أعلن "مجلس المحاسبة الفرنسي" في تقرير صدر مؤخراً أن أربعين ألف صندوق يعود إلى أرشيف الجزائر المدني، لم يتم فتحه حتى اليوم، معترفاً بوجود حالة من الفوضى وغياب العدالة في التعامل مع فرز ومعالجة هذا الأرشيف.
الصناديق منذ أن جلبت إلى فرنسا عام 1962، وفقاً للمجلس لم تمس، ولم يكترث أحد لما تحتويه، وهي تعود إلى سجلات "الحالة المدنية" التي استحدثها الاستعمار الفرنسي في الجزائر منتصف القرن التاسع عشر، وأدت إلى تشويه ومحو جزء كبير من تاريخ الأنساب الجزائرية.
ومع صدور هذا التقرير عاد الحديث هذه الأيام، بين أوساط الباحثين الجزائريين، إلى سجلات الأحوال المدنية والأنساب الجزائرية التي استولى عليها الاستعمار الفرنسي، مطالبين باسترجاعها.
تقرير المجلس فتح أبواب التساؤلات حول تقاعس المؤسسات الرسمية عن المطالبة بهذه السجلات، معتبراً أن الأمر يشكل خطورة كبيرة، حيث أن أرشيف الأنساب والثورة وما تعلق بتاريخ الجزائر بين 1830 و1962 "سيفكّ كثيراً من الألغاز ويسقط كثيراً من الأوهام والأشخاص أيضاً"، كما كتب الباحث الجزائري فيصل عثمان على صفحته في فيسبوك أمس.
ومن المعروف في تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر، قيام السلطات الفرنسية بتأسيس دائرة أحوال مدنية كان الهدف منها ليس توثيق السجلات المدنية الجزائرية، بل محو الذاكرة وتشويه الأنساب والتوجّه نحو استخدام ألقاب محرّفة، حيث كانت ذروة هذه العملية العنيفة بين عامي 1838 و1848، والتي تضمّنت تدمير الطريقة التي كان الجزائريون يعتمدونها في التسميات من حيث الأسماء والألقاب، والتي كانت تعتمد على جانب ديني منها وآخر قبلي.
لا يخفى أن هذه العملية جاءت في ظل عمليات استيلاء المستوطنين الفرنسيين على أراضي الجزائريين، وإصدار قانون "كريميو" عام 1870 والذي اعتبر الجزائريين المسلمين رعايا، كما جرى تجريد ثلاثة ملايين جزائري من هويتهم، وتشويه أسماء عائلاتهم بقلب حروفها أو حتى إطلاق أسماء ساخرة عليهم من قبل أي موظف في دائرة "الأحوال المدنية" التي أسسها الاستعمار.
ليس هذا فقط، إذ يوضّح الباحث المتخصّص في تاريخ الجزائر عمر بلقسام في تعليق على القضية، "أن معظم الجزائريين في عهد الاستعمار كانوا أميين ولم يهتموا بالحفاظ على ألقابهم وأسماء أجدادهم، كما أنه في تلك الفترة لم تكن هناك سجلات مدنية لتسجيل المواليد، والاستعمار الفرنسي شرع في جرد الجزائريين في سجلات الحالة المدنية، ابتداء من سنة 1891 لتسهيل المراقبة والحكم".
ويضيف "استحدث الإستعمار ألقابا عشوائية للكثير من العائلات الجزائرية، ولم تبق سوى عائلات قليلة التي حافظت على لقبها الأصلي، ونتيجة ذلك فإن أي شخص يريد البحث عن أصوله في أرشيف سجلات الحالة المدنية في بلديته الأصلية، سيكتشف بأن تلك السجلات أحدثت سنة 1890 ودوّنت على الأكثر خمسة أجيال أي أن أصول الشخص تتوقف عند سنة 1800".
المدوّن فيصل عثمان كتب أيضاً لافتاً إلى الأرشيف الجزائري الذي يقبع في تركيا؛ حيث يقول إن "كل اللغط الذي يُثار حول تاريخنا القديم والحديث يمكن أن يتمّ الفصل فيه بسهولة لو نستعيد أرشيفنا الموجود لدى تركيا وفرنسا، ففي اسطنبول وحدها مئات الآلاف من المؤلفات والوثائق التي تخصّ تاريخ الجزائر إبّان الحكم العثماني".
ودعا عثمان إلى النبش في هذين الأرشيفين، مشيراً إلى أنه "وفي غياب نخبة سياسية تثير هذه المواضيع نتمنّى أن ترتفع أصوات الباحثين والطلبة للضغط من أجل استعادتهما".