"غرب القاش" عنوان الرواية الأولى التي صدرت للصحافية اليمنية محاسن الحواتي (1969) عن دار "آي كتب" البريطانية، وهو خيار يعود إلى إغلاق دور الطباعة في اليمن نتيجة الحرب الدائرة منذ أربعة أعوام.
تقتبس الكاتبة عنوان روايتها من اسم أحد أحياء مدينة كسلا (شرقي السودان)، هو أيضاً مسقط رأس الكاتبة قبل عودة أبويها إلى اليمن في ثمانينيات القرن الماضي. وقد اختارت المؤلفة أن تدير خيوط حكايتها سيدةٌ مسنّة فقدت ذاكرتها بفعل تراكمات الحياة البائسة التي كابدتها في القرية إلى جانب تقدّم العمر والضغوطات النفسية التي عانتها كغيرها من الفقراء.
عمدت الحواتي، وهي الصحافية المنهمكة بقضايا المرأة والجندر، إلى إبراز ظلم العادات والتقاليد السلبية للمرأة في السودان والكثير من البلدان العربية، والتمييز بين الأبناء، إذ تسرد البطلة (مكية) سنوات طفولتها وكيف فاض نهر القاش وهدّم كل البيوت وكيف تُركت مكية وأمها وأختها للغرق لولا تدخل بعض الرجال لإنقاذهن، فقد تركهن والدها وحمل على كتفيه ولديه الذكرين.
تعكس الرواية تعايش الجنسيات التي سكنت غرب القاش، من يمنيين، ومغاربة، وأرمن، وهنود، ونيجيريين، وإثيوبيين، وإريتريين، وحتى الصوماليين وغيرهم من القبائل السودانية، في منطقة عرفت التعايش السلمي والتثاقف، واحترام الأديان والمذاهب. كما كانت المنطقة مساحة لحرية النقد وهو ما كان يخفف من هموم البسطاء الذين تقاسموا البؤس والمسرّات.
النهر والجبل ومكية، ثلاثة عناصر في الرواية جسّدت علاقة النهر بالمكان وأهالي غرب القاش، كما جسدت قوة وصلابة المرأة التي واجهته وتحدته وهي تكبر وتتعملق كلما اقتربت منه، حاملة معها فكراً رافضاً لتلك الممارسات التي تجعل من المرأة مجرد أداة بيد الرجل، فأثناء خروجها ذات يوم صوب النهر لمواجهته، كانت تتحدث مع كل من في طريقها إلى أن دخلت الماء فـ"حاول النهر اقتلاعها دون جدوى"، لكنها نجحت في الوصول إلى الضفة الأخرى، هنا تحوّلت مكية إلى لون الشمس وبدأت تتصدع وتتناثر قطعاً وتتلاشى.
ينتهي العمل بخاتمة عجائبية أرادت الروائية من خلالها إظهار مدى قوة وصلابة المرأة في مواجهة تلك العادات والممارسات التي تكبّل حريتها وتخنق حياتها، فالنهر، إلى جانب وجوده في القرية، يرمز إلى تلك القيود المفروضة على المرأة، والتي واجهتها مكية خلال صراعها مع النهر وهو يحاول أن يجرفها بتياره العنيف، كما واجهته في طفولتها وهي توشك على الغرق. ورغم أنها صمدت في وجه النهر والعائلة لكن كبرت بسرعة تفوق قدرتها على الاحتمال وانفجرت في نهاية المطاف ذاكرتها.
قبل هذه الرواية، صدر للحواتي أربع مجموعات قصصية هي: "الحكم على زينب" (2002)، و"ممنوع اصطحاب الأطفال" (2004)، و"صنعاء التي" (2007)، و"هتلر مرّ من هنا" (2016)، إلى جانب دراسات، من بينها: "الملكة أروى وتجربة الحكم"، و"صورة الرجل في رواية أحلام نبيلة" و"العنف العائلي في اليمن".