تتخطى مسألة "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" تاريخا محددا، لارتباط بعض نشطائها، بأكثر المراحل عنفية في تاريخ الجزائر. بدأ كل شيء في مارس/آذار 1992، حين أقرّت المحكمة العسكرية في البليدة، في الضاحية الجنوبية، للعاصمة الجزائرية، قرار حلّ "الجبهة"، التي كانت قبل ذلك بستة أشهر، قد اكتسحت الانتخابات البلدية، وفازت في الدور الأول للانتخابات البرلمانية، وبصدد الفوز بالدور الثاني، الذي كان مقرراً في منتصف يناير/كانون الثاني 1992. علماً بأن عدداً من قيادات "الجبهة" كانوا في السجن، والآلاف منهم في المحتشدات (أماكن نائية لا يسهل الوصول إليها) في الصحراء.
وبعد أكثر من عقدين من الزمن، ما زالت "الجبهة" المحظورة، جزءاً من الواقع السياسي في الجزائر. ولم يتمكن لا الوقت ولا التطورات السياسية المتسارعة، ولا قانون "المصالحة الوطنية"، من الإجهاز على الحزب المحظور.
فمع كل مناسبة سياسية، تعود قضية "الجبهة" إلى الواجهة، وتطرح معها قضية عودة الحزب إلى النشاط السياسي في إطار جديد. ومع كل استحقاق انتخابي يظهر أن جزءاً من الكتلة الناخبة، لما يعرف في الجزائر بـ "الفيس (التسمية المختصرة للجبهة الإسلامية للإنقاذ) المنحلّ"، ما زالت في المشهد على الرغم من مضي فترة طويلة على حظر نشاط الحزب.
وإذا كانت الـ22 عاماً التي مرّت على حظر نشاط الحزب من الساحة السياسية، قد فشلت في تنفيذ طموح السلطة وإنهاء وجوده السياسي والشعبي، إلا أن السلطة والزمن، نجحا في تشطير الجبهة إلى أجزاء ومجموعات.
وتباينت مواقف أجنحة الجبهة السياسية، فالجناح العسكري الذي تمثله قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحلّ، أنجز بقيادة مدني مزراق، من دون العودة إلى القيادة السياسية للحزب المنحلّ، اتفاقاً سياسياً مع السلطة، انتهى بإقرار قانون "الوئام المدني" نهاية عام 1999، والذي أقرّ عفواً لعناصر التنظيم المسلّح، وعودتهم إلى أهلهم وعائلاتهم.
أغاظ سلوك "الجيش الإسلامي للإنقاذ" القيادة السياسية للجبهة، واعتبرت بأنه أضعف موقفها، ولم يحلّ إشكالية عودة الحزب إلى ممارسة نشاطه. ولم يتوقف التناقض في المواقف بين الطرفين عند هذا الحدّ، بقدر ما تعمّق في الاستحقاقات الرئاسية الثلاثة، في أعوام 2004 و2009 و2014، حين أعلنت قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" دعمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في وقتٍ عارضت "الجبهة" ترشيح بوتفليقة، لأسباب عدة، منها سجن القيادي عباسي مدني، المقيم حالياً في قطر، بعد سجنه لـ12عاماً، ومنها تعرّض القيادي الآخر علي بلحاج، للمضايقات والاعتقالات المتكررة في الجزائر.
كما أنه وفي كل مرة كانت قيادة الجناح العسكري تتخذ المبادرة باتجاه إعادة تشكيل إطار سياسي يجمع مناضلي "الجبهة"، كان آخرها، عقد لقاء في منطقة جيل، شرقي الجزائر، في أغسطس/آب الماضي، كانت القيادة السياسية تُفشل المسعى كونه "لا يأخذ برأيها ولا يعتبرها جزءاً من الإطار".
وفي ذروة الخلافات، حاولت مجموعة ثالثة، انبثقت منهما، وتُعدّ من قيادات الصف الثاني، التي أقامت لفترة في الخارج، بقيادة رابح كبير وأنور هدام وأحمد الزاوي وغيرهم، طرح مبادرة للمّ الشمل، في عام 2005، بعد إقرار قانون "المصالحة الوطنية"، لكنها فشلت.
وقد يكون من أكثر مسببات تفتت الجبهة، هو قانون "المصالحة الوطنية"، الذي نصّ في المادة 26 منه، على "منع كل من تورّط في المأساة الوطنية من العودة إلى النشاط السياسي". ويقصد القانون، كل إطارات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وعناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، وهو ما عبّر عنه وزير الداخلية الطيب بلعيز قبل نحو أسبوعين، عبر تأكيده بأن "ملف الجبهة المحظورة مغلق بقوة القانون والقضاء".
من جهته، أعلن القيادي السابق في "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، أحمد بن عائشة، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، على هامش ندوة سياسية تتعلق بالمساجين السياسيين، أن "ظروف الملاحقات والمضايقات والحل الأمني الذي تبنّته السلطة في عام 1992، بعد توقيف المسار الانتخابي ضد مناضلي الجبهة، هي التي دفعتهم إلى رفع السلاح للدفاع عن أنفسهم".
وأكد بن عائشة، أن "هناك اتفاقاً مع السلطة، تمّ خلال مفاوضات الهدنة مع الجيش الإسلامي للإنقاذ عام 1999، يؤكد على حق عناصر الجبهة في النشاط السياسي، بعد فترة من الزمن، بعد أن تستب الأوضاع وتستقرّ فيها الأمور".
وأضاف بن عائشة، الذي كان يقود كتيبة مسلّحة في منطقة الغرب الجزائري في التسعينيات، أنه "كان على قيادة الجيش الإسلامي الالتزام بمواقفها وتفاهماتها مع السلطة، التي يتعين عليها بدورها الوفاء بالتزاماتها". وأشار إلى أن "مسألة الحق في النشاط السياسي تمّت مناقشتها قبل ثمانية أشهر مع رئيس الحكومة عبد المالك سلال، عشية الانتخابات الرئاسية الماضية". أما القيادي السابق في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" مصطفى كبير، فاعتبر أنه "يتعين على السلطات الوفاء بالتزاماتها في اتفاق العام 1999، لوقف نزيف الدم في الجزائر".
وتابع "كان الاتفاق يتضمّن عودة المسلحين إلى بيوتهم وتسليم أسلحتهم والإفراج عن المساجين، وعودة المفصولين عن العمل من مناضلي الجبهة الإسلامية إلى وظائفهم، لكنه كان يتضمن أيضاً الحق في العودة إلى النشاط السياسي بعد فترة من الوقت".
ولفت إلى أنه "التقى، وشقيقه رابح، المسؤول السابق للهيئة التنفيذية للجبهة عام 2006 بعبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة السابق والممثل الشخصي لبوتفليقة، الذي طلب منح السلطة فترة من الوقت، إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، لمناقشة مسألة عودة الجبهة إلى النشاط السياسي في إطار جديد، وها قد مرّ تسعة أعوام ولم يحصل شيء".
وبعد أكثر من عقدين من الزمن، ما زالت "الجبهة" المحظورة، جزءاً من الواقع السياسي في الجزائر. ولم يتمكن لا الوقت ولا التطورات السياسية المتسارعة، ولا قانون "المصالحة الوطنية"، من الإجهاز على الحزب المحظور.
فمع كل مناسبة سياسية، تعود قضية "الجبهة" إلى الواجهة، وتطرح معها قضية عودة الحزب إلى النشاط السياسي في إطار جديد. ومع كل استحقاق انتخابي يظهر أن جزءاً من الكتلة الناخبة، لما يعرف في الجزائر بـ "الفيس (التسمية المختصرة للجبهة الإسلامية للإنقاذ) المنحلّ"، ما زالت في المشهد على الرغم من مضي فترة طويلة على حظر نشاط الحزب.
وإذا كانت الـ22 عاماً التي مرّت على حظر نشاط الحزب من الساحة السياسية، قد فشلت في تنفيذ طموح السلطة وإنهاء وجوده السياسي والشعبي، إلا أن السلطة والزمن، نجحا في تشطير الجبهة إلى أجزاء ومجموعات.
وتباينت مواقف أجنحة الجبهة السياسية، فالجناح العسكري الذي تمثله قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" المنحلّ، أنجز بقيادة مدني مزراق، من دون العودة إلى القيادة السياسية للحزب المنحلّ، اتفاقاً سياسياً مع السلطة، انتهى بإقرار قانون "الوئام المدني" نهاية عام 1999، والذي أقرّ عفواً لعناصر التنظيم المسلّح، وعودتهم إلى أهلهم وعائلاتهم.
أغاظ سلوك "الجيش الإسلامي للإنقاذ" القيادة السياسية للجبهة، واعتبرت بأنه أضعف موقفها، ولم يحلّ إشكالية عودة الحزب إلى ممارسة نشاطه. ولم يتوقف التناقض في المواقف بين الطرفين عند هذا الحدّ، بقدر ما تعمّق في الاستحقاقات الرئاسية الثلاثة، في أعوام 2004 و2009 و2014، حين أعلنت قيادة "الجيش الإسلامي للإنقاذ" دعمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في وقتٍ عارضت "الجبهة" ترشيح بوتفليقة، لأسباب عدة، منها سجن القيادي عباسي مدني، المقيم حالياً في قطر، بعد سجنه لـ12عاماً، ومنها تعرّض القيادي الآخر علي بلحاج، للمضايقات والاعتقالات المتكررة في الجزائر.
كما أنه وفي كل مرة كانت قيادة الجناح العسكري تتخذ المبادرة باتجاه إعادة تشكيل إطار سياسي يجمع مناضلي "الجبهة"، كان آخرها، عقد لقاء في منطقة جيل، شرقي الجزائر، في أغسطس/آب الماضي، كانت القيادة السياسية تُفشل المسعى كونه "لا يأخذ برأيها ولا يعتبرها جزءاً من الإطار".
وفي ذروة الخلافات، حاولت مجموعة ثالثة، انبثقت منهما، وتُعدّ من قيادات الصف الثاني، التي أقامت لفترة في الخارج، بقيادة رابح كبير وأنور هدام وأحمد الزاوي وغيرهم، طرح مبادرة للمّ الشمل، في عام 2005، بعد إقرار قانون "المصالحة الوطنية"، لكنها فشلت.
وقد يكون من أكثر مسببات تفتت الجبهة، هو قانون "المصالحة الوطنية"، الذي نصّ في المادة 26 منه، على "منع كل من تورّط في المأساة الوطنية من العودة إلى النشاط السياسي". ويقصد القانون، كل إطارات "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وعناصر "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، وهو ما عبّر عنه وزير الداخلية الطيب بلعيز قبل نحو أسبوعين، عبر تأكيده بأن "ملف الجبهة المحظورة مغلق بقوة القانون والقضاء".
وأكد بن عائشة، أن "هناك اتفاقاً مع السلطة، تمّ خلال مفاوضات الهدنة مع الجيش الإسلامي للإنقاذ عام 1999، يؤكد على حق عناصر الجبهة في النشاط السياسي، بعد فترة من الزمن، بعد أن تستب الأوضاع وتستقرّ فيها الأمور".
وأضاف بن عائشة، الذي كان يقود كتيبة مسلّحة في منطقة الغرب الجزائري في التسعينيات، أنه "كان على قيادة الجيش الإسلامي الالتزام بمواقفها وتفاهماتها مع السلطة، التي يتعين عليها بدورها الوفاء بالتزاماتها". وأشار إلى أن "مسألة الحق في النشاط السياسي تمّت مناقشتها قبل ثمانية أشهر مع رئيس الحكومة عبد المالك سلال، عشية الانتخابات الرئاسية الماضية". أما القيادي السابق في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" مصطفى كبير، فاعتبر أنه "يتعين على السلطات الوفاء بالتزاماتها في اتفاق العام 1999، لوقف نزيف الدم في الجزائر".
وتابع "كان الاتفاق يتضمّن عودة المسلحين إلى بيوتهم وتسليم أسلحتهم والإفراج عن المساجين، وعودة المفصولين عن العمل من مناضلي الجبهة الإسلامية إلى وظائفهم، لكنه كان يتضمن أيضاً الحق في العودة إلى النشاط السياسي بعد فترة من الوقت".
ولفت إلى أنه "التقى، وشقيقه رابح، المسؤول السابق للهيئة التنفيذية للجبهة عام 2006 بعبد العزيز بلخادم، رئيس الحكومة السابق والممثل الشخصي لبوتفليقة، الذي طلب منح السلطة فترة من الوقت، إلى حين استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في البلاد، لمناقشة مسألة عودة الجبهة إلى النشاط السياسي في إطار جديد، وها قد مرّ تسعة أعوام ولم يحصل شيء".