نشأ فن العيطة في المغرب منذ مئات السنين عبر إقامة حوار شعري مرتجل بين أهل القرى والجبال، الذين ينطلقون في غناء جماعي، رجالاً ونساءً، في حلقة رقصٍ يبثّون خلالها همومهم وأشجانهم، ما أتاح ظهور الشيخات اللواتي يغنين القصائد ويرقصن على إيقاعاتها.
"المردّدات النسائية من النسق الشعبي نحو البناء العيطي" عنوان المحاضرة التي يقدّمها الباحث الموسيقي المغربي نسيم حدّاد عند السادسة والنصف من مساء اليوم الثلاثاء في "فيلا الفنون" بالرباط، ويتناول خلالها جملة من فنون القول الشعبية التي تناقلتها أجيال من مغنيات العيطة.
بدأ اهتمام المحاضر بهذا القالب الغنائي عبر دراسة ما قدّمته فرقة "ناس الغيوان" التي تأسّست في ستينيات القرن الماضي، ثم بدأ العمل على جمع قصائد تنتمي إلى تراث العيطة، وتوثيقها بطريقة علمية تراعي الوحدة النصية واللحنية التي تغيب عن جلّ ما يردَّد حالياً نتيجة التناقل الشفهي لهذه "العيوط".
يشير حدّاد في مقال سابق له إلى أن "هذه القصائد ظلّت لسنوات طويلة حبيسة الذاكرة النسائية لا ترددها سوى في مناسبات خاصة، حيث دُوّنت المنسية منها والنادرة، مع التركيز على تقديم أسس موسيقية تضمن الانتقال من الشكل الشعبي لهذه المردَّدات إلى الشكل الموسيقي التقليدي اعتماداً على هياكل موسيقى العيطة".
ويعتبر أن "غياب التوثيق النصي واللحني بأُسس أكاديمية وعلمية أدّى إلى فقدان نصوصٍ ومتون كثيرة، خصوصاً مع رحيل رواد هذه الفن التراثي"، مشيراً هنا إلى تجارب عدد من أبرز شيخات العيطة مثل فاطنة بنت الحسين (1935 - 2005)، والحاجة الحمونية (1937 - 2013).
كما يلفت إلى أنه، في فترات مختلفة من تاريخ المغرب، كانت هنالك عدة نصوص تحاكي الحياة الاجتماعية؛ فخلال مرحلة الاستعمار، نجد أن عدداً من الأبيات الشعرية التي جاءت في هذا النسق كانت توظف من أجل رفع همم المغاربة وحثهم على النضال.
تتميز القصائد التي كانت تُرتَجل أحياناً باللغة البسيطة التي تستهدق جميع الفئات الاجتماعية، ويسهل تداولها وحفظها لدى فناني القول، وكذلك كانت ألحانها تعتمد البساطة والجرأة في التعبير، ما أكسبها تأثيراً واسعاً.