اقرأ أيضاً ("أملاك الغائبين": أداة الاحتلال للقبض على القدس)
وشملت "التسهيلات" الأخيرة للاحتلال كلاً من القدس والضفة وقطاع غزة عبر شواهد، منها السماح للشرطة الفلسطينية بالانتشار في قرى محاذية للقدس، وزيادة أذونات العمل لفلسطينيي الضفة في مناطق الـ48، والسماح بإدخال مواد وبضائع كان ممنوعاً إدخالها إلى قطاع غزة، والسماح لوفود حكومة رام الله بالدخول والخروج من وإلى غزة بوتيرة متسارعة أخيرة.
اقرأ أيضاً (إسرائيل تُجمّل حصارها لغزة بـ"تسهيلات شكلية")
يستعد الشاب سليمان حمدان (25 عاما) لتقديم أوراقه الثبوتية إلى مكتب الارتباط الإسرائيلي في مستوطنة "بيت إيل" المقامة على أراضي رام الله، بهدف الحصول على تصريح يسمح له بالعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
يؤكد الشاب أنّ أمامه فرصة كبيرة للحصول على تصريح عمل ينقذه من البطالة، فقد سبق أن حصل جاره في القرية التي يسكن فيها قرب رام الله على تصريح مماثل، ويقول بحماسة لـ"العربي الجديد": "لقد تغير الوضع، إسرائيل تعطي تصاريح عمل للشبان، لقد حصل جاري وهو في مثل عمري، على تصريح بالعمل".
يأمل حمدان، مثل غيره من آلاف الشبان الفلسطينيين العاطلين من العمل، الحصول على فرصة، في ظل موجة تسهيلات غير مسبوقة تقوم بها حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
يقول مصدر في الشؤون المدنية الفلسطينية لـ"العربي الجديد": "هناك تسهيلات إسرائيلية غير مسبوقة، سواء على صعيد السماح للرجال والنساء بدخول القدس للصلاة لمن هم في العقدالخامس من العمر، دون الحاجة لتقديم تصريح، أو على صعيد تسهيل حصول الشبان على تصاريح للعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948".
وفيما يعزو مصدر سياسي لـ"العربي الجديد" هذه التسهيلات إلى اتصالات سرية سياسية فلسطينية عالية المستوى بهدف استئناف المفاوضات، يرى خبراء اقتصاد أن هناك رياحا اقتصادية تضم تسهيلات بتدبير من "حزب الليكود" الإسرائيلي تهدف إلى إضعاف السلطة الفلسطينية أمام مواطنيها تطبيقاً لنظرية "الإسلام الاقتصادي"، أي من خلال شراء "رضاهم" من خلال فرص العمل والسماح بتحسين ظروفهم الحياتية والمعيشية.
ويرى مسؤول في السلطة الفلسطينية اشترط عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" أنه "لا يمكن النظر للتسهيلات النسبية على الحركة التي منحها الاحتلال للفلسطينيين، من دون التطرق إلى إفراج حكومة الاحتلال بشكل أحادي الجانب عن عائدات الضرائب الفلسطينية بعد أربعة شهور، بلا شروط أو ابتزاز للقيادة الفلسطينية، والأمر ذاته ينطبق أيضاً على إعادة انتشار الشرطة الفلسطينية في بعض القرى والمناطق المحاذية للقدس منذ أسبوعين، هذه لوحة واحدة لا يمكن تجزئتها".
ولعل في انتشار الشرطة الفلسطينية في بعض قرى القدس وضواحيها، رسالة قوية للمواطن الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية باقية وسيطرتها تتمدد، عكس ما يبدو عليه فعلها السياسي.
ويعزو هذا المسؤول "رزمة" التسهيلات الأخيرة، لوجود "اتصالات سياسية سرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أعلى المستويات، نجمت عنها كل هذه التسهيلات التي لم يعتدها الفلسطيني يوما، ولم تشهدها السلطة في أفضل علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، واستقبلتها من دون تعليق يذكر".
وتسربت معلومات أخيراً لـ"العربي الجديد" عن أن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" محمد اشتية يقود هذه الاتصالات السرية، بأوامر من الرئيس محمود عباس مباشرة، بهدف التوصل مع الإسرائيليين على تجميد كامل للاستيطان مقابل استئناف المفاوضات". لكن إشتية نفى هذه التسريبات، جملة وتفصيلاً. وقال لـ"العربي الجديد" إن "هذا الأمر عار عن الصحة، والقصد منه نشر الشائعات ليس أكثر". بدوره نفى وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ لـ"العربي الجديد" "وجود أي اتصالات سرية مع الاحتلال الإسرائيلي". وتابع: "تجميد الاستيطان مقابل العودة للمفاوضات، طرحته القيادة على الإدارة الأميركية، ولم تنجح الأخيرة بإقناع إسرائيل بذلك". وتابع: "هذا الأمر لا يتطلب اتصالات سرية، ولا يوجد أي اتصالات سرية إطلاقاً".
وبينما يؤكد الشيخ أن إعادة حكومة الاحتلال الإسرائيلي لعائدات الضرائب الفلسطينية تمت دون أي مقابل أو تنازل سياسي فلسطيني، لأن هذه الأموال حقوق فلسطينية لا يجوز المساومة عليها، وهو يشدد على أن "إعادة انتشار الشرطة الفلسطينية في بعض القرى المتاخمة للقدس مطلب فلسطيني قديم تمت الاستجابة له من حكومة الاحتلال أخيراً".
لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي، ترى أن "القصد من هذه التسهيلات هو إضعاف السلطة الفلسطينية". وقالت عشراوي لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال يحاول أن يضعف القيادة الفلسطينية عبر هذه التسهيلات، ويريد أن يؤكد أنه يستطيع أن يقوم بها مباشرة دون التواصل مع القيادة الفلسطينية". وعن انتشار قوات الشرطة الفلسطينية في بعض القرى والمناطق القريبة من القدس، تجيب عشراوي: كان هناك اتفاق فلسطيني ــ إسرائيلي على إعادة انتشار الشرطة في عدة مناطق، لكن إسرائيل لم تقم بالتنفيذ في حينه.
وفي السياق، يتفق عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنا عميرة مع ما سبق، مشيراً إلى أنه "لا يوجد للقيادة الفلسطينية أي علاقة بهذه التسهيلات، فهي قرارات إسرائيلية ذات طابع تجميلي شكلي من أجل تنفيس الموقف السياسي، وتهدئة الرأي العام وإقناعه بأن إسرائيل تقوم بخطوات إيجابية لا أكثر ولا أقل، لكن ليس لهذه الخطوات أي تأثير فعلي على الفلسطينيين".
وقال عميرة لـ"العربي الجديد" إن هذه المسألة، أي التسهيلات وإعادة انتشار الشرطة، كانت تعرض على السلطة باستمرار مقابل تنازلات مثل عدم الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن السلطة كانت وما زالت ترفض ذلك بشدة، على حد تعبيره.
من جهته، يرى المحلل السياسي هاني المصري في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "هناك تقاطعات مهمة بين الطرفين، أمام التسهيلات الإسرائيلية السابقة والخطوات أحادية الجانب، هناك تجميد فلسطيني لملف التنسيق الأمني، وتجميد غير معلن لتقديم القضايا أمام المحكمة الجنائية والأمر ذاته ينطبق على التباطؤ في تقديم مشروع قرار إنهاء الاحتلال أمام مجلس الأمن". وفي الموضوع نفسه، لا يستبعد المصري وجود قنوات واتصالات سرية بين القيادة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، حيث لا يزال التنسيق الأمني قائماً و"هناك مخاوف إسرائيلية حقيقية من انهيار السلطة، ومن تحول تكتيك الرئيس محمود عباس بالمقاطعة والتهديد بحل السلطة، إلى مطالب إستراتيجية للشارع الفلسطيني، لذلك قامت حكومة الاحتلال بالتنفيس عبر هذه التسهيلات".
أما الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم فيختصر المشهد كما يلي: سياسة "العصا للسلطة والجزرة للشعب". ويوضح عبد الكريم، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ السياسة التي تتجه إسرائيل لتبنيها في التعامل مع الملف الفلسطيني، هدفها تقويض الشرعية الاقتصادية للسلطة، في ظل ارتباط أغلبية الفلسطينيين خلال العقدين الأخيرين في معيشتهم ومصدر أرزقاهم بالسلطة أكثر من إسرائيل".
وتابع: "بدأت إسرائيل تستميل أفراد الشعب اقتصاديا، عبر ربط مصالح أكبر عدد منهم معها، تنفيذا لرؤية نتنياهو إلى السلام الاقتصادي، بحيث يشعر الناس بأن حياتهم مع وجود الاحتلال طبيعية، وتصبح إسرائيل هي المعيل لأوسع شريحة من الشعب الفلسطيني، وفي هذا تقويض لشرعية السلطة ومن شأنه أن يحدث شرخا بينها وبين الشعب، ما يعزز الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة على عدم التسليم بالحقوق السياسية الطبيعية للشعب الفلسطيني، وإتاحة مزيد من الوقت لحسم الصراع على الأرض".