هناك من يعيش في شمال لبنان ولم يزر بيروت والجبل (وسط وغرب) يوماً، ناهيك عن الجنوب والبقاع (شرق). والعكس بالعكس، هناك من يعيش في الجنوب ولم يخرج من قريته أو مدينته إلا اضطراراً في تهجير إلى منطقة لبنانية أخرى، أو في سفر عبر مطار بيروت.
بعض المناطق تفرض سطوتها هي نفسها على الآخرين. هناك شوارع في حدّ ذاتها في العاصمة وضواحيها يمنع على المواطنين المرور فيها، أو تُجعَل لها سمعة أمنية وسمة تدفعهم دفعاً إلى منع أنفسهم من عبورها، كما هو الحال مع الجزر الأمنية التابعة للزعماء.
الحديث عن مناطق بعينها أكثر تعقيداً. وبالرغم من تعايش عدد هائل من السكان فيها بلبنانييهم ولاجئيهم وعمالتهم الوافدة وعدد كبير من الجنسيات العمالية العربية والأفريقية والجنوب آسيوية، يشعر البعض حين تدعوه إلى زيارتها برهبة ما، أو على الأقل يتفادى ذلك.
تلك المناطق تقدم الكثير من الأسباب الأمنية لذلك الخوف في كلّ الأحوال. فالداخل إليها يصادف العديد من الحواجز الأمنية لأجهزة مختلفة، رسمية وغير رسمية. وعدا عن ازدحام السير الذي لا ينتهي، قد يواجه شكوكاً، بسبب شكله الخارجي أحياناً، أو بسبب حمله حقيبة ما وهو في سيارة أجرة أو على دراجته النارية. شكوك ترمي به "عاليمين بعد إذنك". عند ذاك اليمين تفتيش، وطلب بطاقة، وسين وجيم لا تنتهي.
مناطق لبنانية كثيرة على هذه الحال. ترتفع حدة "الوضع الأمني" في بعضها وتتقلص في أخرى. تصنيف اللبنانيين للمناطق تغلب عليه الطائفية في كلّ الأحوال. وما بات اليوم مقبولاً، بعض الشيء، الذهاب إليه، لم يكن مقبولاً قبل فترة قصيرة. بل إنّ بعض المناطق ما زال اللبناني يشعر بعدم القدرة أو الرغبة أو النية بالذهاب إليها. وتتغير المعطيات كلّ فترة، حتى يكاد أحدهم يطلب خريطة تحديثات لما يمكن أن يذهب إليه وما لا يمكن.
يتفاجأ البعض حين تخبره أنّك تعيش في منطقة معينة: "كيف تسكن هناك؟" يبادرك وهو يفتح عينيه على اتساعهما. تردّ: "عادي". لكنّ عاديتك مختلفة عن عاديته بطبيعة الحال.
اللبنانيون -غالباً- لا يخرجون من مناطقهم إلا إذا كانوا من النازحين قديماً إلى المدن ويملكون بيتاً في قريتهم، يخرجون من بيت مدينتهم إليه مباشرة، ومن دون لفّ أو دوران، كلّ أسبوع مرة أو أقل. ولعلّ معظم اللبنانيين لا يعرفون إلاّ القليل من مساحة وطنهم الصغيرة أصلاً. وإذا فرض عليهم أن يكونوا في مكان ما فيه، ربما شعروا بالغربة.
تعرض هذه الحقائق أمامك بينما تطالع إعلاناً في موقع سياحي يرشدك إلى "خمسة نشاطات يمكن أن تقوم بها في مدن لبنان مجاناً". من قال إنّ المانع اقتصادي فقط؟
اقــرأ أيضاً
بعض المناطق تفرض سطوتها هي نفسها على الآخرين. هناك شوارع في حدّ ذاتها في العاصمة وضواحيها يمنع على المواطنين المرور فيها، أو تُجعَل لها سمعة أمنية وسمة تدفعهم دفعاً إلى منع أنفسهم من عبورها، كما هو الحال مع الجزر الأمنية التابعة للزعماء.
الحديث عن مناطق بعينها أكثر تعقيداً. وبالرغم من تعايش عدد هائل من السكان فيها بلبنانييهم ولاجئيهم وعمالتهم الوافدة وعدد كبير من الجنسيات العمالية العربية والأفريقية والجنوب آسيوية، يشعر البعض حين تدعوه إلى زيارتها برهبة ما، أو على الأقل يتفادى ذلك.
تلك المناطق تقدم الكثير من الأسباب الأمنية لذلك الخوف في كلّ الأحوال. فالداخل إليها يصادف العديد من الحواجز الأمنية لأجهزة مختلفة، رسمية وغير رسمية. وعدا عن ازدحام السير الذي لا ينتهي، قد يواجه شكوكاً، بسبب شكله الخارجي أحياناً، أو بسبب حمله حقيبة ما وهو في سيارة أجرة أو على دراجته النارية. شكوك ترمي به "عاليمين بعد إذنك". عند ذاك اليمين تفتيش، وطلب بطاقة، وسين وجيم لا تنتهي.
مناطق لبنانية كثيرة على هذه الحال. ترتفع حدة "الوضع الأمني" في بعضها وتتقلص في أخرى. تصنيف اللبنانيين للمناطق تغلب عليه الطائفية في كلّ الأحوال. وما بات اليوم مقبولاً، بعض الشيء، الذهاب إليه، لم يكن مقبولاً قبل فترة قصيرة. بل إنّ بعض المناطق ما زال اللبناني يشعر بعدم القدرة أو الرغبة أو النية بالذهاب إليها. وتتغير المعطيات كلّ فترة، حتى يكاد أحدهم يطلب خريطة تحديثات لما يمكن أن يذهب إليه وما لا يمكن.
يتفاجأ البعض حين تخبره أنّك تعيش في منطقة معينة: "كيف تسكن هناك؟" يبادرك وهو يفتح عينيه على اتساعهما. تردّ: "عادي". لكنّ عاديتك مختلفة عن عاديته بطبيعة الحال.
اللبنانيون -غالباً- لا يخرجون من مناطقهم إلا إذا كانوا من النازحين قديماً إلى المدن ويملكون بيتاً في قريتهم، يخرجون من بيت مدينتهم إليه مباشرة، ومن دون لفّ أو دوران، كلّ أسبوع مرة أو أقل. ولعلّ معظم اللبنانيين لا يعرفون إلاّ القليل من مساحة وطنهم الصغيرة أصلاً. وإذا فرض عليهم أن يكونوا في مكان ما فيه، ربما شعروا بالغربة.
تعرض هذه الحقائق أمامك بينما تطالع إعلاناً في موقع سياحي يرشدك إلى "خمسة نشاطات يمكن أن تقوم بها في مدن لبنان مجاناً". من قال إنّ المانع اقتصادي فقط؟