01 نوفمبر 2024
"حق العودة" في دائرة الاستهداف الأميركي
أسبوع واحد فصل بين تعهّدٍ أطلقه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مفاده بأن الفلسطينيين "سيحصلون على شيء جيد للغاية" في أي مفاوضاتٍ مستقبلية مع إسرائيل، وتصريحات لسفيرته لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، انتقدت فيها "مبالغة" وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في تحديد أعداد اللاجئين الفلسطينيين، ومثيرة شكوكا بشأن "حق العودة" الذي يكفله القانون الدولي والقرارات الأممية. ولم تأت تصريحات هيلي خارج السياق، بل هي ضمنه، أميركيا، إذ ذكرت تقارير أميركية وإسرائيلية أن إدارة ترامب حسمت أمرها لناحية قطع الدعم المالي كليا عن "أونروا"، بعد أن كانت قد خفضته، بدرجة كبيرة، مطلع العام الجاري، وأن القرار سيعلن خلال أيام. كما أوضحت تقارير أخرى أن إدارة ترامب تضغط على الوكالة الأممية لإعادة تعريف مفهوم اللجوء الفلسطيني. يترافق ذلك مع قرار اتخذته الإدارة نفسها بحجب مساعدات إنسانية بقيمة مائتي مليون دولار، كان من المفترض صرفها هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقبل البدء في تفكيك هذه المعطيات، من المهم هنا أن يُشار إلى أن التطورات السابقة تضع القيادة الرسمية الفلسطينية، ومجمل الشعب الفلسطيني، وقواه وفصائله، أمام تحدياتٍ حقيقية تمس عصب القضية الفلسطينية وحقوق شعبها.
صرح ترامب، في 21 من شهر أغسطس/آب الجاري، بأن إسرائيل ستدفع "ثمنا أكبر" في
مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ذلك أنها "ربحت شيئا كبيرا للغاية"، متمثّلا في الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأميركية إليها. وفسّر ترامب الترابط هنا بين قضية القدس ودفع إسرائيل "ثمنا أكبر" بقوله: "كان شيئا جيدا قمت به، ذلك أننا أزلنا هذه العقبة من على طاولة المفاوضات. في كل مرة، كانت هناك محادثات سلام، فإنهم لم يتمكّنوا أبدا من تجاوز أن تكون القدس هي العاصمة. ولذلك قلت فلنزحها عن الطاولة... في المفاوضات، سيكون على إسرائيل دفع ثمن أكبر، لأنها ربحت شيئا كبيرا للغاية. سيحصل الفلسطينيون على شيء جيد للغاية، جاء دورهم".
ولم يكد يمضي أسبوع واحد على وعد ترامب للفلسطينيين بالحصول على ثمنٍ كبير من إسرائيل، حتى خرجت علينا هيلي بتصريحاتها، يوم الثلاثاء الماضي، والتي ترمي عمليا إلى "إزالة عقبةٍ" أخرى عن طاولة المفاوضات، إذا ما تم الأخذ بمنطق ترامب هنا، وهي حق العودة للملايين من اللاجئين الفلسطينيين! بالنسبة لهيلي، ومسؤولين آخرين في إدارة ترامب، وفي مقدمتهم صهره، المكلف بملف الشرق الأوسط، جاريد كوشنير، فإن تعريف اللاجئ الفلسطيني عقبة حقيقية أمام تحقيق "سلام" بين الفلسطينيين وإسرائيل. التقط كوشنير، وهو يهودي أرثوذكسي صهيوني متعصب، الفكرة من حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الذي حضّ إدارة ترامب شهورا طويلة على رفض التعريف القانوني الدولي للاجئ الفلسطيني، والذي لا يحصرهم في اللاجئين المباشرين، بل إنه يشمل أبناءهم وأحفادهم، بمعنى أنه حقّ متوارث جيلا بعد جيل. إحدى العقبات أمام الحكومة الإسرائيلية، وصقور إدارة ترامب، هي "أونروا" التي تقدّم خدماتٍ لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان.
تأسست "أونروا" عام 1949 لإغاثة أكثر من 700 ألف لاجئ فلسطيني، شرّدهم قيام دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، توفر خدمات صحية وتعليمية وإغاثية للاجئين والنازحين الفلسطينيين. وهذا لا يعجب إسرائيل التي ترى في ذلك إبقاء لمفهوم "اللجوء" فلسطينيا ودوليا، وهي دائما ضغطت لإلغاء "أونروا" ووضع اللاجئين الفلسطينيين تحت رعاية "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كغيرهم من لاجئي العالم ونازحيه. ولكن أياً من الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تستجب لمطالب إسرائيل، حتى جاءت إدارة ترامب، التي يتبنّى بعض أعضائها وجهة نظر إسرائيل. مثلا، يرى كوشنر وهيلي، أن "أونروا" أحدثت حالة من "الاتكالية" بين الفلسطينيين، وبأن إصرار الفلسطينيين على حق العودة يلغي إمكانية إعلان إسرائيل "دولة يهودية" ويديم الصراع، وبالتالي يعطل إمكانية تحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبحسب تأكيدات مصادر أميركية وإسرائيلية، اقتنع ترامب أخيرا بقطع التمويل نهائيا عن "أونروا"، وبأن القرار سيعلن رسميا في الأيام القليلة المقبلة، وذلك على الرغم من معارضة وزارة الدفاع والمؤسسات الاستخباراتية الأميركية التي تحذّر من انزلاق المنطقة نحو العنف. المفارقة هنا، أن وزارة الخارجية التي كانت تعارض هذه الخطوة تحت قيادة وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون، لا تُبدي ممانعةً تحت قيادة مايك بومبيو. وتبلغ ميزانية "أونروا" السنوية 1.2 مليار دولار، كانت الولايات المتحدة تدفع منها نسبة الربع تقريبا، بقيمة 350 مليون دولار سنويا. لكن إدارة ترامب سلخت منها 125 مليون دولار بدءا منذ مطلع العام الجاري، وهو ما أدخل الوكالة الدولية في أزمة مالية عميقة.
تفيد المعلومات التي كشف عنها أخيرا بأن إدارة ترامب تريد من "أونروا" تحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين في نصف مليون شخص فقط، بمعنى حوالي عُشْرِ المسجلين لديها، ما يعني عمليا سحب صفة اللجوء عن الأبناء والأحفاد، وحصرها في جيل النكبة لا فروعهم. في المقابل، تمارس إدارة ترامب ضغوطا على دول عربية مضيفة للاجئين الفلسطينيين، مثل الأردن، للقبول بتوطينهم على أراضيه، ومنحهم حقوق المواطنة كاملة، في مقابل تحويل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للوكالة إلى الحكومة الأردنية مباشرة، وهو العرض الذي رفضه الأردن.
إذاً، "الشيء الجيد للغاية" الذي سيحصل عليه الفلسطينيون، بحسب زعم ترامب، هو إزالة ملف جوهري آخر من ملفات القضية الفلسطينية من على طاولة المفاوضات. ما تريده إدارة ترامب هو تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها واختزالها في مفاوضاتٍ على حدود وهمية، لا يملك الفلسطينيون سيادة عليها، ولا على فتات الأرض التي تقع ضمنها. هذا يحيل إلى الدور
الملقى على عاتق القيادة الفلسطينية الرسمية، خصوصا وأن كيلي لم تتردّد في القول إن إدارتها تريد ضغطا إقليميا على السلطة الفلسطينية، للعودة إلى طاولة المفاوضات، طبعا ضمن المقاسات والاشتراطات الأميركية. سبق للرئيس الفلسطيني، محمود عباس أن نعت "صفقة القرن" التي تعد بها إدارة ترامب بأنها "صفعة القرن". وها هي هذه الإدارة توجّه صفعات متتالية له ولسلطته، في تأكيد صارخ لكارثية المسار العبثي للمفاوضات، منذ مطلع التسعينيات، مع إسرائيل، برعاية أميركية. معلوم أن القيادة الفلسطينية الرسمية لا تملك الجرأة على الاعتذار لشعبها والاستقالة بسبب فشلها، ولكن ليس أقل الآن من إتمام المصالحة بين سلطتي الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين حركتي فتح وحماس. نُقل عن عباس، قبل أيام، قوله إن أي تهدئة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة لن تمر إلا على جثته! نتمنّى الآن أن نسمع من عباس تصريحاً يقول فيه: إن المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية ستقع، حتى ولو كان ثمنها أن يكون جثة هامدة. الصبيانية والعبث أوردانا المهالك.
القضية الفلسطينية أمام مرحلة مفصلية، ولم يعد مقبولا أن تبقى أزمة الشرعية الفلسطينية قائمة، والانقسام لازمة، بل لا بد من إرجاع الأمر إلى صاحبه، وهو الشعب الفلسطيني. إذا لم ينجح الفلسطينيون في بناء موقف واحد متماسك، فإن ترامب سينجح في "إزالة عقبة" اللاجئين من على طاولة المفاوضات، كما نجح وأزال القدس عنها، بتواطؤ بعض العرب. لا القيادة الرئاسية الفلسطينية شرعية، ولا منظمة التحرير الفلسطينية شرعية ضمن نسقها الحالي. يكفي هذا العبث. فلسطين تضيع من بين أيدينا، ولا يزال بعضهم يقاتل من أجل تحصين موقعه وكرسيه، تحت حراب الاحتلال. ألا تكفينا مهزلة أن إدارة ترامب التي قرّرت حجب 200 مليون دولار على شكل مساعدات خيرية وطبية وتعليمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أجازت، في الوقت نفسه، عشرات ملايين الدولارات لدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لإكمال مهمتها في العمالة لإسرائيل! هل وصلت الرسالة، أم أنها تحتاج إيضاحا أكبر!؟
صرح ترامب، في 21 من شهر أغسطس/آب الجاري، بأن إسرائيل ستدفع "ثمنا أكبر" في
ولم يكد يمضي أسبوع واحد على وعد ترامب للفلسطينيين بالحصول على ثمنٍ كبير من إسرائيل، حتى خرجت علينا هيلي بتصريحاتها، يوم الثلاثاء الماضي، والتي ترمي عمليا إلى "إزالة عقبةٍ" أخرى عن طاولة المفاوضات، إذا ما تم الأخذ بمنطق ترامب هنا، وهي حق العودة للملايين من اللاجئين الفلسطينيين! بالنسبة لهيلي، ومسؤولين آخرين في إدارة ترامب، وفي مقدمتهم صهره، المكلف بملف الشرق الأوسط، جاريد كوشنير، فإن تعريف اللاجئ الفلسطيني عقبة حقيقية أمام تحقيق "سلام" بين الفلسطينيين وإسرائيل. التقط كوشنير، وهو يهودي أرثوذكسي صهيوني متعصب، الفكرة من حليفه، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الذي حضّ إدارة ترامب شهورا طويلة على رفض التعريف القانوني الدولي للاجئ الفلسطيني، والذي لا يحصرهم في اللاجئين المباشرين، بل إنه يشمل أبناءهم وأحفادهم، بمعنى أنه حقّ متوارث جيلا بعد جيل. إحدى العقبات أمام الحكومة الإسرائيلية، وصقور إدارة ترامب، هي "أونروا" التي تقدّم خدماتٍ لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين لديها يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان.
تأسست "أونروا" عام 1949 لإغاثة أكثر من 700 ألف لاجئ فلسطيني، شرّدهم قيام دولة إسرائيل. ومنذ ذلك الحين، توفر خدمات صحية وتعليمية وإغاثية للاجئين والنازحين الفلسطينيين. وهذا لا يعجب إسرائيل التي ترى في ذلك إبقاء لمفهوم "اللجوء" فلسطينيا ودوليا، وهي دائما ضغطت لإلغاء "أونروا" ووضع اللاجئين الفلسطينيين تحت رعاية "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كغيرهم من لاجئي العالم ونازحيه. ولكن أياً من الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تستجب لمطالب إسرائيل، حتى جاءت إدارة ترامب، التي يتبنّى بعض أعضائها وجهة نظر إسرائيل. مثلا، يرى كوشنر وهيلي، أن "أونروا" أحدثت حالة من "الاتكالية" بين الفلسطينيين، وبأن إصرار الفلسطينيين على حق العودة يلغي إمكانية إعلان إسرائيل "دولة يهودية" ويديم الصراع، وبالتالي يعطل إمكانية تحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبحسب تأكيدات مصادر أميركية وإسرائيلية، اقتنع ترامب أخيرا بقطع التمويل نهائيا عن "أونروا"، وبأن القرار سيعلن رسميا في الأيام القليلة المقبلة، وذلك على الرغم من معارضة وزارة الدفاع والمؤسسات الاستخباراتية الأميركية التي تحذّر من انزلاق المنطقة نحو العنف. المفارقة هنا، أن وزارة الخارجية التي كانت تعارض هذه الخطوة تحت قيادة وزير الخارجية المقال، ريكس تيلرسون، لا تُبدي ممانعةً تحت قيادة مايك بومبيو. وتبلغ ميزانية "أونروا" السنوية 1.2 مليار دولار، كانت الولايات المتحدة تدفع منها نسبة الربع تقريبا، بقيمة 350 مليون دولار سنويا. لكن إدارة ترامب سلخت منها 125 مليون دولار بدءا منذ مطلع العام الجاري، وهو ما أدخل الوكالة الدولية في أزمة مالية عميقة.
تفيد المعلومات التي كشف عنها أخيرا بأن إدارة ترامب تريد من "أونروا" تحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين في نصف مليون شخص فقط، بمعنى حوالي عُشْرِ المسجلين لديها، ما يعني عمليا سحب صفة اللجوء عن الأبناء والأحفاد، وحصرها في جيل النكبة لا فروعهم. في المقابل، تمارس إدارة ترامب ضغوطا على دول عربية مضيفة للاجئين الفلسطينيين، مثل الأردن، للقبول بتوطينهم على أراضيه، ومنحهم حقوق المواطنة كاملة، في مقابل تحويل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للوكالة إلى الحكومة الأردنية مباشرة، وهو العرض الذي رفضه الأردن.
إذاً، "الشيء الجيد للغاية" الذي سيحصل عليه الفلسطينيون، بحسب زعم ترامب، هو إزالة ملف جوهري آخر من ملفات القضية الفلسطينية من على طاولة المفاوضات. ما تريده إدارة ترامب هو تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها واختزالها في مفاوضاتٍ على حدود وهمية، لا يملك الفلسطينيون سيادة عليها، ولا على فتات الأرض التي تقع ضمنها. هذا يحيل إلى الدور
القضية الفلسطينية أمام مرحلة مفصلية، ولم يعد مقبولا أن تبقى أزمة الشرعية الفلسطينية قائمة، والانقسام لازمة، بل لا بد من إرجاع الأمر إلى صاحبه، وهو الشعب الفلسطيني. إذا لم ينجح الفلسطينيون في بناء موقف واحد متماسك، فإن ترامب سينجح في "إزالة عقبة" اللاجئين من على طاولة المفاوضات، كما نجح وأزال القدس عنها، بتواطؤ بعض العرب. لا القيادة الرئاسية الفلسطينية شرعية، ولا منظمة التحرير الفلسطينية شرعية ضمن نسقها الحالي. يكفي هذا العبث. فلسطين تضيع من بين أيدينا، ولا يزال بعضهم يقاتل من أجل تحصين موقعه وكرسيه، تحت حراب الاحتلال. ألا تكفينا مهزلة أن إدارة ترامب التي قرّرت حجب 200 مليون دولار على شكل مساعدات خيرية وطبية وتعليمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أجازت، في الوقت نفسه، عشرات ملايين الدولارات لدعم الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لإكمال مهمتها في العمالة لإسرائيل! هل وصلت الرسالة، أم أنها تحتاج إيضاحا أكبر!؟