"عندما يكون المعلم قدوة"... مبادرة لإعادة تلاميذ فلسطينيين فقراء إلى مدرستهم
مبادرة فريدة من نوعها أطلقتها معلمة من مدرسة المنارة الإعدادية، في قرية جسر الزرقاء، والتي تبعد 20 كيلومتراً عن حيفا، تمثلت في إعادة بناء بيت جديد لأسرة بها تسعة من تلاميذ المدرسة يعانون عسراً وضيقاً مادياً منعهم من الانتظام في التعليم.
بدأت القصة عندما زارت منال مصاروة (40 عاما)، وهي معلمة رياضيات ومستشارة تربوية، وتعمل في مدرسة المنارة منذ 13 عاماً، وأم لثلاثة أبناء، تقطن في بلدة باقة الغربية في المثلث الشمالي، طلابا لها في بيتهم بعد أن تغيبوا عن المدرسة خلال فصل الشتاء الماضي.
ولم تتمكن مصاروة من حبس دموعها بعد الذي رأته. بيت شبه خالٍ، لا ماء فيه ولا كهرباء، وثلاث فتيات من الأسرة اختبأن خلف ستار، خجلا من الفقر الشديد والوضع الذي تعيشه أسرتهن.
البيت فارغ وبدون شبابيك وأبواب، وبنات يجلسن على الأرض. يسكن في البيت 9 أولاد، ست بنات وثلاثة ذكور، إضافة إلى الأم والأب. يعمل الوالد في وظيفة جزئية في مصنع دجاج بسبب إعاقة في اليد، والأم من مدينة طولكرم وعاطلة عن العمل.
وفي حديث مع سنيور عماش، رب العائلة قال: "عندي تسعة أولاد، البيت كان بحالة مزرية لا ماء فيه ولا كهرباء، سكنت فيه بعد الزواج قبل 20 عاما وورثته عن والدي. بادر المعلمون وأهل الخير لمساعدتنا. أكنّ احتراما كبيرا لهم. وهي مبادرة مباركة جيدة ولم أتوقعها. وأولادي يشعرون بالسعادة بعد إعادة بناء البيت".
وتابع "أتقاضى 2700 شيكل شهرياً ونحن 11 شخصاً. الطعام لا يتوفر دوما في البيت، وبسبب الوضع المادي يصعب عليّ دفع فواتير الكهرباء والماء شهريا".
وأضاف "بناتي كبرن ولم يتابعن الدراسة، حالتهن النفسية كانت صعبة وكن يخجلن من الذهاب إلى المدرسة، لا يوجد لديهن ملابس، والوضع معدوم في البيت، خصوصا أن الناس في البلدة يعايرون أولادي بسبب الفقر. وافقت على قبول العون من المعلمين، لأنه لا خيار آخر أمامي، والوضع لا يحتمل السكوت عنه أكثر".
أما منال مصاروة، فقالت: "عندما جئت لزيارة البيت لم تسمح لي البنات بالدخول، لأنهن يخجلن من حالهن ووضعهن، من حالة الفقر المدقع والعتمة فيه".
وأضافت "أنا والمعلم سامي كبهى الذي تطوع معي على الفور في المشروع بعد أن رأى فيديو عن حالة البيت المأساوية، بادرنا بالمساعدة، وبعد الكشف على حالة البيت من مهندسين ومختصين قرروا أن الأفضل هدمه وبناؤه من جديد. أغلب مواد البناء كانت من التبرعات، والأيدي العاملة كانت تتطوع. المتطوعون كثر وغالبيتهم يفضلون عدم الحديث عن الموضوع وفق مقولة "افعل خير وارمه في البحر" منهم مقاولون وأصحاب متاجر بناء".
وأشارت إلى "استئجار دار للأسرة في مدينة طولكرم لمدة شهر ريثما يكتمل بناء منزلها، ونتوقع ذلك، كما نتمنى أن ننهي الأعمال فيه مع بداية السنة الدراسية".
وتابعت "قضية الصدقات والتبرعات لا تقتصر على مبالغ كبيرة أو صغيرة، ممكن لأي إنسان أن يتبرع بنيّته، يعطي 20 شيكلا وتكون عند ربنا تساوي الملايين. وبالنسبة لي هذا الموضوع هو قضيتي، وهو قضية وطنية واجتماعية. وكل إنسان يؤمن بقضية معينة يمكنه العمل عليها للوصول إلى نهايتها. ونحن المعلمون في مدرسة المنارة نشعر بمسؤولية حيال طلابنا هؤلاء. وبوركت سواعد جميع الناس، وهذه هي فقط البداية". وأوضحت أن مركز "مساواة" ساعدهم، بمعاونة مديره جعفر فرح.
وقال سامي كبهى، معلم رياضيات في المدرسة المنارة، ومحاسب مركز التربية الاجتماعية: "إحدى بنات هذه العائلة كنت أنا مربي صفها في السنة الأخيرة. المعلمة مصاروة جاءت وكان معها فيديو يصور حالة البيت ووضعه الرث، وجاءت بفكرة أن نقوم بترميم البيت، فتجندنا معها على الفور. أنشأنا مجموعة على "واتساب" لأرباب المهن في مجال البناء، فأنا لدي خبرة في مجال الترميم والبناء، ووجدنا تجاوبا كبيرا من خارج البلد أكثر من المتوقع".
ولفت إلى أن "مقاول بناء من جسر الزرقاء هدم البيت، وشخصا آخر من القرية ساعد في مجال الكهرباء"، مشيرا إلى أن "الالتزام الإنساني تجاه مجتمعي هو التفسير لهذه المبادرة. وغالبية التبرعات كانت من أهل الخير، والمجتمع بألف خير".
وقال الشاب ساجد غانم من المثلث الشمالي: "جئت متطوعا ليوم عمل في تركيب وحفر الكهرباء وتمديد خطوط الكهرباء في البيت. طلبوا دعمي ولم أتردد في ذلك. وهذه أول مرة يطلبون مني المساعدة، وسأعمل يوم غد أيضا حتى إنجاز مهمتنا".