اقرأ أيضاً: لائحة أميركية بأهداف لـ"داعش" خارج العراق وسورية
وبلغت الغارات، بحسب بيانات وتقارير أميركية، أكثر من ستة آلاف ضربة جوية من أصل قرابة 11 ألف طلعة جوية، تتراوح بين عمليات نقل ودعم لوجستي وضربات مباشرة بواسطة القنابل الموجهة والصواريخ الذكية. وكانت حصة العراق أكثر من 60 في المائة من هذه الضربات، بينما استأثرت سورية بالنسبة المتبقية.
حجم خسائر التنظيم المتواضعة دفعت سياسيين عراقيين إلى التشكيك في أكثر من مناسبة بصحة أرقام غارات التحالف، التي بدأت في الثامن من أغسطس/آب العام الماضي، ولا تزال متواصلة حتى اليوم بمعدل 10 ضربات يومية. ويرجح أن تتصاعد تلك الغارات إلى الضعف بعد فتح أنقرة قواعدها الجوية في ديار بكر وأنجرليك أمام التحالف الدولي.
وطابقت "العربي الجديد" تقارير استخبارية عراقية مع إفادات لسكان محليين في مناطق الصراع، وتبين أن تنظيم "داعش" نجح في خداع التحالف الدولي عشرات المرات على مدى العام الجاري، من خلال دفعه لقصف مواقع ومعسكرات وهمية لا يوجد فيها أي من قواته، وتكرر ذلك أخيراً عند القصف المكثف لقوات التحالف على محور الموصل ـ دير الزور فجر أمس الأحد، إضافة إلى مناطق أعالي الفرات غرب العراق. ولعلّ هذه المعطيات تفسر جزءا من سر عدم تأثر التنظيم بغارات التحالف. وفي حال صح ذلك، فإنه يعكس فشلا استخباريا للولايات المتحدة التي أنفقت حتى الآن نحو 10 ملايين دولار لتجنيد مصادر داخل مناطق سيطرة تنظيم "داعش" والبالغة نحو 300 ألف كيلومتر مربع.
وبحسب مسؤول عسكري رفيع في وزارة الدفاع العراقية، فإن الأميركيين يحققون حالياً بتنفيذ العشرات من الغارات المفترضة على مواقع لتنظيم "داعش"، تبين أنها مجرد مبان فارغة أو تحتوي على مدنيين. وأحال النتيجة إلى ما وصفه بـ"خبث (داعش) الجديد" خلال الفترة الماضية.
وأضاف المسؤول العراقي، الذي فضل عدم نشر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المعلومات المتوفرة لدينا حتى الآن تشير إلى لجوء (داعش) إلى اصطناع مقرات ومعسكرات تدريب وهمية له، ورفع علمه أو تسريب معلومات عنها لجواسيس داخل مناطقهم يعلمون بأمرهم مسبقاً، وتقوم قوات التحالف بتدميرها. إلا أن الحقيقة أن مواقع التنظيم الرئيسية أو غرف عملياته العسكرية وتواجد قادته في مكان آخر".
وأكّد الضابط العراقي نفسه أن "(داعش) اختفى من المناطق السكنية في كل من سورية والعراق، وهذا يجعل التحصيل الاستخباري للمعلومات أصعب بكثير. ولدينا مشكلة حقيقة في الموضوع، وكذلك لدى الأميركيين الذين يعتمدون حالياً على طائرات التصوير والرصد في تحديد مواقع التنظيم بشكل أكبر من ذي قبل".
وأضاف "أبلغنا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن عمليات القصف داخل الأحياء السكنية في مناطق سيطرة (داعش) يذهب ضحيتها المدنيون فقط، إذ سرعان ما تنتشر صور الضحايا على مواقع التواصل عبر ناشطين محليين، ونحن نراقبها ونطلع على ما يعلق عليه الجمهور هناك من عبارات غضب وشتم لا تصب إلا في صالح المتطرفين". وأكّد أن "أسلوب المناورة هذا من (داعش) نجح نوعاً ما في تشتيت جهود التحالف الدولي وضياع طلعات جوية كاملة لمقاتلات دولية على أهداف وهمية، وخسارة المال والوقت".
وفي السادس والعشرين من يوليو/تموز الماضي، قصفت مقاتلات تابعة للتحالف الدولي مبنى مخازن جمع محاصيل القمح والشعير في تل الرمان 20 كيلومتراً غرب الموصل، بعد يومين من رفع تنظيم "داعش" علمه عليه متعمداً رصده، وتبين بعد القصف أن المبنى المؤلف من طابقين ومجموعة مبان صغيرة ملحقه به لم يكن سوى جدران فارغة من أي نشاط إرهابي للتنظيم. لكن تدميره في الوقت نفسه منح التنظيم فرصة لمعرفة شبكة تجسس داخل المدينة تمكن من التوصل إليها.
وبحسب مصادر محلية في مدينة الموصل، كشفت هذه الواقعة لصحافي محلي يعمل داخل مدينة الموصل، ونقلها بدورها لـ"العربي الجديد"، فإن "مقرّات التنظيم ومواقعه القيادية المهمة مخفية حتى عن جنود التنظيم المقاتلين، وهناك جهاز استخبارات خاص باختيار المواقع واستبدالها بين الحين والآخر".
وبين الصحافي نفسه أن التنظيم أخطأ باستغلال منازل ومزارع المسؤولين الحكوميين وضباط وقادة الجيش في تلك المناطق بعد تحويلها إلى وقف خاص به، بحيث تم استهدافها من قبل الطيران العراقي أو الدولي، لذا سارع إلى مغادرتها منذ فترة.
ولفت إلى أن "داعش" يستخدم "القتل البشع مع من يظفر به من المتعاونين مع التحالف أو الجانب العراقي، بحيث يقوم بجمع أكبر عدد من المواطنين ويجبرهم على مشاهدة من يصفه (الخائن) ومصيره الذي يلقاه".
غير أن ذلك لم يمنع من تكبيد "داعش" خسائر كبيرة في الصفين الأول والثاني من قياداته العسكرية الميدانية، أو حتى المنظرين الشرعيين داخل التنظيم. وفي هذا الإطار، أكد الخبير بشؤون الجماعات المتطرفة بالعراق فؤاد علي "مقتل 71 قيادياً بارزاً بالتنظيم ضمن ما يعرفون بالصفين الأول والثاني من قادة عسكريين ومنظّرين وولاة للتنظيم في مدن عراقية مختلفة منذ بدء الحرب العالمية على (داعش)"، على حدّ وصفه.
وأضاف علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لجوء التنظيم إلى التنكر والخداع يثبت وجود تأثير وضرر للغارات الدولية على مواقعه وفقدانه قيادات وآلاف العناصر في الفترة السابقة. وأسلوبه الحالي استخدمته "طالبان" في أفغانستان، ولا أزال أعتقد أنه يسهم في تشتيت 40 في المائة فقط من جهود التحالف في المناطق الكبرى، التي يسيطر عليها، بحيث تكون ذات خيارات متعددة له وتقل بالمناطق الأخرى".
وبيّن الخبير أنّ التفاوت بين العدد المعلن للضربات الجوية الدولية على "داعش" وبين خسائره الحقيقية، لا يعود لما يتبعه من أسلوب تخفّ أو تنقل وتمويه في مقراته، بل لأن قيادة التنظيم ومنذ أشهر عدة أصدرت أمراً بمنع تجمع أكثر من خمسة عناصر للتنظيم في موقع واحد خلال فترات الاستراحة. وفي حالات القتال، فإنهم يقاتلون على وفق نسق عسكري يشبه قتال الجيوش المتطورة مثل قتال على شكل رأس السهم المعقد والمشتت لنيران الخصم.
وتابع أنّ "هذا يعني أن الطائرة الأميركية التي تدخل العراق آتية من حاملة الطائرات في البحر أو في تركيا ستقتل خمسة أو عشر مسلحين فقط من التنظيم في حال أصابت جميع أهدافها بدقة، والطلعة الواحدة مع القنابل أو الصواريخ تكلف التحالف نحو نصف مليون دولار، لذا يمكن القول إن موضوع الخلل أو التفاوت بين الضربات ونتائجها تقف خلفه عدّة عوامل".
اقرأ أيضاً: نائب الرئيس العراقي: "داعش" أعدم 2000 مواطن بالموصل