اختُتِمت مساء اليوم الثلاثاء أعمال مؤتمر "المعاجم التاريخية للغات: مقاربات ومقارنات" الذي انتظم بمناسبة إطلاق "معجم الدوحة التاريخي للغة العربيّة"، حيث استُكملت جلسات المؤتمر في يومه الثاني معرِّفة بـ"معجم الدوحة التاريخي" من خلال أوراق تناقش خصائصه ووظائفه وتعقد مقارنات بينه وبين عدد من المعاجم العربية القديمة والحديثة.
تناولت أولى ورقات الجلسة الختامية مسألة التعريف في "معجم الدوحة التاريخي" بالمقارنة بينه وبين معاجم عربية أخرى، حيث تحدّث محمد العبيدي، نائب المدير التنفيذي للمعجم، عن أهمِّ قضايا المعنى في المعجم التّاريخي، وهي قضايا متشعِّبةٌ ومعقّدةٌ ومتنوِّعةٌ بتنوّعِ الألفاظ وتغيُّرِ المعاني، حيث ناقش أهميّة المعنى في المعجم التّاريخيّ وخُصوصيّته وأبرز سِماتِه، ومنهجيّة تحديده وتوجيهه تبعاً لمعطيات سياق الشّاهد، بما يحقِّق الوصولَ إلى فهم معنى الوحدة المعجميّة وفق قصدِ قائلها ومفهومها في زمن استعمالها والبيئة اللغوية التي قيلت فيها.
بينما تناولت ورقة محمد محمود محجوب العلاقة بين الوسم والتعريف في "معجم الدوحة التاريخي"، فرصَدَ مستويين لتلك العلاقة: مستوى تأسيسي يؤدي فيه الوسمُ دورَ نقل الوحدة المعجمية المعالَجة من "وجودٍ متوتر" إلى "وجودٍ قارٍّ"، وذلك حين ترد في سياق معين لا تُستبان منه حقيقتها ولا انتماؤها الصرفي، فيكون تعريفها متوقفاً على وسمها. وقد ربط محجوب بين هذا الأمر وبين "المعجم التاريخي" الذي يتعامل مع معطيات اللغة في سياقات حية تُمَثِّلُ في كثير منها تحدياً للمعجمي عندما يأخذ في بناء مداخله اعتماداً على مدونة لغوية محددة. أما المستوى الثاني، فأطلق عليه المحجوب اسم المستوى التجاوري، وهو ما يكون فيه التعريف إما موائماً للوسم عاكساً له -وهذا الأصل- وإما مخالفاً له نوعَ مخالفة. وفي كلا الحالين يتبنى المعجم روائز وضوابط -في الدليل المعياري- تؤسِّس لأصل العلاقة بين الوسم والتعريف، ويُرَوَّض ما خرج عنها بقرارات وروائز جديدة يُحيَّن بها الدليل.
وقدّم حسين السوداني، الأستاذ المساعد بقسم اللسانيات في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، ورقة بعنوان "المعنى النووي وتاريخية التعريف"، عرض فيها الأسس التمييزية التي تنبني عليها خصوصية التعريفات في المعاجم التاريخية قياساً بنظائرها من المعاجم العامة.
"المداخل المعجمية بين فيشر ومعجم الدوحة" عنوان الورقة التي عرضها أحمد الجنابي، وهي تعقد مقارنة بين المداخل المعجمية التي ضمّها المعجم اللغوي التاريخي للمستشرق الألماني أوغست فيشر في القسم الأول المنشور من أول حرف الهمزة إلى مادة: "أَبَدَ"، وبين المواد الجاهزة للنشر في "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية". وقد وضّح الجنابي أن الدليل المعياري لمعجم الدوحة قد عرّف المدخل المعجمي بأنه مجموعة من السمات والمعلومات تُخصِّص كل لفظ من ألفاظ المعجم من حيث الجذر والفرع واللفظ المعالج والوسم والتاريخ والشاهد والمستعمل والتعريف والتوثيق والتأثيل والتأصيل، وهو ما يُعرف بعناصر محتوى الجذاذة المعجمية.
يشير الجنابي على أنَّ المقارنة بين أنموذجين من معجمي فيشر والدوحة تضع الباحث أمام حقيقة أن "معجم فيشر" -على فضل سبقه وبكوره وحدود مدونته الورقية، ومحدودية وسائله ووسائطه- لا يمكن أن يداني ما يرد في "معجم الدوحة" من مداخل معجمية، إذ نرى في الأخير ما لا نراه في غيره، من حيث عدد المداخل، وأقدمية الشواهد، والتوسيم بالنصّ والتعريف بالعبارة، والضبط بالشكل، والتقدمة اللازمة لبعض الشواهد، والترتيب المنسجم في كل مدخل، ناهيك عن الإخراج الفني والشكلي المريح للقارئ، في التنظيم والتنميط والتلوين والتشكيل والترقيم والترميز وغير ذلك مما سيكتشفه المطلع على معجم الدوحة التاريخي من جماليات في مداخله المعاجم العربية ومعجم الدوحة.
وتناولت ورقة ليندا موغلستون، أستاذة تاريخ اللغة الإنكليزية بجامعة أكسفورد، عدداً من المشكلات وتحديات التأريخ للمفردات التي تظهر في معجم أكسفورد للغة الإنكليزية بالتركيز على العلاقة بين المعنى القديم والمعاصر للكلمات، والموضوعات المتضمنة في تمثيلات هذه العلاقة. اعتبرت موغلستون معجم أكسفورد التاريخي ملتزماً بالرؤية البعيدة من حيث النموذج الببلوغرافي المفسِّر الذي من خلاله تحكي كل كلمة قصتها الخاصة، في الوقت ذاته تمثل المعاصَرة تحدياً مثيراً للاهتمام في ما يتعلق بما يمكننا أن نعرفه، أو نظن أننا نعرفه عن تاريخ الوحدة المعجمية، فبالنسبة لموغلستون يمكن أن تسهم المعجمية المعاصرة في الحكاية التاريخية التي تقدِّمها المعاجم.
وعرض علي أشرف صادقي، رئيس قسم المعجمية بـ"الأكاديمية الإيرانية للغة والأدب"، تجربة المعجم التاريخي للغة الفارسية، مشيراً إلى أن العمل فيه قد بدأ منذ 15 عاماً، حيث أدرك العاملون عليه منذ البدء الحاجة إلى تطوير عدد من الموجِّهات العملية لبناء المدونة اللغوية وكتابة تعريفات المعجم، وأنهم قد خلصوا إلى تبني 1400 وثيقة تغطي التراث اللغوي للفارسية منذ القرن الرابع الهجري/ الحادي عشر الميلادي إلى الآن، ومنها بنيت المدونة الرقمية. وأشار الصادقي إلى أن أجزاء المعجم تنشر بالتتابع، حيث نُشِرَ الجزء الأول 2013، والجزء الثاني 2016، بينما الجزء الثالث قيد الطبع حالياً.
وفي دراسة مقارنة، قدّم لوتز إدزارد، أستاذ العربية واللسانيات الساميّة بـ"جامعة إرلانقن – نورنبرغ"، قراءة وافية عن تقاطعات اللغة العربية مع اللغات السامية الأخرى من خلال دراسة التأثيل في "معجم الدوحة التاريخي"، حيث ناقشت ورقته النظائر السامية للجذور العربية سواء كانت ثلاثية أو رباعية، وكيف أن هذه النظائر تتوزّع بين الساميات الشرقية مثل الأكادية، وساميات المركز مثل الساميات الشمالية، والعبرية والآرامية، والساميات الجنوبية مثل العربية الجنوبية الحديثة، وهي تعرض في ذلك ظواهر صوتية مطردة وشاذة داخل العائلة السامية، وإلى أي حد يُلقي النظير السامي بظلاله على تمثلات المعنى للجذر العربي، مع الإشارة إلى أنّ التطابق الصوتي للجذور في بعض الحالات قد يأتي بمعانٍ مختلفة تماماً.