لم يكلف النظام السوري نفسه هذه المرة عناء مسرحية سياسية جديدة في افتتاح الدورة الأولى من "مجلس الشعب"، حيث فرض رئيسا ونائبا وأميني سر ومراقبين اثنين على هذا المجلس الذي تحوّل منذ عقود إلى مادة تندر لدى السوريين، الذين يدركون أنه مجرد ديكور سياسي لنظام تحكمه الأجهزة الأمنية التي تختار أعضاء هذا المجلس بناء على الولاء للنظام ورئيسه.
وفاز حموده صباغ، الثلاثاء، برئاسة ما يُسمّى بـ"مجلس الشعب" بالتزكية، إذ لم يترشح أحد لهذا المنصب سواه، في مشهد اعتاد عليه السوريون منذ عام 1963، حين استولى حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة من خلال مجموعة من الضباط الذين ينتمي أغلبهم إلى الطائفة العلوية التي تحكم سورية منذ ذلك العام.
وإلى جانب صباغ، فاز بـ"التزكية" أيضاً خلال "الجلسة الافتتاحية من الدورة الاستثنائية الأولى للدور التشريعي الثالث"، محمد أكرم العجلاني بمنصب نائب الرئيس، بينما فازت ميساء الصالح بمنصب أمين سر المجلس، إلى جانب سلوم السلوم ومحمد الأبرش وفايزة العزبة، كمراقبين لهذا المجلس، الذي يضم 250 عضوا عن كل المحافظات السورية، غالبيتهم ينتمون إلى حزب البعث الحاكم.
ووفق مصادر مطلعة، فإن بشار الأسد نفسه اختار هذه الأسماء لتولي المناصب في مجلس الشعب، "إذ لم يجرؤ أحد على ترشيح نفسه، ما يعني أن أعضاء مجلس الشعب كانوا يعلمون قبيل الجلسة بهذه القائمة".
بشار الأسد نفسه اختار هذه الأسماء لتولي المناصب في مجلس الشعب، إذ لم يجرؤ أحد على ترشيح نفسه
ويعد صباغ (61 عاما)، من القياديين في حزب البعث العربي الاشتراكي، فهو عضو في ما يسمّى بـ"القيادة القطرية" لهذا الحزب المهيمن على الحياة السياسية في سورية منذ أكثر من نصف قرن، ولكن من دون تأثير حقيقي في القرار السياسي والعسكري والأمني في البلاد.
ويتحدر صباغ، وهو من الأقلية الأشورية، من محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، وهو من أشد المؤيدين للنظام الحالي، منذ كان محاميا في المحافظة التي بات جلها خارج سيطرة النظام.
ولم يغادر صباغ مجلس الشعب السوري منذ عام 2007 كعضو ورئيس، ما يعني أنه "من الأشخاص الموثوقين لدى أجهزة الأمن التابعة للنظام"، وفق مصدر مطلع في العاصمة السورية دمشق.
أما نائب صباغ في المجلس، فهو مهندس دمشقي دخل مجلس الشعب مستقلا، حيث دأب حزب البعث على تسليم هذا المنصب لشخصية غير منتمية لهذا الحزب "ولكن لا بد من أن يكون منسجما تماما مع سياسة النظام"، وفق المصادر.
وتتحدر ميساء الصالح من الطائفة العلوية، وهي أستاذة جامعية منتمية لحزب البعث، الذي اختار شخصا آخر في أمانة السر، وهو محام يتحدر من مدينة حلب.
وطيلة سنوات الأزمة السورية، التي بدأت في ربيع عام 2011، لم يكن لمجلس الشعب السوري أي دور سياسي ذي قيمة، ففي الوقت الذي كان فيه الجيش والأجهزة الأمنية التابعة للنظام يفتكان بالسوريين، كان هذا المجلس منشغلا بقضايا هي على هامش المأساة السورية.
وعرفت سورية الحياة البرلمانية منذ عشرينيات القرن المنصرم، وازدهرت أكثر خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن نفسه، إذ لا تزال الذاكرة السورية زاخرة بالعديد من الشخصيات البرلمانية التي لعبت أدوارا حاسمة في إنجاز الاستقلال عن فرنسا في عام 1946.
ولكن حزب البعث بدأ في تجفيف السياسة في سورية منذ عام 1963، وهو ما كرّسه حافظ الأسد منذ انقلابه في عام 1970، إذ بات أعضاء مجلس الشعب يعيّنون من قبل الأجهزة الأمنية بناء على الولاء للنظام ورئيسه، وهي السياسة التي استمرت خلال فترة حكم بشار الأسد.
من جانبها، تعتبر المعارضة السورية "أي انتخابات تجرى في مناطق سيطرة النظام هي انتخابات لا شرعية، لأنها تصدر عن نظام إرهابي فاقد تماماً لأي شرعية أو مصداقية"، وفق بيان صدر عن الائتلاف الوطني السوري إبان إجراء الانتخابات أواخر الشهر الفائت.
وأشار الائتلاف إلى أن "العملية الانتخابية الشرعية الوحيدة المنتظرة في سورية هي تلك التي نصّ عليها قرار مجلس الأمن 2254، والقائمة على نتائج العملية السياسية، وصولاً لهيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تشرف على عملية انتخابية نزيهة وشفافة لاختيار برلمان ورئيس يمثل الشعب السوري، وبمشاركة كل السوريين، وبإشراف مؤسسات أممية تضمن عملية انتخابية شفافة ونزيهة ومتوازنة".