كلما اقترب رأس السنة الشمسية الموافق 21 مارس/ آذار من كل عام، اختلفت ملامح الأسواق والشوارع الإيرانية. فأنواع البضائع مختلفة في موسم العيد الأهم لدى الإيرانيين، عنها في الأيام العادية.
يحمل النوروز ألواناً كثيرة تغزو الأسواق والشوارع والبيوت. وكلّ قطعة زينة تحمل رمزاً ومعنى يرتبط بأساطير تعود إلى قرون بعيدة.
فالنوروز، أو اليوم الجديد، يمثل الاحتفال بيوم الانقلاب الربيعي، اليوم الذي يبدأ الليل فيه يقصر والنهار يطول. لكنّ الأساس الأسطوري للعيد يعود إلى الملك جمشيد المذكور في ملحمة الفردوسي "الشاهنامة". وهو من أبرز ملوك الدولة الأخمينية (559 قبل الميلاد). وتذكر الأسطورة أنّه بينما كان ذاهباً إلى الصيد، هاجمته التنانين، فضربها بالحجارة، ولاحظ حينها احتكاك الحجارة ببعضها وخروج شرارة، فكانت لحظة اكتشافه النار، التي باتت العنصر الحيوي الأهم في الثقافة والدين. فمع اعتناق البلاد الديانة الزردشتية، بات احترام النار ضرورياً، كرمز للطهارة. وهي النار التي ما زالت أحد عناصر الاحتفال بالنوروز حتى اليوم.
وفي العصر الحديث، يستعيد الإيرانيون أساطيرهم في الاحتفالات بالنوروز. ولا ينتظرون منتصف الليل إيذاناً ببدء السنة الشمسية الجديدة ، بل يختلف توقيت الانقلاب الربيعي (أو التحول) كلّ مرة. ويعتقد الإيرانيون أنّ الأرض تهتز في هذه اللحظة. فيضع البعض طبقاً مليئاً بالماء وفيه أوراق ليمون النارنج (أبو صفير) لتهتز مع اهتزاز الأرض وتنذرهم بحلول العام الجديد.
كلّ طقوس النوروز تبدأ قبل رأس السنة بأيام. وعلى الإيرانيين تنظيف بيوتهم من الداخل، أو تطهيرها على وجه الخصوص. وهو طقس موجود اليوم في إيران وأفغانستان وطاجيكستان وسواها من الدول التي تحتفل بالنوروز الفارسي. وليست العملية هذه مرتبطة باستقبال الضيوف، بقدر ما هو طقس مقدس.
ومن طقوس العيد، أيضاً، إشعال النار على أسطح المنازل. وهو الطقس الذي يعود إلى أيام انتشار الزردشتية في البلاد. والأربعاء الأخير من كلّ عام، يشهد هذا الحدث. ويعمد البعض إلى القفز على النار التي تمثل حكمة العام الجديد، والطهارة من ذنوب العام الفائت.
وقبل رأس السنة، يجب فرش "سفرة السينات السبع" التي تجتمع العائلة حولها لحظة دخول الربيع. وتوضع عليها سبع حاجيات تبدأ بحرف السين بالفارسية. وعن هذه السفرة، يقول الباحث التاريخي، أبو القاسم ساسان، لـ "العربي الجديد" إنّ لكل غرض يفرش على السفرة معنى خاصاً. فالتفاح (سيب بالفارسية) يرمز للجمال والسلامة. والثوم (سير) يرمز للصحة. والعملة الذهبية (سكة) ترمز للرزق. ووردة "سنبل" ترمز للزينة. بالإضافة إلى فاكهة السنجد، والسماق، وأكلة السمنو المحضرة من القمح. كما تدخل عناصر أخرى للسفرة، منها السمك الحي كرمز للحياة. وبعد دخول الإسلام إلى إيران بات القرآن جزءاً أساسيّاً من السفرة، يوضع قرب شمعة مضاءة ومرآة، ترمزان للنور. أما في أفغانستان فيحرص المحتفلون على وضع سفرة مكونة من سبعة أنواع من الفاكهة.
يضيف ساسان: "طقوس النوروز في حد ذاتها تروي قصة التاريخ الإيراني، فهي تبدأ قبل العيد، وتنتهي في اليوم الثالث عشر من السنة الجديدة، الذي يسمى "يوم الطبيعة" الذي يحتفل به الإيرانيون. ففي النوروز يجلب الإيرانيون سبزه لسفرتهم، هي قمح أو عدس يزرع في منازلهم وينبت في أيام لتصبح له سيقان خضراء طويلة. ليعمدوا في يوم الطبيعة إلى رميها خارج المنزل. وكانت ترمى في الماضي، في قنوات المياه، بحسب ساسان. فيركض صاحبها خلفها ويرى أين ستستقر. فبهذه الطريقة سيعرف المكان المسدود في القناة، ويعمد إلى فتحه كي تصل المياه إلى كلّ الأراضي.
من جانبها، تقول السيدة الستينية حسيني، بينما تتبضع لشراء حاجيات سفرة السينات السبع، إنها باتت جدة، أي أنّ عيد رأس السنة يحتفل فيه في منزلها. فالتقاليد تشير إلى أنّ منزل الجد أو الجدة الأكبر في العائلة هو مكان الاحتفال. تضيف أنّها تحرص على الحفاظ على تفاصيل النوروز عاماً تلو الآخر، فهو "جزء من الثقافة الإيرانية" على حد وصفها.
لا يذكر كبار السن تبدلاً كبيراً في طقوس النوروز. فمع تطور الحياة، يغلب على هذا العيد الطابع التقليدي. ويقول محمد جواد، إنّ أبناءه يحرصون على إحياء كل الطقوس بدءاً من "أربعاء النار" حتى "يوم الطبيعة". ويضيف: "ربما قد اختلفت نوعية الأطعمة المقدمة، لكنّ عشاء العيد المؤلف من الأرز والسمك ما زال حاضراً في كل بيت إيراني".