من الأحداث الثقافية اللافتة في باريس هذه الأيام التي تنشغل فيها البلاد بكرة القدم، حيث تحتضن فرنسا كأس أوروبا للأمم، هو المعرض التظاهرة "حدائق الشرق" في "معهد العالم العربي" في باريس، الذي يستمر حتى 25 أيلول/ سبتمبر المقبل؛ معرض يجسّم أنواع الحدائق، حتى أن زائره يستطيع أن يمرّ في ظرف دقائق من عوالم الإمبراطورية الفارسية إلى مناخات الأندلس.
تبدأ قصة المعرض من لحظة اكتشاف الزراعة، وهي أيضاً اختراع شرقي، كان ذلك قبل عشرة آلاف عام، غير أن الزراعة ستظلّ موجهة لتأمين الغذاء طوال ألفيات عدة، لتبدأ مع الحضارات التي نمت في بلاد الرافدين أولى استعمالاتها لأغراض جمالية.
بابل وإن كانت هي نقطة انطلاق فهي أيضاً أهم ما يقدّمه المعرض، بحسب التوزيع المكاني، خصوصاً وأن صيت حدائقها المعلّقة غلب على صيت كل حدائق العصور القديمة، ومثّلت حدائقها عموماً نموذج للمهندسين طوال قرون عديدة.
وإضافة إلى تجسيدات الحدائق، خُصّص جزء من قاعات العرض في "معهد العالم العربي" لرسومات الحدائق وتخطيطاتها، وهنا تبرز بالخصوص التقنيات والعلوم العربية والتي هضمت مجمل فن الحدائق في الشرق، وركزته لقرنين (السابع والثامن) خصوصاً في الشام والعراق، قبل أن يمتدّ إلى سائر البلاد التي سيفتحها المسلمون. هنا، تظهر نقاط مضيئة جديدة، في أطراف الإمبراطورية العربية، في الهند وفارس من جهة، وفي الأندلس من الجهة المقابلة.
مع اقترابنا من العصور الحديثة، يفتر ألق الحدائق في الشرق، فكأن المعرض يقول بأن جمالياتها وعبقريات مصمميها توجّهت غرباً. إنجاز المعرض يشير إلى ذلك، فمن من "بلاد الشرق" فكّر في إعادة تصميم ألف عام من الحدائق؟