يحلّ النوروز مختلفاً هذا العام في العراق. فالأكراد تشغلهم حرب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المستمرة منذ الصيف الماضي وتسلبهم مئات الأبناء، ومساحات واسعة من أراضيهم. عيدهم القومي، يفقد بهجته المعتادة.
يستبدل الأكراد احتفالاتهم المدنية، بالوقوف خلف مقاتليهم من قوات "البشمركة". فقد أدت الحرب الدائرة منذ يونيو/ حزيران الماضي، إلى مقتل ما لا يقلّ عن 1050 كردياً، وإصابة أكثر من 5 آلاف. عدا عن خطف المئات وتهجير الآلاف. فيما يعيش السكان خوفاً مستمراً من إمكانية وصول مسلحي التنظيم المتطرف الى المزيد من المناطق، فالحرب لم تنته بعد رغم التقهقر الملحوظ لـ"داعش".
وفي هذا الإطار، يقول تاجر الأقمشة الكردي، كاكه عزيز، لـ "العربي الجديد": "نوروز بالنسبة لنا هو موسم بيع الأقمشة، لكن العام الحالي مختلف عن الأعوام الماضية. فحركة البيع انخفضت إلى أقل من النصف، وربما وصل التراجع في بعض مناطق كردستان العراق الى أقل من 90 في المائة عن العام الماضي". يضيف: "جديد هذا العام، هو القماش المرقط الشبيه بذلك المستعمل في الأزياء العسكرية. فبسبب حرب داعش صار هذا القماش موضة، خصوصاً للأطفال والمراهقين، وهناك إقبال على شرائه. كما أنّ شركة سويدية صممت أزياء نسائية مرقطة مستوحاة من مقاتلي البشمركة".
رسمياً، أعلنت إدارة محافظة أربيل (350 كم شمال بغداد) عاصمة إقليم كردستان العراق، عن عدم تخصيص أموال لتمويل أنشطة، سواء احتفالية أو خدمية، خصوصاً في الفترة التي يحتفل فيها السكان بعيد نوروز. ومن المعروف أنّ المحافظة كانت تخصص في السنوات الماضية مثل هذه المبالغ لتزيين الشوارع والأماكن العامة في موسم النوروز. وتنظم احتفالات كبيرة تستقدم فرقاً موسيقية ومغنين، كما تقيم مهرجانات وفعاليات مختلفة.
يقول المتحدث باسم هيئة السياحة في حكومة إقليم كردستان، نادر روستايي لـ"العربي الجديد": "سننفذ في الهيئة بعض الأنشطة التوعوية الموجهة للسكان، حول التصرف الأمثل في المرافق العامة وبعض الخدمات لمن يريد الاحتفال بالنوروز. وعدا عن ذلك، لن نقيم فعاليات ونشاطات للاحتفال بالمناسبة". ويوضح أنّ سبب عدم الاحتفال وتنظيم فعاليات هو عدم وجود الأموال لدى حكومة الإقليم.
من الفعاليات التي ستغيب، هذا العام، عن نوروز كردستان العراق، الاحتفالات الصاخبة في أربيل ودهوك. وكذلك المنطقة المخصصة للاحتفال وسط مدينة السليمانية بطول كيلومترين. مع ذلك، فالسليمانية تستبدل ذلك بإطلاق مهرجان للتسوق.
وعن ذلك، يقول روستايي: "كجهة رسمية لن نقيم احتفالات، لكنّنا نشجع القطاع الخاص وننسق معه لإقامة مثل هذه الأنشطة. ولدينا تنسيق مع جهات في محافظة السليمانية تعمل على تنظيم مهرجان للتسوق خلال نوروز يجري فيه تخفيض أسعار السلع، كنوع من التنشيط لحركة السوق". وبخصوص الأرقام، يقول: "استقبلنا في نوروز العام الماضي 415 ألف سائح قدموا الى إقليم كردستان للاحتفال خلال 13 يوماً. أما هذا العام فلا أرقام تذكر بسبب الحرب".
ومع ذلك، يؤكد روستايي: "نحن لا نقف مكتوفي الأيدي رغم الظروف. وننشط بهدف بث الحياة في السوق وحركة السياحة". يقول: "وجهنا دعوات لشركات إيرانية وتركية وعراقية، سنلتقي بها الشهر الجاري لحثها على تنظيم زيارات لوفود إلى كردستان العراق. وقلنا لهم إنّ الإقليم آمن، وبإمكان السياح إمضاء وقت ممتع في مدن أربيل والسليمانية ودهوك".
ويضيف: "في فبراير/ شباط الماضي، شاركنا في معرض دولي في مدينة إسطنبول التركية. كما شاركنا في مارس/ آذار الجاري في معرض أقيم في العاصمة الألمانية برلين. ونقلنا رسائل عن أحوالنا. وأكدنا للجميع أنّ كردستان آمنة، وتنتظر زائريها".
وبالرغم من الكلام الرسمي والدعوات، لا تبرز الحركة على صعيد الأسواق الكردستانية. فحركة البيع والشراء ضعيفة جداً. وواجهات الكثير من المحال والمتاجر تعلن عن إجراء تنزيلات كبيرة في الأسعار، تصل الى 70 في المائة. وتؤكد المحال في المدن الكبرى ولا سيّما في السليمانية أنّ "تخفيض الأسعار يأتي تجاوباً مع الوضع الاقتصادي السيئ".
إذاً، نوروز هذا العام في العراق يخيّم عليه تنظيم "داعش" وتهديداته المتواصلة. ومع أنّ العيد حمل معه حدثاً مميزاً، أمس الجمعة، من خلال الكسوف الجزئي للشمس، فإنّ أهالي الإقليم يتمنون كسوفاً من نوع آخر مستمر لـ"داعش"، يعيد المهجّرين إلى قراهم، ويرجع إليهم بهجة العيد السابقة وألوانها.