"طعم الحقيقي": مسافة ملغاة بين الفيزياء والفلسفة

17 اغسطس 2020
جورج براك/ فرنسا
+ الخط -

باختلاف الأزمنة، تظهر أشكال من الكتابة على حساب أخرى. من الأشكال التي باتت تبدو اليوم أشبه بقطعة أثرية هي كتابة المناشير، والتي كانت في القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين، من أشكال الكتابة الرئيسية، لها أسلوب خاص وأنماط إخراجية معترف بها. 

في بداية 2019، أعلنت دار النشر "غاليمار" عن إطلاق سلسلة جديدة بعنوان "مناشير"، بدا الأمر في البداية مجرّد استعارة، لكن مع صدور الكتاب الأول "أوروبا الشبح" للمفكّر ريجيس دوبريه) اتضح أن الدار تنوي بالفعل إحياء تقليد في الكتابة بصدد الاندثار، حيث جاء الكتاب الأول أقرب إلى كرّاس مثل تلك المنشورات التي كانت توزّع سراً في عقود خالية.

ضمن سلسلة "مناشير"، صدر إلى اليوم سبعة عشر كتاباً، آخرها بعنوان "طعم الحقيقي" للكاتب إتيان كلاين. عمل ينطلق من الواقع الذي فرضته جائحة كورونا، وتحديداً العلاقة الجديدة التي ينبغي للإنسان أن يبنيها مع العلم، فقد اتضح أنه لا يملك من الحلول إلا بعض الترجيحات والإجراءات، فهل يعقل أن يُحبس الناس في أوروبا لبضعة أسابيع جرّاء فيروس ظهر في الصين. 

يتساءل كلاين: كيف علينا اليوم أن نتعامل مع تلك السردية الأسطورية التي صاغها العلم عن نفسه باعتباره ضمانة للبشرية أمام مخاطر كانت تهدّدها في قرون سابقة؟ ما فعله الفيروس المجهري يمكن أن تفعله قوى طبيعية أكثر ضخامة، ومرة أخرى لن يجد العلم من إجابة إلا بعض الترجيحات والإجراءات الترقيعية.

كتاب كلاين

عبر هذ النقد للعلم، يصل كلاين بقارئه (في 68 صفحة) إلى سؤاله الأساسي؛ أي معنى للعالم الواقعي اليوم حين نكتشف أن المنطقة التي اعتقدنا أنها الأكثر أماناً تدخل هي الأخرى تحت سقف التشكيك وضياع المعنى؟

في مجمل كتاباته، يقف كلاين بين منطقتين؛ الفيزياء والفلسفة، وإذا كان عمله الأخير أقرب إلى الدائرة الثانية فإن شهرته قامت على اعتباره أحد أكثر القادرين على إيصال الأفكار الكبرى للعلوم إلى قطاعات موسعة من القرّاء. من هذه الأعمال: "البلد الذي كان يعيش فيه أينشتاين"، و"ليس كل شيء نسبيّ"، و"الذرّة الأخيرة" (بالاشترك مع هاينز ويسمان).

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون