلة، في مقابل المجموعة الثانية الذي تريده أن يتحوّل إلى مرشح تقليدي.
هذا في المشهد العام، أما ملامح المعركة بينهما، فبدأت تتبلور أيضاً. كلينتون تركز على صورة ترامب "المتهوّر"، وتحذّر من مخاطر تسلّمه مقاليد السلطة، وفي المقابل يُلقّبها ترامب بـ"المخادعة"، مع الإشارة الى استغلال آل كلينتون للحياة العامة من أجل الثراء، وفضيحة استخدام كلينتون بريدها الإلكتروني الخاص، خلال توليها منصب وزارة الخارجية.
أما على مستوى القضايا المطروحة، فتتجه كلينتون إلى جعل الاقتصاد محور حملتها الانتخابية، والبناء على نجاحات أوباما في هذا السياق، والتذكير بأن الديمقراطيين أفضل من الجمهوريين في إدارة هذا الملف، بالإضافة إلى تركيز الانتقادات على عدم وضوح برنامج ترامب الاقتصادي، وعلى أعماله التجارية وحالات الإفلاس التي مرّت بها بعض شركاته.
أما ترامب فيسعى إلى جعل السياسة الخارجية محور انتقاداته، عبر تسليط الضوء على دور كلينتون في ليبيا كوزيرة للخارجية، وميلها إلى شنّ الحروب وربطها بمقاربة أوباما الخارجية، والتي يعتبر أنها عززت صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وزعزعت الاستقرار في كل من سورية والعراق.
على مستوى الخريطة الانتخابية، ينطلق السباق بتقدّم كلينتون على ترامب بنحو 10 نقاط في استطلاعات الرأي، لا سيما بين النساء والأقليات، لكن في النهاية المعركة ستكون حسابية وستعتمد إلى حدّ كبير على الولايات المتأرجحة انتخابياً، أي كولورادو وميشيغن ونيفادا وأوهايو وبنسلفانيا وفيرجينيا. هذه الولايات فاز بها أوباما كلها في عام 2012، في ظلّ التحالف الانتخابي العريض، والذي يقوده منذ عام 2008، وهو على وشك توريثه لكلينتون. لكن التحدي الأكبر أمام كلينتون الآن، هو إيجاد خطاب تلتقي حوله القاعدة اليسارية، والذين يفضلون أي مرشح على ترامب، وهم من تسعى كلينتون إلى اجتذابهم.
مشكلة ترامب أيضاً أنه لا يملك هيكلة لوجستية لحملته، فهو بدأ متأخراً مسار جمع التبرعات المالية، وعلى الأرجح لن يتمكن من جمع أكثر من 500 مليون دولار قبل الانتخابات، فيما يحتاج إلى مليار دولار من المصاريف. مكاتبه الانتخابية ليست متجذرة في أنحاء الولايات المتحدة، وبالتالي يحتاج إلى بناء ثقة مع المؤسسة الحزبية لمساعدته على سدّ هذا الفراغ. كما يصرّ على أنه لا يحتاج إلى فريق عمل موسّع وسيكتفي بتغريداته على موقع "تويتر"، وعلى التغطية الإعلامية المجانية التي يحصل عليها، لكن طبيعة الانتخابات العامة تتطلّب خبرات لا تزال حملة ترامب تفتقدها.
تدلّ كل المؤشرات على أن المعركة ستكون شرسة بينهما، وسيتم استخدام كل الأسلحة المتاحة فيها. وحتى الآن نجحت كلينتون في التصويب على ترامب والهجوم عليه بشكل استباقي، وأبعد من ذلك، لا يعرف الناخب الأميركي كثيراً عن مواقف السيدة الأولى سابقاً، وإذا كانت ستميل إلى يسار الوسط أو يمينه، أو تكون أقرب إلى صقور السياسة الخارجية خلال ولايتها الرئاسية المحتملة. وأكبر هدية لكلينتون في هذا الموسم الانتخابي كانت ترشيح ترامب، في وقتٍ تخرج فيه الفضائح تباعاً حول قضية بريدها الإلكتروني ودور المتمولين في دائرتها الضيّقة. ويبدو أسلوب ترامب سامحاً لكلينتون بصرف الانتباه عن كل نقاط ضعفها. مع ذلك، تشير كل استطلاعات الرأي إلى أن الأميركيين لديهم بشكل عام نظرة سلبية إلى كل من ترامب وكلينتون، حتى يبدو وكأن الخيار هذا الخريف سيكون بين السيئ والأسوأ.