بينما تستعد الحاجة أم محمود في مخيم قلنديا -شرق مدينة القدس- للمشاركة غداً في مسيرة "ع القدس رايحين" للتضامن مع المدينة المحتلة وأهلها، تفكر في ابنها المعتقل منذ خمسة أعوام "لم تسمح لي سلطات الاحتلال كل هذه الأعوام بزيارته"-تقول أم محمود- التي يتصاعد الغضب داخلها كلما شاهدت قوات الاحتلال تدخل إلى المخيم لتقوم بحملة اعتقالات جديدة، تقتل وتأسر بلا رقيب ولا حسيب.
"لم أستطع دخول المسجد الأقصى للصلاة بسبب قيود الاحتلال بعد العمليتين الاستشهاديتين، ماذا تبقى لنا؟" هكذا تتساءل أم محمود في حديثها لـ"العربي الجديد" مضيفة "أدعو كل الفلسطينيين إلى المشاركة في هذه الهبة الجماهيرية غداً الجمعة في تمام الساعة العاشرة صباحاً لنصرة القدس والمسجد الأقصى".
سندخل القدس مهما كانت التضحيات
أم محمود ليست بمفردها فعديد الشباب والفتيات والشيوخ يرتبون للمسيرة من بينهم الناشط الشبابي حسن فرج والذي يوضح لـ"العربي الجديد" أن المسيرة ستنطلق صباح الجمعة باتجاه مداخل القدس بالقرب من مخيم قلنديا، على أن يلحقها تجمع آخر على حاجز بيت لحم الشمالي المسمى بحاجز الـ 300 والذي يفصل بيت لحم عن المدينة المقدسة، نصرة للقدس والجميع متفق على رفع العلم الفلسطيني بدون شعارات وطنية أو حزبية.
دفع اقتحام المستوطنين المتكرر للمسجد الأقصى والاعتداءات على المقدسيين، حسن ورفاقه لتنظيم المسيرة "انطلاقاً من المسؤولية الوطنية تجاه قضيتنا وشعبنا" هكذا يقول الناشط الشبابي مختتما "سندخل القدس، ولو كلفنا ذلك أرواحنا و"ع القدس رايحين".
المقاومة هي الحل
يرى الناشط صلاح خواجا منسق الحملة الشعبية لمقاومة الاستيطان والجدار أن المسيرة جزء من نشاط المقاومة الشعبية الساعية للخلاص من الاحتلال وجرائمه المستمرة قائلا لـ"العربي الجديد" التجارب الفلسطينية المتنوعة أثبتت أن المقاومة هي الحل الأمثل لطرد الاحتلال، صحيح أن الاحتلال دولة نووية ولكننا نمتلك الطاقات والمقدرات الشعبية والإيمان العميق بعدالة قضيتنا".
يستعد خواجا لدخول القدس مع رفاقه المشاركين، بالإضافة إلى كسر حصار الجدار الفاصل للشعب الفلسطيني، قائلا "نجاحنا مرتبط بطبيعة الحشد وعدده، والمفاجآت الحقيقية ستُقرر على الأرض".
تغيير موازين القوى
ويعتبر الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن التوحش الإسرائيلي على الأرض ومسابقة الاحتلال الزمن لتكريس وقائع استيطانية تجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية مستقلة، لا بد أن يجابه بتغيير ميزان القوى الذي لن يتأتى إلا بتصعيد وتطوير المقاومة الشعبية الفلسطينية، ومشاركة الجميع فيها.
وأضاف البرغوثي لـ "العربي الجديد" أن الفلسطينيين لا بد أن يصبح لديهم قيادة وبرنامج ونشاط واحد، ومثل هذه المسيرات تدفع باتجاه التوحد عبر مشاركة مختلف الأطراف فيها، متمنيا أن تكون مسيرة الجمعة وقفة حقيقية بعيدة عن الفصائلية والحزبية، وتكريسا للوحدة الوطنية كخطوة أولى لدحر المحتل عن الأرض.
يكمل البرغوثي حديثه أن "الاحتلال لا يريد سلاما أو حلاً مع الشعب الفلسطيني، وإنما يناور بالمفاوضات وغيرها لكسب الوقت، الذي يقوم خلاله بارتكاب العديد من الجرائم والاعتقالات والمداهمات، وإغلاق الطرق الفرعية لتضييق الحركة على الفلسطينيين، ومنعهم من الحركة، وما تشهده المدينة المقدسة من حملات مسعورة، ليس لها تفسير سوى أن الجانب الإسرائيلي لا يريد في الأصل أي تفاهم مع الفلسطينيين".
واختتم قائلا "الاحتلال يرفض جملة وتفصيلا فكرة إقامة دولة فلسطينية أو أن يكون للفلسطينيين وجود في القدس أو عودة أي لاجئ فلسطيني إلى وطنه، أو إزالة المستوطنات من الأراضي المحتلة رغم مخالفتها القانون الدولي، والحل الوحيد للتصدي لهجمته هو المقاومة".
الانتفاضة الثالثة
هل تكون المسيرة وغيرها من الفعاليات المقاومة المتصاعدة مقدمة لانتفاضة ثالثة؟ يجيب المحلل السياسي د.أحمد رفيق عوض على السؤال أن استمرار الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وغياب القيادة الحقيقية التي توحد الجماهير وتوظف طاقاتها لأغراض وطنية، يصعّد الأمر.
يؤكد عوض أن السلطة الفلسطينية ليس لديها مزاج لانتفاضة ثالثة، وما يحدث على الأرض من هبات جماهيرية يجب تصنيفه باعتباره حراكاً شعبياً لجماهير غفيرة أصيبت باليأس والإحباط ترغب في انتزاع أبسط حقوقها الإنسانية التي يحرمها الاحتلال إياها، ويضيّق عليها أكثر كل يوم.
ويختلف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي مع الرأي السابق قائلا إن روح الانتفاضة الأولى بدأت تعود وتتجلى في أوساط الشعب الفلسطيني رغم ما تقوم به قوات الاحتلال من عدوان وقمع"، داعيا إلى أوسع مشاركة شعبية في مسيرة غد الجمعة لفضح ممارسات الاحتلال.
ويوضح زكي أن المسيرة تهدف إلى نقل رسالة إلى العالم تفضح انتهاكات إسرائيل البشعة على الأرض الفلسطينية، قائلا "لم نعد نتحمل هذه الانتهاكات الصارخة، التي تمارسها إسرائيل على أرضنا وبحق أبنائنا". وفي السياق ذاته، شدد زكي على ضرورة إنهاء الانقسام "المؤذي" لإعادة اللحمة إلى شعبنا من أجل أن يكون موحداً في مواجهة أخطر مشاريع التهويد والتصفية التي تتعرض لها قضيته.