"تأويل النص: من الشعرية إلى ما بعد الكولونيالية" عنوان الكتاب الصادر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للباحث المغربي محمد بو عزة، الذي وضع مؤلفات عدّة في النقد مثل "تحليل النص السردي؛ تقنيات ومفاهيم" (2010)، و"سرديات ثقافية" (2014).
في كتابه الجديد يذهب المؤلّف إلى تفكيك إشكالية القراءة في نماذج نظرية متعددة، كالهيرمينوطيقا السردية عند بول ريكور، وسوسيولوجيا الرواية عند ميخائيل باختين، والسيميائيات عند جوليا كريستيفا، وسيميوطيقا القراءة عند أمبرتو إيكو، والتفكيك عند جاك دريدا، والقراءة مابعد الكولونيالية عند إدوارد سعيد.
في الفصل الأول "نحو هيرمينوطيقا سردية"، يقترح بو عزة منظوراً تأويلياً للسرد، ينطلق من اعتباره أنموذجاً للصوغ الذاتي للذات وللعالم، فالسرد بالنسبة إلى ريكور - واستناداً إلى شعرية أرسطو - يكشف عن جوانب شمولية في الوضع الإنساني. وتكمن أهمية الهيرمينوطيقا السردية عند ريكور في تجاوزها المنظور التقني الشكلاني إلى السرد الذي كرّسته البنيوية، حيث يعتبر السرد خطاباً رمزياً لا ينفصل عن الجهد التأملي في لغز الوجود، لأن ما تُنتجه الذات من قصص يتيح لها أفقاً رمزياً لتمثيل تجربتها وتمثلها، أي تأمّلها وتصوّرها في سياق إبيستمولوجي جديد، هو عالم النص الذي تخلقه الحبكة السردية، عندما تنقل التجربة من سياق زماني يتميز بتشتت حوادثه وتنافر عناصره إلى سياق تخييلي تنتظم عناصره المرجعية في إطار بنية الحكاية، ما يكسبها أبعاداً فنية ودلالية جديدة.
يقارب الفصل الثاني "نحو شعرية سوسيولوجية للرواية" الأنموذج الحواري الذي يصوغه باختين بصفته خاصية محايثة للنص الروائي، وتكمن قيمة هذا الأنموذج في طبيعته الدينامية، ذلك أنه يشيد استراتيجيته في القراءة باعتباره فعل مراجعة لانغلاق الشكلانيين الروس وشكلانية مقاربتهم الأدبية للنص من جهة أولى، وفعلاً نقدياً حواريًا يعيد النظر في النزعة المادية الآلية للفكر الماركسي في تفسير النصوص الأدبية، باعتبارها انعكاساً لوقائع أيديولوجية خارجية من جهة ثانية.
يتتبّع الباحث في الفصل الثالث "نحو سيميائيات تفكيكية" مسار الأنموذج السيميائي الجديد عند جوليا كريستيفا في قراءة النص الذي تقترح من خلاله علماً جديداً للنص تسميه "التحليل الدلائلي"، وتكمن قيمة هذا العلم الأدبي من المنظور الإبستيمولوجي في أنه يمثل أنموذجاً دينامياً تستخلصه كريستيفا من محاورتها نماذج معرفية وفلسفية متعددة؛ الأنموذج اللساني (دي سوسير وبيرس) والأنموذج التحليلي - نفسي (فرويد ولاكان) والأنموذج الماركسي (ماركس وألتوسير).
يسأل الكاتب في الفصل الرابع "استراتيجية التأويل" هل التعددية متناهية أم لامتناهية؟ محاولاً تفكيك هذه الإشكالية من خلال قراءة مزدوجة تواجه بين البرنامج التأويلي عند إيكو الذي يُبنى على مرجعية سيميوطيقية، والبرنامج التأويلي عند دريدا الذي يُبنى على فلسفة التفكيك.
أما في الفصل الخامس "دنيوية التأويل من جماليات التمثيل إلى سياسات التمثيل" فيوضح بو عزة استراتيجية القراءة التأويلية التي وضع أسسها إدوارد سعيد في نقد الثقافة الغربية، وأطلق عليها مصطلح "القراءة الطباقية"، وهذه قراءة تنطلق من تفكيك النص بوعي متزامن يفرض على النص ازدواجاً خطابياً، يتيح له قراءة ما هو مسكوت عنه. بمعنى أنها تمارس نقداً من الداخل للنظرية الغربية، وبالتالي تمارس استراتيجيتها النقدية باعتبارها إعادة قراءة تفكيكية، تُبنى على وعي مابعد كولونيالي بمفهوم الاختلاف بين التواريخ والثقافات، يمكّنها من إحداث انزياح داخل الإبيستمولوجيا الإمبريالية التي صاغت ضمنياً تصوّرات النظرية الغربية عن الآخر، وتحكّمت بتمثيل صوره وعلاماته.