مع تكثيف الإدارة الأميركية هجماتها الجويّة على أهداف مفترضة لـ"القاعدة" في اليمن مؤخّرًا، كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الأحد، عن أن الإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، تدرس كيفيّة حلحلة أو تجاوز القيود القتالية التي وضعتها إدارة باراك أوباما، والتي كانت تهدف في السابق إلى تجنّب سقوط مدنيّين في غارات الطائرات المسيّرة عن بعد، أو عمليّات القوات الخاصة، وغيرها من "بعثات مكافحة الإرهاب" إلى مناطق العمليّات. علمًا أنّ هجمات الطائرات من دون طيار، التي تضاعفت في عهد أوباما، تسبّبت بسقوط مئات الضحايا من المدنيين في اليمن وباكستان والصومال، رغم القيود المفروضة عليها، ورغم أن هدفها المعلن كان تنظيم "القاعدة".
لكن تلك القيود المفترضة ستكون أقلّ حدّة في عهد الإدارة الجديدة، إذ تذكر الصحيفة الأميركية أن ترامب صادق على طلب لوزارة الدفاع "البنتاغون" بإعلان أجزاء من ثلاث محافظات يمنيّة بوصفها "مناطق لأعمال عدائية نشطة"، وهو ما يتيح اعتماد قواعد أكثر مرونة بالنسبة للعمليّات العسكريّة. وتنقل الصحيفة عن مصادرها أن هذا الإجراء فتح الباب أمام عمليّة الإنزال التي نفّذتها قوّات خاصّة في اليمن مطلع هذا العام، وأدّت إلى سقوط ضحايا من المدنيين، فضلًا عن سلسلة الضربات الجويّة التي ما زالت تشنّها الطائرات الأميركية على المحافظات اليمنية منذ أسبوعين، وتعتبر الأكثف قياسًا بالسنوات السابقة.
ومن المتوقّع أيضًا، كما تكشف المصادر ذاتها، أن يوقّع ترامب قريبًا على اقتراح مماثل لـ"البنتاغون" لتحديد مناطق قتاليّة أخرى في الصومال، على غرار اليمن، ورفع القيود لمدّة 180 يومًا على الضربات الجويّة والحملات العسكريّة التي تستهدف أشخاصا مشتبهين بانتمائهم إلى حركة "الشباب" العاملة هناك، والمرتبطة بتنظيم "القاعدة".
ويقول معدّ التقرير إن النقاشات الداخليّة في البيت الأبيض خلصت إلى اختبار جدوى تلك "التسهيلات" المؤقّتة على ساحتي الصومال واليمن، ومن ثمّ اتّخاذ قرار حول إلغاء القيود المفروضة في حقبة أوباما على مثل هذا النوع من العمليات؛ أو تخفيفها، بحسب ما يشرح المسؤولون المطّلعون على تفاصيل القضيّة.
ومن جانب آخر، فإن هذه الخطوة التي من شأنها أن تعزّز استخدام القوّة العسكريّة، وتضع المدنيّين في المناطق المضطربة من العالم الإسلامي ضمن دائرة الاستهداف، تترافق مع محاولات إدارة ترامب زيادة الإنفاق العسكري، وخفض المساعدات الممنوحة للدول الأجنبية، فضلًا عن تقليص ميزانية وزارة الخارجيّة، بحسب الصحيفة.
وتواجَه مقترحات خفض ما يسمّى "ميزانيّات القوّة الناعمة" بمقاومة شرسة من بعض كبار الجمهوريين في الكونغرس، وكذلك من جنرالات عاملين في الخدمة، وآخرين متقاعدين، وفق قول الصحيفة، مضيفة أنّ هؤلاء يخشون من استدامة الصراعات إذا لم تتمّ معالجة الأسباب الجذريّة للإرهاب والاضطرابات الداخلية.
ولعلّ أحد الشواهد على معارضة الجمهوريين لأولويّات الموازنة الجديدة؛ هو تعليق السيناتور ليندسي غراهام، عضو لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ الأميركي، على تلك المسألة خلال جلسة استماع الأسبوع الماضي، قائلًا: "أي موازنة نمرّرها من حصّة ميزانيّة الخارجيّة.. فإنكم لن تربحوا هذه الحرب"، في إشارة إلى الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش)، مضيفًا بلهجة سخرية: "في واقع الأمر، (داعش) سيحتفل بذلك".
علاوة على ذلك، فإن أحد المؤشّرات الأخرى على القلق من إعادة النظر في السياسات الحكوميّة القائمة، كما يعرض التقرير، هو محاولات ثلاثة عشر عضوًا في مؤسسة الأمن القومي دفع وزير الدفاع الأميركي، جون ماتيس، إلى صون الضوابط التي فرضتها إدارة أوباما على مهمّات "مكافحة الإرهاب".
ويضيف التقرير أن هؤلاء المسؤولين السابقين بعثوا رسالة إلى ماتيس، أمس الأحد، تضمّنت تحذيرًا من أنّ "قتلى أو جرحى الضربات غير المقصودة، مهما قلّ عددهم، وبمعزل عمّا إذا كان ذلك مسموحًا به قانونًا أم لا؛ يمكن أن يتسبّبوا بانتكاسات استراتيجية كبيرة، كرفع مستوى العنف من الجماعات المتشدّدة، أو دفع شركائهم وحلفائهم لتقليص التعاون مع الولايات المتّحدة".
وتضمّنت تلك الرسالة أيضًا 37 توقيعًا لمسؤولين شغلوا مناصب أمنية رفيعة في الإدارات السابقة، من بينهم جون ماكلولين، الذي شغل منصب القائم بأعمال مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة "سي آي ايه" في عهد جورج بوش الابن، وليزا موناكو، مستشارة أوباما للأمن الوطني ومكافحة الإرهاب.
وبعد أيّام قليلة من دخوله البيت الأبيض، وتحديدًا في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، سارع ترامب إلى التوقيع على مذكّرة رئاسية للأمن القوميّ، تضمّنت توجيهات للجيش بمنحه خطّة لهزيمة "داعش"، على أن تقدّم له خلال مدّة لا تتجاوز ثلاثين يومًا. وتنصّ المذكّرة على أن الخطّة يجب أن تشمل: "التغييرات الموصى بها لقواعد الاشتباك في الولايات المتّحدة، وغيرها من القيود التي تتجاوز متطلّبات القانون الدولي فيما يتعلّق باستخدام القوّة"، في إشارة ضمنيّة إلى العدول عن القيود المفروضة على الضربات الجويّة منذ عام 2013.
غير أن هذا الزخم من أجل إحداث تغيير سريع لم يدم طويلًا، بحسب ما تنقل "نيويورك تايمز" عن المسؤولين أنفسهم، فبعد العمليّة الخاصة في اليمن، والتي أفضت إلى مقتل عدد من المدنيين، ومن بينهم أطفال، بالإضافة إلى مقتل عضو في البحريّة الأميركية وجرح ثلاثة آخرين، فضلًا عن خسارة طائرة حربيّة بكلفة 75 مليون دولار، فضّل مستشار ترامب للأمن القومي في حينها، مايكل فلين، التريّث في عمليّة التغيير، وهو ما يواظب عليه الآن، بعد استقالة فلين، المستشار الجديد هربرت ماكماستر، مع الإبقاء على كلّ من اليمن والصومال "ساحتي اختبار" لقواعد القتال الجديدة.