في وقتٍ تشهد الأيام القليلة المقبلة سلسلة اجتماعاتٍ للمعارضة السورية، بعضها "تقييمي"، لجولة جنيف السادسة، والتي اختتمت يوم الجمعة الماضي، والآخر "تقني" مع مسؤولين أممين، لبحث ملفاتٍ عدة، متعلقة بمسار الحل السياسي، فإن مختلف التطورات السياسية، والميدانية على الأرض، لا توحي بأن النظام يبدي أي استعدادٍ، وفق المعارضة السورية، للانخراط جدياً في مسار الحل السياسي، والذي ما زالت مساعي وضعه على سكة التنفيذ متعثرة.
وفي حين كان المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، قد أعلن منذ أيام أن جولة جنيف المقبلة للمفاوضات السورية ستُعقد الشهر المقبل، فإن فترة ما بين الجولتين، تشهد سلسلة اجتماعاتٍ ولقاءاتٍ تشاورية، لإعادة تقييم ما جرى بحثه خلال جولة جنيف السابقة؛ إذ ذكرت مصادر في الائتلاف الوطني السوري لـ "العربي الجديد" أمس الأحد، أن "الهيئة العليا للمفاوضات" ستجتمع في مقرها بالعاصمة السعودية الرياض في 29 من الشهر الحالي لـ"إجراء تقييم معمق للجولة الفائتة من مفاوضات جنيف"، مشيرة إلى أن "الاجتماع يناقش أيضاً الاستعدادات للجولة المقبلة في جنيف".
لكن قبل ذلك، من المقرر أن يشارك عدد من أعضاء "الهيئة العليا للمفاوضات"، والوفد المفاوض والاستشاري للمعارضة السورية، في ورشة عمل مع مسؤولين أممين، تعقد غداً وبعد غد، في مدينة لوزان السويسرية لـ "نقاش ملفات تقنية" تتعلق بآلية مفاوضات الحل السياسي، وفق مصادر في الائتلاف.
وكانت قد انتهت الجمعة الجولة السادسة من مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام من دون تحقيق نتائج، من شأنها الدفع بهذا المسار لتحقيق غايته، وهو ترسيخ حل سياسي للقضية السورية، يمكن الارتكاز عليه من أجل إنقاذ البلاد من تشرذم بات يتعامل معه السوريون على أنه واقع لا محالة.
وفيما يسود تشاؤم في الشارع السوري عموماً، من مسار جنيف، فإن مساعي النظام والروس لـ"تسخيف وتمييع"، أو التقليل من شأن هذا المسار، لصالح إعطاء أهمية أكبر لمسار أستانة، يبدو أنها ستبقى متواصلة في الفترة المقبلة، مع تعثر جولات جنيف الست الماضية، بالتوصل إلى مخرجاتٍ يُبنى عليها الحل السياسي، والذي تصر المعارضة على رفضها لأي دور لرئيس النظام بشار الأسد فيه، بينما يعمل الروس على جر المفاوضات بعيداً عن هذه العُقدة.
وبرز ذلك واضحاً خلال اجتماعٍ بين أعضاء وفد الهيئة العليا للتفاوض مع نائب وزير الخارجي الروسي غينادي غاتيلوف في جنيف، أثناء الجولة الماضية من المفاوضات، إذ طالب المسؤول الروسي المعارضة السورية بالكف عن مطالبها بالتركيز على قضية الانتقال السياسي ورحيل النظام، وأبلغها بأنه لا توجد أي قرارات دولية تقضي برحيل الأسد، بينما جاء ردّ وفد المعارضة بالتأكيد على موقفها الرافض لأي حل سياسي، لا يتضمن رحيل الأسد عن السلطة.
ويُقيّم عضوٌ في الوفد الاستشاري للمعارضة السورية، كان قد شارك في جولة جنيف الأخيرة ما حصل خلال أيام المحادثات الأربعة بأنه "مراوحة في المكان، وتعثر آخر في مسار جنيف، بعد فشل دي ميستورا في إنضاجٍ خرق سعى إليه، من خلال أليته التشاورية التي تعج بالغموض".
وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "وفد المعارضة تعاطى مع اقتراح دي ميستورا بحنكةٍ سياسية عالية، فلم يرفض ما يعتبره دي ميستورا أفكاراً، يمكن من خلالها خلق مقاربةٍ جديدة لتجنب تعثر جديد للمفاوضات، لكنه قدم جملة تساؤلات بالغة الأهمية، يمكن بعدها التعاطي مع مقترح الآلية التشاورية".
وعبّر عن اعتقاده بأن لدى "دي ميستورا تصوراً كافياً عن مساعي النظام وروسيا لعرقلة المحادثات، لكنه في نفس الوقت لا يملك إلا أن يتعاطى مع هذه الوقائع بدبلوماسية عالية، وأن يراعي مختلف التشابكات والتعقيدات التي تتداخل في مسار المفاوضات".
من جهته رأى الدبلوماسي السوري السابق، بسام العمادي، أن "جولة جنيف المنتهية مرت كسابقاتها من دون التقدم في أي نقطة تفاوضية، بل على العكس ازداد الأمر تراجعاً"، معتبراً أن "الاقتراح الذي قدمه دي ميستورا يصبّ ليس فقط في خانة إضاعة الوقت بل في صالح عصابة الأسد، وهذا أيضاً ما كان قد فعله في الجولة الماضية، إذ خالف قرار مجلس الأمن 2245 وأدخل مسار التفاوض في سلال ومتاهات هلامية ولا نهائية". وتابع أن "دي ميستورا صعّد في جولة جنيف الأخيرة من تلاعبه، إذ بعد أن تم رفض اقتراحه حول الآلية الاستشارية وأعلن سحبها، فوجئ الجميع بأنه استمر بالعمل في إنشاء تلك الآلية غير عابئ بكل الاعتراضات والأسئلة التي وجهها له وفد المعارضة. واستدعى من سماهم خبراء قانونيين من طرف عصابة الأسد ومن طرف ممثلي الثورة، إضافة إلى ممثلي بعض المنظمات المدنية الذين دجنتهم دولارات الدول الداعمة وغيرهم ممن لم يعرفوا حتى الآن"، مطالباً "الهيئة العليا للمفاوضات" بإعادة النظر في طريقة تعاطيها مع مسار المفاوضات، وإعادة تشكيل نظامها المؤسساتي.
وبينما رفض النظام اقتراح دي ميستورا الأخير، كانت المعارضة السورية قد قدمت جملة تساؤلات لدي ميستورا حول الآلية التشاورية التي اقترحها، وتساءلت عن "معنى كلمة فراغ دستوري أو قانوني أو مؤسساتي، لأن تحديد هذه المعاني ضروري لتحديد مدى جدوى الآلية التشاورية. وعن مدى إلزامیة هذه المقترحات والحلول، وما هو مصدر هذه الإلزامية في حال وجودها، وما هو الإطار المرجعي الناظم للحلول والمقترحات التي ستقدمها الآلية التشاورية؟". وعن "كيفية ضمان عدم توسيع أو تقليص أو تغيير العضوية في الآلية التشاورية، في ظل الصلاحيات الرئاسية التي أعطاها مكتب المبعوث الخاص لنفسه على هذه الآلية. وماذا تعني كلمة ترؤس مكتب المبعوث الخاص للآلية التشاورية؟ وهل يعني ذلك ممارسة سلطة رئاسية أو وصاية على عمل هذه الآلية؟".
وأضافت المعارضة في ردها: "هل سيكون لهذه الآلية نظام عمل، ومن سيضع هذا النظام، ومن سيدعو لاجتماعات هذه الآلية، ويحدّد المواضيع التي ستبحثها وعلى أي أساس قانوني؟ وما الدول التي سيستعين بها دي ميستورا وفريقه لإنجاز عملهم وفق هذه الآلية، وبالتالي ما هو دور السوريين في كل العملية السياسية؟".