لا تلتفت العديد من الدراسات التاريخية والسياسية إلى جذور العلاقة بين الولايات المتحدة والمنطقة العربية قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 -1945) وأفول القوى الاستعمارية القديمة، إذ تركز معظمها على التحولات التي طرأت بين الطرفين في ما يخصّ الصراع العربي الإسرائيلي ثم غزو العراق عام 2003.
في هذا السياق، صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "بداية العلاقات العربية – الأميركية" لأستاذ التاريخ الحديث والباحث السوداني عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، الذي يتقصّى تاريخ هذه العلاقات مع المغرب العربي، وبداية الامتيازات الأميركية في المشرق العربي، وبداية العلاقات مع وادي النيل، والتنصير الأميركي في الشام والعراق ومناطق الخليج العربي، مستشهداً بوثائق بريطانية وأميركية غير منشورة، توضح مسالك هذه العلاقات.
يتناول الفصل الأول "بداية العلاقات الأميركية مع المغرب العربي" اعتراف مراكش بالولايات المتحدة، والعلاقات الجزائرية - الأميركية في عهد الداي حسن، والاتفاقية الجزائرية – الأميركية، والاتفاق بين تونس والولايات المتحدة، وبداية العلاقات الأميركية الليبية، والحرب بين الولايات المتحدة وطرابلس (1801-1805).
لم يجد المؤلف بدايةً لعلاقات عربية - أميركية، إنما وجد تحالفاً أميركياً - أوروبياً ضدّ العرب حرّضت عليه وقادته الولايات المتحدة وظفرت فيه الدول الأوروبية باستعمار المنطقة. ثم وجدت الولايات المتحدة دولاً عربية واقعة تحت النفوذ الاستعماري الذي لا يقف في وجه المصالح الأميركية؛ سواء أتعارضت مع مصالح الشعوب المغلوبة أم توافقت معها.
وبحسبه، حققت الولايات المتحدة في بداية علاقاتها بالعرب ما صبت إليه من تقاسم ثرواتهم؛ إذ دأبت على الحصول على حصّتها من الغنائم بوساطة الدول الأوروبية المستعمرة.
في الفصل الثاني "بداية الامتيازات الأميركية في المشرق العربي" يدرس إبراهيم امتيازات التجارة والإبحار بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة، واتفاق التجارة والصداقة بين مسقط والولايات المتحدة، واتفاق الصداقة والتجارة بين فارس والولايات المتحدة.
يقول المؤلف إن "السياسة الخارجية الأميركية تميّزت منذ استقلال الولايات المتحدة بالسعي إلى توسعة تجارتها، ولهذا كان الاتصال الأميركي بالعالم الخارجي شأناً من شؤون التجار والشركات ورأس المال، وظلت الإدارة الأميركية تتابع تجارها ومصالحهم، تعينهم بأسطولها الوليد على فرض تجارتهم بأداء أقل الرسوم، وبدبلوماسيتها الناشئة التي تهدف إلى كسب الامتيازات وإصابة النفوذ، وإرساء أسس الهيمنة السياسية".
يثير الفصل الثالث "بداية التنصير الأميركي في الشام" مسألتي التنصير الأميركي في الشرق، والتنصير التعليمي في الشام، وكان التنصير الهدف الرئيس للتعليم كما جاء على لسان بعض المنصّرين، فقامت البعثة الأميركية بجهد ملحوظ في هذا المجال، وأدّت هذه القناعة إلى انتشار واسع لمدارس الإرساليات الأميركية في جميع أرجاء الشام.
في الفصل الرابع "بداية العلاقات الأميركية مع وادي النيل" يبحث المؤلف في دور محمد علي باشا وأبنائه في التمكين للأميركيين، والاستثمار الأميركي في السودان، وبداية التنصير الأميركي في مصر والسودان، ومكانة وادي النيل في مؤتمرات التنصير الأولى، ومحاولات معارضة التنصير الأميركي فيه.
يتوقف المؤلف في الفصل الخامس "التنصير الأميركي في العراق ومناطق الخليج العربي" عند التنصير الأميركي في العراق والبحرين والكويت وعُمان. في العراق، واجه التنصير مقاومة ضارية، توجتها ثورة عبد الكريم قاسم في تموز/ يوليو 1958، وبعد هزيمة العرب في عام 1967، طردت حكومة العراق جميع المُنصّرين الأجانب من أرضها.
وفي البحرين، بدأت الإرسالية الأميركية عملها بشكل متقطع وفاتر في عام 1893، ولم تستطع البعثة التنصيرية الأميركية أن تقيم لها مركزاً ثابتاً في قطر إلا في عام 1946، لكنه لم يُعمّر طويلاً، أما الكويت فازدهر التنصيران العلاجي والتعليمي حتى عام 1967، وفي عُمان كذلك لكنه لم يكن ناجحاً.