في حيّ الشّياح في الطّور شرقي القدس المحتلة، انهمكت بعض النّسوة والشّباب في تنظيف واجهات البيوت الحجرية والنوافذ والأرصفة في حيّهم. كانوا يحاولون جاهدين وبالاستعانة بما تيسر من مواد تنظيف من كلور ومياه إزالة آثار رائحة "المياه العادمة" التي رشتها قوات الاحتلال باتجاه بيوتهم قبل أيام.
لم يكن استخدام "المياه العادمة" التي ترشها شرطة الاحتلال باتجاه الفلسطينيين جديداً في القدس، ولكنه تكثف في الشهرين الأخيرين، واتسعت دائرته ليستهدف البيوت والمحال التجارية، بعد سلسلة المواجهات التي أعقبت خطف واستشهاد الطفل محمد أبو خضير وبدء العدوان على قطاع غزة.
يلاحظ المقدسيون كذلك أن حدة الرائحة قد ازدادت عما سبق، وأنها تبقى عالقة في الشوارع والأرصفة لمدة أطول من السّابق، فيما يشكل سياسة واضحة للتنكيل الجماعي، وللضغط على المجتمع لوقف الاحتجاجات والمواجهات، ولإجباره على دفع ثمن غالٍ. ففي حين يذهب أثر الغاز المسيل للدموع خلال ساعات قليلة، تبقى آثار رائحة "المياه العادمة" لأيام وتسبب خسائر مادية فادحة.
رانيا، إحدى ربّات البيوت التي يقع بيتها في الشارع الرئيس في حيّ الشياح، تحدثت لـ"العربي الجديد" بينما تبدو منهمكة وابنها في تنظيف نوافذ البيت، قائلة "عندي حساسية من الروائح، وبمجرد أن ترش المياه العادمة على الحيّ ابدأ بالتقيؤ والسعال بشدة، وأسارع بالهروب من البيت إلى المستشفى مع أولادي، حيث أعطونا أدوية ونصحونا بالابتعاد عن المنطقة".
سارة جارة رانيا اضطرت للولادة قبل موعدها المحدد بأسبوعين بسبب الأعراض التي أصابتها جراء استنشاق الرائحة الكريهة والغاز المسيل للدموع التي ملأت الحيّ. تقول سارة: "بدأت بالسّعال الشّديد والتقيؤ، وأصابني هبوط في الضغط فقرر الأطباء ولادتي عبر عملية قيصرية حتى لا تتأثر صحة الجنين".
أما محمود الذي يسكن في نفس الحيّ، فقد أشار إلى زجاج شرفة بيته المكسور للمرة الثالثة بفعل قوة الضغط في خراطيم سيارة المياه العادمة. ويشير إلى أن جنود الاحتلال رشوا بيته "ثلاث مرات على الأقل، وفي كلّ مرة كان يكسر زجاج نوافذ الشرفة، قمت بتغييره مرتين، وها هو يكسر هذا الأسبوع للمرة الثالثة".
لم تكن خسارة محمود في النوافذ فحسب، بل أن "المياه العادمة" وصلت إلى المفروشات في بيته مما اضطره إلى تغييرها. إضافة إلى ذلك فإن محل الخضروات الذي يملكه محمود في شارع الطور الرئيس قد أصابته "المياه العادمة" الأمر الذي كبّده خسائر مالية كبيرة، إذ اضطر للتخلص من الفواكه والخضار التي تشربت الرائحة الكريهة.
وعلى بعد بضعة أمتار من بيوت رانيا وسارة ومحمود، وفي نهاية الأسبوع الماضي، وبعد اشتداد المواجهات وتصدي الشبان لقوات الاحتلال بالحجارة، فقد سائق "المياه العادمة" التي رشّت الحيّ السيطرة عليها، فوقعت به في وادٍ يحاذي الشارع.
واستطاعت طفلة مقدسية تصوير المشهد من نافذة منزلها، لتُدخل السّرور إلى قلوب المقدسيين الذين شاركوا الفيديو على موقع "فيسبوك"، معتبرين ذلك انتقاماً لهم ولمعاناتهم الشّديدة مع هذه السّيارة وما ترشه عليهم.
وبات من الطبيعي منذ حوالي شهرين، أن يغطي المارة أنوفهم لتجنّب الرائحة العالقة منذ أيام في الأرصفة والحيطان. ولفت أحد تجار الملابس المقدسيين في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "خسر الكثير من الأموال بعد أن رشت قوات الاحتلال بضاعة عيد الفطر الماضي خلال مواجهات ساخنة في رمضان".
تاجر آخر عرض لنا فيديوهات صورّها للشاحنة وهي ترش مياهها الكريهة على الشوارع والبيوت والمرافق العامة بشكل عشوائي، وبدون وجود أية تظاهرات أو مواجهات في حينها، معلقاً "إنهم يتسلون بنا".
وتُعتبر شاحنة "المياه العادمة" آخر ما تفتقت عنه العقلية الإسرائيلية الأمنية بهدف التنكيل والتضييق على الفلسطينيين. يسموّنها بالعبرية "بوآش" وهو الاسم العبري لحيوان أميركي يُعرف بالعربية باسم "الظربان". وهو حيوان يبعث رائحة نفاذة كريهة تصل إلى مسافة 60 قدماً.
تستخدم قوات الاحتلال "المياه العادمة" عادة في المواجهات وترشها على الشبان الفلسطينيين ولتفريق التظاهرات، إذ إن رائحتها الكريهة التي تعلق بجسد الانسان لأيام طويلة تجبر الكثيرين على الانسحاب فوراً. كما أن هذه المياه تسبب الشّعور بالغثيان والقيء. كما تسبب احتكاكاً في الجلد وأوجاعاً في البطن في حال بلعها.
وبحسب مصادر إسرائيلية فإن تركيبة هذه المياه سرية وخاصة، إلا أن المركبين الأساسيين اللذين يدخلان في تصنيعها هما "البروتينات والخميرة". وقد تمت المصادقة على استخدام هذه المياه من قبل وزارة الحفاظ على جودة البيئة الإسرائيلية، ومن قبل الضابط الطبيب المسؤول في جيش الاحتلال.
وقد بدأ أول استخدام لهذا السّلاح في قريتي نعلين وبعلين في الضّفة الغربية لقمع الاحتجاجات على بناء الجدار الفاصل عام 2008، وكانت في حينها تحمل في وعاء خاص على ظهور الجنود ومنها يرشون على المتظاهرين، فيما يشبه إجراء تجربة أولية لهذا السّلاح الجديد.
وبعد ظهور هذا السّلاح للمرة الأولى عام 2008، نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريراً عنه قال فيه رئيس قسم "تطوير الوسائل التكنولوجية" في شرطة الاحتلال، ديفيد بن هروش أن "تطوير هذا السلاح استغرق وقتاً طويلاً، لأن هناك معايير كثيرة يجب اتباعها للموافقة عليه طبياً". ويقول بن هروش في ذات التقرير أنه "استطاع أخيراً استيفاء هذه المعايير، إذ إن المادة التي طورتها الشرطة الاسرائيلية خلت من المواد الكيميائية"، بحسب ادعائه.
وتصنف شرطة الاحتلال شاحنة "المياه العادمة" بإنها "سلاح غير قاتل مخصص لتفريق التظاهرات"، وتفتخر بقدراتها التكنولوجية التي استطاعت تطوير هذا السّلاح وبالتالي وضع إسرائيل على خارطة مصنعي "الأسلحة غير الفتاكة". ويعتبر هذا السلاح غير مكلف على المدى البعيد، إذ إنه يحقق هدف تفريق المتظاهرين والتنكيل بهم ويضمن في ذات الوقت عدم قتلهم، بعكس الأسلحة الأخرى.
وفي بيان صحفي منشور على موقع جيش الاحتلال في أغسطس/آب 2009 يفخر الاحتلال بأن استخدام سلاح "المياه العادمة" لا يتطلب اصدار تعليمات استخدام صارمة للجنود إذ إنه سلاح غير قاتل بالمقارنة مع الرصاص المطاطي أو الحي أو القنابل. وهذا يعني بكلمات أخرى، أن الجندي المسؤول عن تشغيل شاحنة "المياه العادمة" قد يستغل تعريفها بأنها "غير قاتلة"، وفي ظلّ غياب تعليمات صارمة في الموضوع، وبالتالي لن يردعه أي شيء عن استخدامها كيفما شاء مزاجه في تلك اللحظة.
ولا شك أن دولة الاحتلال بتطويرها هذه الأسلحة وتجريبها على الفلسطينيين، إنما هي تسوّق لها في السوق العالمية، ففي تقرير "هآرتس" يفخر بن هروش قائلاً: "عندنا ما نفخر به، شرطة إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تخترق حاجز استيفاء المعايير المطلوبة لصناعة نظام كهذا. أنا متأكد أن هذه الآلة ستصبح رائجة في العالم. هناك طلب كبير جداً على آلة مثلها".
لم يكن استخدام "المياه العادمة" التي ترشها شرطة الاحتلال باتجاه الفلسطينيين جديداً في القدس، ولكنه تكثف في الشهرين الأخيرين، واتسعت دائرته ليستهدف البيوت والمحال التجارية، بعد سلسلة المواجهات التي أعقبت خطف واستشهاد الطفل محمد أبو خضير وبدء العدوان على قطاع غزة.
يلاحظ المقدسيون كذلك أن حدة الرائحة قد ازدادت عما سبق، وأنها تبقى عالقة في الشوارع والأرصفة لمدة أطول من السّابق، فيما يشكل سياسة واضحة للتنكيل الجماعي، وللضغط على المجتمع لوقف الاحتجاجات والمواجهات، ولإجباره على دفع ثمن غالٍ. ففي حين يذهب أثر الغاز المسيل للدموع خلال ساعات قليلة، تبقى آثار رائحة "المياه العادمة" لأيام وتسبب خسائر مادية فادحة.
رانيا، إحدى ربّات البيوت التي يقع بيتها في الشارع الرئيس في حيّ الشياح، تحدثت لـ"العربي الجديد" بينما تبدو منهمكة وابنها في تنظيف نوافذ البيت، قائلة "عندي حساسية من الروائح، وبمجرد أن ترش المياه العادمة على الحيّ ابدأ بالتقيؤ والسعال بشدة، وأسارع بالهروب من البيت إلى المستشفى مع أولادي، حيث أعطونا أدوية ونصحونا بالابتعاد عن المنطقة".
سارة جارة رانيا اضطرت للولادة قبل موعدها المحدد بأسبوعين بسبب الأعراض التي أصابتها جراء استنشاق الرائحة الكريهة والغاز المسيل للدموع التي ملأت الحيّ. تقول سارة: "بدأت بالسّعال الشّديد والتقيؤ، وأصابني هبوط في الضغط فقرر الأطباء ولادتي عبر عملية قيصرية حتى لا تتأثر صحة الجنين".
أما محمود الذي يسكن في نفس الحيّ، فقد أشار إلى زجاج شرفة بيته المكسور للمرة الثالثة بفعل قوة الضغط في خراطيم سيارة المياه العادمة. ويشير إلى أن جنود الاحتلال رشوا بيته "ثلاث مرات على الأقل، وفي كلّ مرة كان يكسر زجاج نوافذ الشرفة، قمت بتغييره مرتين، وها هو يكسر هذا الأسبوع للمرة الثالثة".
لم تكن خسارة محمود في النوافذ فحسب، بل أن "المياه العادمة" وصلت إلى المفروشات في بيته مما اضطره إلى تغييرها. إضافة إلى ذلك فإن محل الخضروات الذي يملكه محمود في شارع الطور الرئيس قد أصابته "المياه العادمة" الأمر الذي كبّده خسائر مالية كبيرة، إذ اضطر للتخلص من الفواكه والخضار التي تشربت الرائحة الكريهة.
وعلى بعد بضعة أمتار من بيوت رانيا وسارة ومحمود، وفي نهاية الأسبوع الماضي، وبعد اشتداد المواجهات وتصدي الشبان لقوات الاحتلال بالحجارة، فقد سائق "المياه العادمة" التي رشّت الحيّ السيطرة عليها، فوقعت به في وادٍ يحاذي الشارع.
وبات من الطبيعي منذ حوالي شهرين، أن يغطي المارة أنوفهم لتجنّب الرائحة العالقة منذ أيام في الأرصفة والحيطان. ولفت أحد تجار الملابس المقدسيين في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "خسر الكثير من الأموال بعد أن رشت قوات الاحتلال بضاعة عيد الفطر الماضي خلال مواجهات ساخنة في رمضان".
تاجر آخر عرض لنا فيديوهات صورّها للشاحنة وهي ترش مياهها الكريهة على الشوارع والبيوت والمرافق العامة بشكل عشوائي، وبدون وجود أية تظاهرات أو مواجهات في حينها، معلقاً "إنهم يتسلون بنا".
وتُعتبر شاحنة "المياه العادمة" آخر ما تفتقت عنه العقلية الإسرائيلية الأمنية بهدف التنكيل والتضييق على الفلسطينيين. يسموّنها بالعبرية "بوآش" وهو الاسم العبري لحيوان أميركي يُعرف بالعربية باسم "الظربان". وهو حيوان يبعث رائحة نفاذة كريهة تصل إلى مسافة 60 قدماً.
تستخدم قوات الاحتلال "المياه العادمة" عادة في المواجهات وترشها على الشبان الفلسطينيين ولتفريق التظاهرات، إذ إن رائحتها الكريهة التي تعلق بجسد الانسان لأيام طويلة تجبر الكثيرين على الانسحاب فوراً. كما أن هذه المياه تسبب الشّعور بالغثيان والقيء. كما تسبب احتكاكاً في الجلد وأوجاعاً في البطن في حال بلعها.
وبحسب مصادر إسرائيلية فإن تركيبة هذه المياه سرية وخاصة، إلا أن المركبين الأساسيين اللذين يدخلان في تصنيعها هما "البروتينات والخميرة". وقد تمت المصادقة على استخدام هذه المياه من قبل وزارة الحفاظ على جودة البيئة الإسرائيلية، ومن قبل الضابط الطبيب المسؤول في جيش الاحتلال.
وقد بدأ أول استخدام لهذا السّلاح في قريتي نعلين وبعلين في الضّفة الغربية لقمع الاحتجاجات على بناء الجدار الفاصل عام 2008، وكانت في حينها تحمل في وعاء خاص على ظهور الجنود ومنها يرشون على المتظاهرين، فيما يشبه إجراء تجربة أولية لهذا السّلاح الجديد.
وبعد ظهور هذا السّلاح للمرة الأولى عام 2008، نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريراً عنه قال فيه رئيس قسم "تطوير الوسائل التكنولوجية" في شرطة الاحتلال، ديفيد بن هروش أن "تطوير هذا السلاح استغرق وقتاً طويلاً، لأن هناك معايير كثيرة يجب اتباعها للموافقة عليه طبياً". ويقول بن هروش في ذات التقرير أنه "استطاع أخيراً استيفاء هذه المعايير، إذ إن المادة التي طورتها الشرطة الاسرائيلية خلت من المواد الكيميائية"، بحسب ادعائه.
وتصنف شرطة الاحتلال شاحنة "المياه العادمة" بإنها "سلاح غير قاتل مخصص لتفريق التظاهرات"، وتفتخر بقدراتها التكنولوجية التي استطاعت تطوير هذا السّلاح وبالتالي وضع إسرائيل على خارطة مصنعي "الأسلحة غير الفتاكة". ويعتبر هذا السلاح غير مكلف على المدى البعيد، إذ إنه يحقق هدف تفريق المتظاهرين والتنكيل بهم ويضمن في ذات الوقت عدم قتلهم، بعكس الأسلحة الأخرى.
وفي بيان صحفي منشور على موقع جيش الاحتلال في أغسطس/آب 2009 يفخر الاحتلال بأن استخدام سلاح "المياه العادمة" لا يتطلب اصدار تعليمات استخدام صارمة للجنود إذ إنه سلاح غير قاتل بالمقارنة مع الرصاص المطاطي أو الحي أو القنابل. وهذا يعني بكلمات أخرى، أن الجندي المسؤول عن تشغيل شاحنة "المياه العادمة" قد يستغل تعريفها بأنها "غير قاتلة"، وفي ظلّ غياب تعليمات صارمة في الموضوع، وبالتالي لن يردعه أي شيء عن استخدامها كيفما شاء مزاجه في تلك اللحظة.
ولا شك أن دولة الاحتلال بتطويرها هذه الأسلحة وتجريبها على الفلسطينيين، إنما هي تسوّق لها في السوق العالمية، ففي تقرير "هآرتس" يفخر بن هروش قائلاً: "عندنا ما نفخر به، شرطة إسرائيل هي الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تخترق حاجز استيفاء المعايير المطلوبة لصناعة نظام كهذا. أنا متأكد أن هذه الآلة ستصبح رائجة في العالم. هناك طلب كبير جداً على آلة مثلها".