فبينما لم تعلّق أية جهة رسمية على التقرير، الذي نشرته الصحيفة البريطانية الاثنين في حوالي الساعة الخامسة والثلث بتوقيت القاهرة، سواء بالنفي أو التأكيد، نشر موقع "مبتدا" المملوك لرجل الأعمال طارق إسماعيل، والتابع بشكل مباشر للواء عباس كامل، مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، في الساعة التاسعة إلا الربع بتوقيت القاهرة، تقريرًا يكذب ما نشرته "تلغراف"، حيث قال إن الصحيفة البريطانية "ارتكبت جريمة مهنية عندما نشرت تقريراً يحتوي على فيديو، يظهر فيه مواطن مصري يتحدث عن عثوره على صاروخ بجانب مطار القاهرة الدولي، في كومة من القمامة، أثناء توجهه إلى العمل".
وأضاف الموقع أنه "قام بالبحث والتقصّي حول أصل الفيديو، حتى وصل إلى الحقيقة التي تنفي أكاذيب الجريدة، حيث تبيّن أن الفيديو منشور على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" منذ 8 فبراير/شباط من عام 2011".
اللافت أن مواقع مصرية أخرى، منها "الفجر" و"الوطن"، قامت بنشر مضمون تقرير "مبتدا" الذي يكذّب رواية "تلغراف"، ولكن من دون التحقق منه بشكل مستقل.
أما المثير للسخرية أن "مبتدا" قام بتعديل خبره في الثانية عشرة قبل منتصف الليل، وقال إنه "قام بالبحث والتقصي حول أصل الفيديو، ويتضح أن من أوائل من قاموا بنشره بعض من لهم ميول واضحة تجاه الإخوان، أو يروّجون للمصالحة معهم، وبعض المنتمين لتيارات سلفية متشددة".
ولكن السؤال: "هل فيديو "تلغراف" فعلًا قديم ويرجع تاريخه إلى 8 فبراير/شباط 2011 كما ادعى موقع اللواء عباس كامل؟
الإجابة جاءت من خلال الباحث المصري مختار عوض، وهو باحث مساعد في فريق الأمن القومي والسياسة الدولية في "أمريكان بروغرس"، ويتركز عمله على الجماعات الإسلامية وسياسات الشرق الأوسط والسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه المنطقة، وهو الذي نشر الفيديو على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" واعتمدت عليه "تلغراف" في قصتها التي نشرتها.
عوض (زميل مركز كارنيغي الذي تدرب مع مكتب شؤون مصر والشام في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأميركية) وضع منشورًا على حسابه على "تويتر" يردّ فيه على رواية المواقع المصرية التي تكذّب الصحيفة البريطانية، حيث أكد أنه "من السهل جدًا على أي مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي أن يقوم بتعديل تاريخ أي منشور وإعطائه تاريخًا قديماً، وهو الأمر الذي ظهر فعلًا عندما راجعنا الحساب الذي قام بنشر الفيديو بتاريخ قديم، ولكنه في الوقت نفسه لم يؤكد تاريخ الفيديو، وقال إنه ينتظر تحقيقًا رسميا".
وبالعودة إلى الحساب الذي نشر الفيديو بالتاريخ القديم، واستشهد به موقع "مبتدا"، فإنه يحمل اسم "Merna A Fahmy"، وقد أنشئ منذ 2014، ويقوم بمشاركة موضوعات كثيرة من موقع "مبتدا"، ما يشير إلى علاقة ما بين الكيانين، لا سيما أن الحساب لا يحتوي أية إشارات إلى كونه حسابا شخصيا، فلا توجد عليه أي صور شخصية أو ما شابه، ما يؤشر أيضًا إلى أنه حساب مزيف، كمئات الحسابات التي تنشئها كتائب السيسي الإلكترونية، التي تم فضحها في أكثر من مناسبة، ومنها فضيحة "الدولجية" الشهيرة التي كان بطلها المدعو إبراهيم الجارحي.
وحسبما نشرت الجريدة البريطانية، نقلًا عمّا قاله المواطن إبراهيم يسري في الفيديو، والذي يفترض أنه صاحب الفيديو الأصلي، إنه "وجد قاذفة صواريخ "سام 6" على جانب الطريق المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي"، وأضاف يسري، عبر صفحته على موقع التواصل "فيسبوك"، أنه كان مترددًا في إبلاغ الشرطة بمكان الصاروخ خوفًا من اتخاذ إجراءات ضده، لكنه قرر، في النهاية، الإبلاغ، "إحساسًا منه بالمسؤولية"، مؤكدًا أنه "لم يكن بعيدًا عن المطار أو استهداف الطائرات".
وأوضح أن "السلاح لم يكن حاملاً للصاروخ"، مضيفاً أنه حاول بعناء إقناع رجلي الشرطة بأن الأمر حقيقي، حتى قام بحمله بعيدًا.
وقالت الجريدة إن الصاروخ المحمول يبلغ مداه 2.5 ميل، وقادر على إسقاط طائرات لدى تحليقها.
المصدر ذاته أكد أن "الاكتشاف يمكن أن يكون مثيرًا للقلق بالنسبة لبريطانيا، التي تراقب عن كثب أمن المطارات في جميع أنحاء مصر، كونها تدرس ما إذا كانت ستستأنف الرحلات السياحية إلى شرم الشيخ بعد تفجير الطائرة الروسية من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في عام 2015، أم لا، خصوصًا بعد ظهور فيديو منسوب لـ"داعش" يهدد السكان المسيحيين في مصر.
وحسب ما جاء في "تلغراف"، فإن يسري رفض الرد على طلب إجراء مقابلة معها، لأنه "يخشى الحكومة الاستبدادية في مصر"، وكتب أنه لم يقصد "الصيد فى الماء العكر". ومن جانبها، لم تعلّق الخارجية المصرية على الصحيفة البريطانية.
جيمس بيفان، خبير الأسلحة، قال للجريدة إنه يستحيل تأكيد نوع الصاروخ من خلال صور "الفيسبوك"، لكه يشبه صاروخ "سام 7" المضاد للطائرات. وقالت "تلغراف" إن تلك النوعية من الصواريخ يتم تصنيعها في مصر، كما تأتي عن طريق ليبيا منذ سقوط نظام القذافي 2011.
وأضاف بيفان أنه "من الصعب معرفة كيفية وصول سلاح مثل هذا إلى قرب المطار"، وقال إن "أسوأ مخاوف المخابرات المصرية والغربية هي أن يكون تنظيم "ولاية سيناء" هو من زرع الصاروخ لاستخدامه فيما بعد في هجوم على طائرة".
يذكر أن بريطانيا أوقفت الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ بعد تفجير الطائرة الروسية الذي تبناه "داعش" عام 2015، وتدرس حاليًا ما إذا كانت ستستأنف رحلات الطيران، كما فعلت العديد من الدول الأوروبية الأخرى.