هي "مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان"، تحت عنوان "أسعد الله مساءكم". كتاب موسوعيّ حاول خلاله الإعلامي زافين قيومجيان أن يروي "حكاية التلفزيون"، فإذا به يروي "حكاية لبنان". فالكتاب الذي استغرق العمل عليه خمس سنوات، جال معدّه على أكثر من 200 شخصية من روّاد التلفزيون، محاولاً تأريخ هذا العالم الواسع الذي لم يدخله أحد قبله، لا في لبنان ولا في العالم العربي.
البدايات والذكريات
التلفزيون في الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي كان في لبنان يشبه الإنترنت في التسعينيّات، ووسائل التواصل الاجتماعي في الألفية الثالثة. الجيل الذي عاش "صدمة" التلفزيون أتى بعده جيل "كلّ شيء أعرفه أعرفه من التلفزيون"، كذلك جيل أهلنا الذين عاش "صدمة" الإنترنت جاء بعده جيلنا الذي لا يعرف شكل الحياة من دون إنترنت. ونحن الذين "تفاجأنا" بالسوشال ميديا ها هم أطفالنا يولدون على الفيسبوك. وهناك نجمّع لحظاتهم الجميلة ونقيس تغييراتهم، بدل الحيطان التي عليها كانت أمّهاتنا تقيس كم ازداد طولنا.
يقول زافين في مقدّمة الكتاب – الموسوعة: "ليس للتلفزيون سمعة حسنة. إزاء الكتاب هو أداة تجهيل. إزاء المدرسة هو وسيلة لهو، وإزاء المسرح هو وسيلة استهلاك.. هكذا قال لنا أهلنا وهكذا سنقول لأولادنا. مسكين التلفزيون، هو نفخ في الهواء، وهواؤه مفتوح ومشرّع أمام سهام النقد والتسخيف".
ربّما لهذه الأسباب، ولأنّه يعشق التلفزيون، فإنّه قرّر، بعد ثلاثة أجيال، هو الذي لمع في بداية التسعينيّات، أن يكتب تاريخ التلفزيون اللبناني ليصنع له مرجعاً وليحميه من "الهواء المفتوح" بين دفّتي كتاب - مرجع.
هو المولود منتصف السبعينيّات بدا كما لو أنّه يكتب ذكرياته، وذاكرة جيله، وبعض ذاكرة أهله. تلك الذاكرة التي اكتشف أن لا شيء يجمعها غير التلفزيون.
بدءاً من تلفزيون الدولة اللبنانية، الذي كان من أوائل التلفزيونات العربية، ثم القنوات التي تشعّبت منه، وانقسمت خلال الحرب بين "شرقية" و"غربية"، بين قناة المسيحيين وقناة المسلمين، وصولاً إلى فوضى التلفزيونات في الثمانينيّات. حين بات كلّ حزب أو فصيل حتّى يملك استوديو ويبثّ منه، وصولاً إلى نهاية الثمانينيّات. هناك اختار أن ينهي زافين فصول كتابه هذا. وترك التسعينيّات والعقد الذي تلاه بين 2000 و2010، والعقد الذي أنهينا نصفه حتّى الآن، لجزءٍ ثانٍ من الكتاب بدأ العمل عليه.
التاريخ الموحّد!
يعرف اللبنانيون أن لا كتاب تاريخ يجمع ذاكرتهم. اختلفوا حول "كتاب التاريخ الموحّد". كلّ منطقة تدرّس التاريخ كما يحلو لها. وجزء من الأزمة "الوطنية" في لبنان، وسبب من أسبابها استطراداً، عدم الاتفاق على رواية واحدة لتاريخنا.
لكن في هذا الكتاب حاول زافين أن "يقبض" على هذا التاريخ، بطريقة يمكن للأطراف كلّها أن تقبل بها. فإذا كنّا نعيش، منذ عقود، "عصر الصورة"، وإذا كان "الفيديو" هو ما يحرّكنا منذ عقدين على الأقلّ، فإنّ "تاريخ التلفزيون"، أو تاريخ "100 لحظة"، بما هو تاريخ اللحظات المشتركة التي عاشها اللبنانيون أمام شاشة واحدة، هو الأقرب ليكون "تاريخ لبنان" الحديث الذي نعرفه وعرفه آباؤنا وأجدادنا.
ففي مقدّمة "العقد السابع" يكتب زافين: "لبنان في السبعينيّات كان لا يزال يتظاهر ويتحرّر.. ويغلي. كان قبلة أنظار العرب وساحة حروبهم المفتوحة". ثم يروي كيف انطلقت المسلسلات التي شكّلت الذاكرة المشتركة للبنانيين في لحظة استعدادهم لبدء الحرب الأهلية.
إقرأ أيضاً: تهديد الإعلاميين اللبنانيين... على قدم وساق
تعريف اللحظة: رواية الاجتماع والتاريخ
في الكتاب يجهد زافين لإثبات وجهة نظره في ما يخصّ "تعريف اللحظة التلفزيونية". فهو يصرّ على أنّها ليست الأكثر مشاهدة، ولا الأكثر شهرة في حينها، ولا الأجمل، لا الأقوى، بل هي نتف من هذا وذاك.
لهذا ليس الكتاب رواية "تلفزيونية" فحسب. بل هو رواية "اللحظات" في قالبها الاجتماعي والسياسي والتاريخي والثقافي والجغرافي. لنأخذ مثالاً هو "الرقصة المحرّمة: Pele-Mele". تلك اللحظة يضعها زافين في قالب تاريخي وعالمي. إذ يتحدّث عن كيف كانت رقصة "تويست" أوّل حمّى فنية شبابية تتخطّى حدود الجغرافيا غيّرت وجه الـ"بوب" إلى الأبد. وينتقل إلى كيفية وصولها إلى لبنان عبر برنامج المواهب "مرح الشباب" في 1963: "أدّى تنامي الظاهرة إلى إصدار وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط قراراً بمنعها على الشاشة وفي المرابع الليلية تماشياً مع قرار مماثل في مصر وسورية، وفيما تراجعت القاهرة سريعاً عن هذا القرار بقيت الرقابة في لبنان".
يروي زافين كيف أنّ القرار زاد من شعبية الرقصة، "في تحدٍّ واضح للسلطات السياسية والأهل.. وفي 10 يناير/كانون الثاني تسبّبت الرقصة بأزمة حكومية حين جاء ملك التويست جوني هاليداي لإحياء حفلات بكازينو لبنان.. فمنعه جنبلاط.. وتناول معه رئيس الحكومة رشيد كرامي العشاء.. ورئيس الكازينو جال على المسؤولين لمنع القرار.. فاعتصم جنبلاط بالمختارة وهدّد بالاستقالة إذا غنّى هاليداي على المسرح". ثم على الطريقة اللبنانية تمّ حلّ المشكلة.. وانتظر اللبنانيون برنامج مرح الشباب ليعرفوا إذا كان المشتركون سيرقصون التويست أم لا". ويختم اللحظة بالقول: "أبعد من الرقصة، كان ذلك المشهد يفشي بصراع بين الأجيال. صراع بين الشرق والغرب، وبين التويست والدبكة. صراع مدينة تنمو على أنقاض أخرى، في لحظة ذروة... على حلبة الرقص. قد لا تكون لحظة الرقصة المحرّمة لحظة تلفزيونية بامتياز، لكنّها من دون شكّ لحظة في تاريخ الترفيه في لبنان ما كانت ممكنة لولا التلفزيون".
الثمانينيّات
ربما يكون أجمل تعريف قريب لشرح ماهيّة الكتاب هو "مقدّمة العقد الثامن"، التي كتبها زافين بلغة التأريخ الجديد. فهو يشرح أنّه "في لبنان تمثل الثمانينيات زمن الجنون والعبث والفوضى. سنوات سادت خلالها لغة السلاح والمليشيات والسيارات المفخّخة ومجازر الإبادة وخطف الرهائن والطائرات.... التلفزيون اللبناني في العقد الثامن هو ابن بيئته.. وسيلة الترفيه الوحيدة لدى اللبنانيين بعد أن تعطّلت حركة الإنتاج الفني والمسرحي والسينمائي.. وهو كذلك أداة بروباغندا سياسية فاعلة ومؤثرة ساهمت في حملات التجييش والشحن والتقسيم..".
إقرأ أيضاً: شهيد حرية لبنان وشهيد الثورة السورية
البدايات والذكريات
التلفزيون في الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي كان في لبنان يشبه الإنترنت في التسعينيّات، ووسائل التواصل الاجتماعي في الألفية الثالثة. الجيل الذي عاش "صدمة" التلفزيون أتى بعده جيل "كلّ شيء أعرفه أعرفه من التلفزيون"، كذلك جيل أهلنا الذين عاش "صدمة" الإنترنت جاء بعده جيلنا الذي لا يعرف شكل الحياة من دون إنترنت. ونحن الذين "تفاجأنا" بالسوشال ميديا ها هم أطفالنا يولدون على الفيسبوك. وهناك نجمّع لحظاتهم الجميلة ونقيس تغييراتهم، بدل الحيطان التي عليها كانت أمّهاتنا تقيس كم ازداد طولنا.
يقول زافين في مقدّمة الكتاب – الموسوعة: "ليس للتلفزيون سمعة حسنة. إزاء الكتاب هو أداة تجهيل. إزاء المدرسة هو وسيلة لهو، وإزاء المسرح هو وسيلة استهلاك.. هكذا قال لنا أهلنا وهكذا سنقول لأولادنا. مسكين التلفزيون، هو نفخ في الهواء، وهواؤه مفتوح ومشرّع أمام سهام النقد والتسخيف".
ربّما لهذه الأسباب، ولأنّه يعشق التلفزيون، فإنّه قرّر، بعد ثلاثة أجيال، هو الذي لمع في بداية التسعينيّات، أن يكتب تاريخ التلفزيون اللبناني ليصنع له مرجعاً وليحميه من "الهواء المفتوح" بين دفّتي كتاب - مرجع.
هو المولود منتصف السبعينيّات بدا كما لو أنّه يكتب ذكرياته، وذاكرة جيله، وبعض ذاكرة أهله. تلك الذاكرة التي اكتشف أن لا شيء يجمعها غير التلفزيون.
بدءاً من تلفزيون الدولة اللبنانية، الذي كان من أوائل التلفزيونات العربية، ثم القنوات التي تشعّبت منه، وانقسمت خلال الحرب بين "شرقية" و"غربية"، بين قناة المسيحيين وقناة المسلمين، وصولاً إلى فوضى التلفزيونات في الثمانينيّات. حين بات كلّ حزب أو فصيل حتّى يملك استوديو ويبثّ منه، وصولاً إلى نهاية الثمانينيّات. هناك اختار أن ينهي زافين فصول كتابه هذا. وترك التسعينيّات والعقد الذي تلاه بين 2000 و2010، والعقد الذي أنهينا نصفه حتّى الآن، لجزءٍ ثانٍ من الكتاب بدأ العمل عليه.
— Zaven (@Zaven_K) June 23, 2015
التاريخ الموحّد!
يعرف اللبنانيون أن لا كتاب تاريخ يجمع ذاكرتهم. اختلفوا حول "كتاب التاريخ الموحّد". كلّ منطقة تدرّس التاريخ كما يحلو لها. وجزء من الأزمة "الوطنية" في لبنان، وسبب من أسبابها استطراداً، عدم الاتفاق على رواية واحدة لتاريخنا.
لكن في هذا الكتاب حاول زافين أن "يقبض" على هذا التاريخ، بطريقة يمكن للأطراف كلّها أن تقبل بها. فإذا كنّا نعيش، منذ عقود، "عصر الصورة"، وإذا كان "الفيديو" هو ما يحرّكنا منذ عقدين على الأقلّ، فإنّ "تاريخ التلفزيون"، أو تاريخ "100 لحظة"، بما هو تاريخ اللحظات المشتركة التي عاشها اللبنانيون أمام شاشة واحدة، هو الأقرب ليكون "تاريخ لبنان" الحديث الذي نعرفه وعرفه آباؤنا وأجدادنا.
ففي مقدّمة "العقد السابع" يكتب زافين: "لبنان في السبعينيّات كان لا يزال يتظاهر ويتحرّر.. ويغلي. كان قبلة أنظار العرب وساحة حروبهم المفتوحة". ثم يروي كيف انطلقت المسلسلات التي شكّلت الذاكرة المشتركة للبنانيين في لحظة استعدادهم لبدء الحرب الأهلية.
إقرأ أيضاً: تهديد الإعلاميين اللبنانيين... على قدم وساق
تعريف اللحظة: رواية الاجتماع والتاريخ
في الكتاب يجهد زافين لإثبات وجهة نظره في ما يخصّ "تعريف اللحظة التلفزيونية". فهو يصرّ على أنّها ليست الأكثر مشاهدة، ولا الأكثر شهرة في حينها، ولا الأجمل، لا الأقوى، بل هي نتف من هذا وذاك.
لهذا ليس الكتاب رواية "تلفزيونية" فحسب. بل هو رواية "اللحظات" في قالبها الاجتماعي والسياسي والتاريخي والثقافي والجغرافي. لنأخذ مثالاً هو "الرقصة المحرّمة: Pele-Mele". تلك اللحظة يضعها زافين في قالب تاريخي وعالمي. إذ يتحدّث عن كيف كانت رقصة "تويست" أوّل حمّى فنية شبابية تتخطّى حدود الجغرافيا غيّرت وجه الـ"بوب" إلى الأبد. وينتقل إلى كيفية وصولها إلى لبنان عبر برنامج المواهب "مرح الشباب" في 1963: "أدّى تنامي الظاهرة إلى إصدار وزير الداخلية آنذاك كمال جنبلاط قراراً بمنعها على الشاشة وفي المرابع الليلية تماشياً مع قرار مماثل في مصر وسورية، وفيما تراجعت القاهرة سريعاً عن هذا القرار بقيت الرقابة في لبنان".
يروي زافين كيف أنّ القرار زاد من شعبية الرقصة، "في تحدٍّ واضح للسلطات السياسية والأهل.. وفي 10 يناير/كانون الثاني تسبّبت الرقصة بأزمة حكومية حين جاء ملك التويست جوني هاليداي لإحياء حفلات بكازينو لبنان.. فمنعه جنبلاط.. وتناول معه رئيس الحكومة رشيد كرامي العشاء.. ورئيس الكازينو جال على المسؤولين لمنع القرار.. فاعتصم جنبلاط بالمختارة وهدّد بالاستقالة إذا غنّى هاليداي على المسرح". ثم على الطريقة اللبنانية تمّ حلّ المشكلة.. وانتظر اللبنانيون برنامج مرح الشباب ليعرفوا إذا كان المشتركون سيرقصون التويست أم لا". ويختم اللحظة بالقول: "أبعد من الرقصة، كان ذلك المشهد يفشي بصراع بين الأجيال. صراع بين الشرق والغرب، وبين التويست والدبكة. صراع مدينة تنمو على أنقاض أخرى، في لحظة ذروة... على حلبة الرقص. قد لا تكون لحظة الرقصة المحرّمة لحظة تلفزيونية بامتياز، لكنّها من دون شكّ لحظة في تاريخ الترفيه في لبنان ما كانت ممكنة لولا التلفزيون".
الثمانينيّات
ربما يكون أجمل تعريف قريب لشرح ماهيّة الكتاب هو "مقدّمة العقد الثامن"، التي كتبها زافين بلغة التأريخ الجديد. فهو يشرح أنّه "في لبنان تمثل الثمانينيات زمن الجنون والعبث والفوضى. سنوات سادت خلالها لغة السلاح والمليشيات والسيارات المفخّخة ومجازر الإبادة وخطف الرهائن والطائرات.... التلفزيون اللبناني في العقد الثامن هو ابن بيئته.. وسيلة الترفيه الوحيدة لدى اللبنانيين بعد أن تعطّلت حركة الإنتاج الفني والمسرحي والسينمائي.. وهو كذلك أداة بروباغندا سياسية فاعلة ومؤثرة ساهمت في حملات التجييش والشحن والتقسيم..".
إقرأ أيضاً: شهيد حرية لبنان وشهيد الثورة السورية