بعد سنوات قدّم خلالها عدّة معارض وأعمال حول اللاجئين (السوريين بشكل خاص) الذين يواجهون الموت في طريقهم إلى أوروبا والتمييز والعنصرية بعد وصولهم، يعود الفنان الصيني آي ويوي (1957) إلى حياته الشخصية التي طالما شكّلت موضوعاً أثيراً له في عدد من أعماله، وهو الذي تعرّض للسجن والترحيل من بلاده بسبب مواقفه المعارضة.
افتتح معرضه الجديد، وهو بعنوان "فان تان"، في "متحف حضارات أوروبا والعالم" في مدينة مرسيليا، جنوب فرنسا، ويتواصل حتى الثاني عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتمّ استعارة العنوان من اسم دبابة هجومية أهداها رجل أعمال صيني إلى بريطانيا وكانت تستخدم في فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى.
يقتفي الفنان في هذا المعرض أثر والده الشاعر آي تشينغ (1910-1996) الذي غادر الصين عام 1929 بعد اتهامه بالانضمام إلى منظّمة يسارية سرية متوجّهاً إلى الغرب، وقد كانت مرسيليا هي المحطّة الأولى في رحلته، التي تعرّف خلالها على الفلسفة والفن في القارة العجوز، ومن هنا بدأت فكرة المعرض حين أتى آي ويوي إلى المدينة ليزور المرفأ التجاري التي حطّت فيه سفينه والده ويطلّع على مذكرات قبطانها.
عاد تشينغ إلى بكين وتعرّض للاعتقال بسبب معارضته الحكم آنذاك، وبعد خروجه سينخرط في صفوف المقاومة ضد الاحتلال الياباني، وحين وصل الشيوعيون إلى السلطة رفض التبشير والدعاية للثورة التي كان أحد المنتمين إليها، فحُكم عليه بالإقامة الجبرية في إحدى القرى وتنظيف مراحيضها العامة مدة خمس سنوات.
يتتبع آي ويوي جميع هذه المحطات من خلال عرضه خمسين عملاً تمثّل بعضها تجارب سابقة له مثل "دراسة منظور" (1995-2011)، و"إسقاط سلالة هان" (2015)، وكذلك "كاميرا مراقبة وعروضها" (2015)، إضافة إلى عملين جديدين هما قطعتان عملاقتان لصابون مرسيليا المشهور يبلغ وزن كل واحدة منهما طناً.
حفر الفنان على أحد العملين شرعة حقوق الإنسان، وعلى الأخرى إعلان حقوق المرأة التي وضعتها الكاتبة الفرنسية أوليمب دو غوج، ووراء قطعتي الصابون مباشرة جناح خشبي وهو بناء تقليدي من حقبة مينغ وقد طلي بألوان فاتحة ونصب على كريات بلورية، إضافة إلى عمل يتمحور حول الإصبع القذرة على أوان خزفية.
الجانب الرمزي للعملين يبدو واضحاً، وهو أحد عناصر جاذبية مجمل أعمال الفنان الصيني، لكن حين نرى معرضه الجديد ككتلة واحدة نكتشف اعتماده على الجانب السردي، ومحاولته توليد تأويلات فكرية وسياسية منها، في مسائل الحريات والحقوق، ولكن أيضاً على مستوى العلاقات بين البلدان والتفاوت بين الناس. أما البعد الشخصي، فهو مثلما يحدث في الروايات لا يزيد الأعمال إلا مصداقية وإن كان من غير الممكن إثبات ما يقوله الفنان أو نفيه.