مع صدور موسوعات ومعاجم توثّق لكتّاب ومبدعين في الآونة الأخيرة، تبرز الحاجة إلى طرح مجموعة من التساؤلات حول منهجية وآلية إنتاج هذه المؤلّفات التي كانت شبه غائبة عن المكتبة العربية المعاصرة، وخصوصاً أن معظمها يصدر عن أفراد وليس عن فريق يتبع مؤسسات أو مراكز بحثية.
في معظم هذه المؤلّفات، يغيب إطار مرجعي يقدّم للأعلام الموثّقة سيَرهم عبر تثبيت رؤية ومسوّغات لاختيارهم تحكمها معايير فنية وإبداعية، إذ يفترض عدم وجود تفاوت واسع بين مستوياتهم وجودة نصوصهم، كما تُحدّد السياقات الزمانية والمكانية لتجاربهم وأسباب تعيينها ليمثّلوا حقبة ذات سمات سياسية واجتماعية وثقافية مشتركة، وجغرافيا معلومة لا تساوي مثلاً بين المقيمين والمنفيين والمهاجرين عنها.
تحضر هذه الخلفية مع صدور "معجم القاصين والروائيين الأردنيين" حديثاً للكاتب محمد المشايخ، والذي يضم تراجم لـ 525 قاصاً وروائياً أردنياً برزوا منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن عام 1921 وحتى عام 2019؛ أي ما يقارب المئة عام.
شمول المعجم على هذا العدد الضخم من الساردين يشير إلى خلط جوهري في تأليفه، إذ إن وضعهم جميعاً في مؤلَّف واحد يعني بالضرورة تسميته "بيبلوغرافيا"، والتي تتضمّن عادة مسحاً كاملاً يحتمل تجاور كلّ هذه الأسماء مع بعضها بعضاً.
يُضاف إلى ذلك، إغفال المشايخ وضع ذلك التقديم الذي أشرنا إليه بداية، واكتفاؤه بمقدّمة للقاص مفلح العدوان الذي لفت إلى دور صاحب الكتاب في توثيق سير المبدعين وتسجيل ذاكرة للمشهد الثقافي الأردني خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، من خلال شهاداته المدوّنة في الصحف والمجلات والكتب، التي عايشها بحكم موقعه سكرتيراً لـ"رابطة الكتّاب الأردنين" لسنوات مديدة وعضواً في هيئتها الإدارية لعدّة دورات.
يحتفظ صاحب كتاب "دليل الكاتب الأردني" بالعديد من الروايات الشفوية حول أحداث ومحطّات بارزة في الثقافة الأردنية وأكبر أرشيف يتضمّن معلومات وتفاصيل غنية عن الكتّاب، الذين جمعهم في هذه الأعمال التوثيقية التي تفيد الباحثين في حصر جميع من مارسوا الكتابة الشعرية أو السردية خلال القرن الماضي.
في البيبلوغرافيا الأخيرة التي أعدّها المشايخ، نجد ضمن بيانات كل قاص أو روائي تاريخ مولده لكن عند التدقيق نلحظ أنه لم يتوفّر سوى على عدد قليل منهم، ومؤهله العلمي الأعلى ومصدره وسنة الحصول عليه، وعمله الحالي ووظائفه السابقة، مع الإشارة إلى تضمين تفصيل مطوّل من صفحات لبعضهم، ونبذة مقتضبة لبعضهم الآخر، بينما كانت الموضوعية تقتضي توزيعها بشكل متساوٍ، خاصة مع تجميع كلّ هذا العدد من كتّاب السرد دون تفضيل بينهم.
كما تحتوي البيانات على عناوين الروايات والمجموعات القصصية التي أصدرها كلّ سارد مع ذكر اسم دار النشر ومكانها والسنة، وعناوين بعض المخطوطات لمن لم يُصدروا كتباً، وذكر عناوين المؤلفات التي أصدرها كلّ منهم في غير حقل القصة والرواية، مع وجود ثغرات في تثبيت جميع نتاجاتهم.
كان من الأجدى الاكتفاء بتلك المعلومات فقط، إلّا ان المشايخ أسهب في وضع معلومات تفصيلية أكثر عزّزت التباين في ترجمة كلّ كاتب، حين وضع لبعضهم أسماء الهيئات التي ينتسب إليها، وبعض عناوين رسائل الماجستير والدكتوراه والكتب النقدية التي تم تأليفها حول إبداع بعض القاصين والروائيين، وعلى المؤتمرات والفعاليات التي شارك بها كل منهم، وعلى ذكر اللغات العالمية التي تمت ترجمة روايات وقصص كل منهم لها، وذكر الطبعات وأمكنتها وأزمنتها لمن أعيدت طباعة مؤلفاته، عدا الجوائز التي فاز بها كل منهم، والجوائز التي وصل بعضهم لقائمتها القصيرة أوالطويلة، مع إيراد اهتماماته المتنوعة في غير السرد.