وقد أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً عن أسفه لأنّ الولايات المتحدة تخسر حربها المتواصلة منذ 16 عاماً في أفغانستان، وهدد بإقالة الجنرالات الأميركيين المعنيين بهذا الملف.
على مدى سنوات، بحسب تقرير للصحيفة، اليوم السبت، قامت الولايات المتحدة بدحر أعداء إيران الرئيسيين على حدودها؛ حكومة "طالبان" في أفغانستان، وصدام حسين في العراق، مشيرة إلى أنّ طهران استخدمت ذلك لصالحها، وتعمل حالياً بهدوء وبلا هوادة لمد نفوذها.
ففي أفغانستان، ومع مغادرة القوات الأجنبية في نهاية المطاف، تسعى إيران إلى التأكد من أنّ أي حكومة تتسلم السلطة لن تهدد مصالحها في أسوأ الأحوال، وتكون في أحسن الأحوال ودية أو تتماشى معها، وفق الصحيفة.
وللقيام بذلك، فإنّ إحدى الطرق، وفق ما تنقل الصحيفة عن مسؤولين أفغان، هي أن تساعد إيران أعداءها في الوقت الحاضر: حركة "طالبان"، لضمان وجود وكيل مخلص لها، وكذلك إبقاء الأوضاع مزعزعة في أفغانستان، من دون قلب الأوضاع فيها رأساً على عقب، لا سيما أنّ البلدين يتقاسمان حدوداً مشتركة تمتد لأكثر من 500 ميل.
ولفتت الصحيفة إلى هجوم شنّته "طالبان"، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في ولاية فراه غربي أفغانستان، تبيّن فقط بعد أن تم استدعاء الدعم الجوي الأميركي لإنهائه أنّ إيران تقف وراءه.
وقال مسؤولون في المخابرات الأفغانية إنّ أربعة من كبار الكوماندوز الإيرانيين كانوا من بين عشرات القتلى في الضربة التي استهدفتهم، مشيرين إلى جنازاتهم في إيران، في حين جرى نقل كثير من القتلى والجرحى من "طالبان"، عبر الحدود القريبة مع إيران، حيث تم تجنيدهم وتدريبهم، وفقاً لما ذكره شيوخ القرى لمسؤولي المقاطعات الأفغانية.
ووفق الصحيفة، فقد كان هذا الهجوم، المنسق مع هجمات على مدن عدة أخرى، جزءاً من محاولات "طالبان" الأكثر طموحاً منذ عام 2001 لاستعادة السلطة، ولكنّه كان أيضاً جزءاً من حملة إيرانية متسارعة، لملء فراغ تركته القوات الأميركية، وأكبر اندفاع لإيران في أفغانستان منذ عقود.
لكن في الوقت نفسه، تنقل الصحيفة عن ناصر هراتي، أحد ضباط الشرطة خارج ولاية فراه، قوله إنّ "إيران لا تريد الاستقرار هنا. الناس هنا يكرهون العلم الإيراني، ومستعدون لإحراقه".
واستناداً إلى ما كشفه مسؤولون أفغان وغربيون، تورد "نيويورك تايمز"، أمثلة عن دعم إيران لحركة "طالبان" في أفغانستان، والذي بدأ يظهر أخيراً إلى العلن، مشيرة إلى أنّ طهران تزود عناصر الحركة بالأسلحة والمال والتدريب والوقود لشاحناتهم، وعرضت ملاذاً لقادتهم، وعمدت إلى تجنيد اللاجئين الأفغان السنة في صفوفهم بشكل خفي.
وقال محمد عارف شاه جيهان، المسؤول الاستخباراتي رفيع المستوى، والذي تولى مؤخراً منصب حاكم مقاطعة فراه، للصحيفة: "لقد تغيرت السياسة الإقليمية". وأضاف أنّ "أقوى طالبان هنا هم طالبان إيران".
وذكّرت الصحيفة بأنّ إيران كادت في السابق أن تدخل في حرب مع "طالبان" عندما قتلت الأخيرة 11 دبلوماسياً إيرانياً وصحافياً حكومياً في عام 1998، ودعمت بعد ذلك المعارضة المناهضة لـ"طالبان"، وتعاونت في البداية مع التدخل الأميركي في أفغانستان الذي أزاح الحركة من السلطة.
ولكن مع توسع بعثة "الناتو" في أفغانستان، بحسب الصحيفة، بدأ الإيرانيون بهدوء بدعم حركة "طالبان" لاستنزاف الأميركيين وحلفائهم، ورفع تكلفة تدخلهم حتى يغادروا، إذ تحّولت إيران لاعتبار حركة "طالبان" ليس كأقل أعدائها فقط وإنماً أيضاً كقوة بديلة مفيدة.
وفي المقرّ الرخامي الفارغ للسفارة الإيرانية في كابول، ينفي السفير محمد رضا بهرامي، لـ"نيويورك تايمز" أن تكون إيران قد دعمت حركة "طالبان"، مؤكداً أنّ أكثر من 400 مليون دولار استثمرتها طهران لمساعدة أفغانستان على دخول الموانئ في الخليج العربي.
لكن وزارة الخارجية الإيرانية، والحرس الثوري الإيراني، يعملان كأسلحة مكملة للسياسة: الوزارة لبذر نفوذ اقتصادي وثقافي علني، والحرس لممارسة قوة تخريبية من وراء الكواليس.
وكشف مسؤولون أفغان للصحيفة أنّ إيران أرسلت فرقاً من القتلة، وقامت بتجنيد الجواسيس سرّاً، وتسللت إلى صفوف الشرطة والإدارات الحكومية، لا سيما في المقاطعات الغربية.
حتى إنّ القائد الأعلى لـ"الناتو" في أفغانستان، الجنرال سير ديفيد ريتشاردز من بريطانيا، اكتشف أنّ إيران قد جندت مترجمه دانيال جيمس، وهو مواطن بريطاني إيراني. وحُكم على جيمس بالسجن 10 سنوات بتهمة إرسال رسائل مشفرة إلى الملحق العسكري الإيراني في كابول، خلال توليه مهامه في عام 2006.
وذكرت الشرطة الأفغانية أنّها اعتقلت 2000 شخص، ضمن عمليات مكافحة الإرهاب في مدينة هراة، قرب الحدود الإيرانية، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وكثير منهم مقاتلون مسلحون، ومجرمون يقيمون مع أسرهم في إيران، ويدخلون أفغانستان لتنفيذ هجمات على رجال الشرطة أو المسؤولين الحكوميين.
وتنقل "نيويورك تايمز"عن مسؤولين أفغان قولهم إنّ إيران تقوّض الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية ومهمة الولايات المتحدة بكاملها، وتحافظ على نفوذها في أفغانستان عبر إبقاء هذا البلد ضعيفاً وغير مستقل يعتمد على غيره.
ويقول فرهاد نيايش العمدة السابق لمدينة هراة، للصحيفة، إنّ "الإيرانيين يستخدمون قنصليتهم في المدينة كقاعدة للبروباغندا وابتكار أنشطة إرهابية"، مضيفاً أنّ "إيران لها دور مهم في الهجمات الإرهابية في هراة حيث تم القبض على ثلاثة أو أربعة إيرانيين، كانت لديهم خطة تستهدف المسؤولين الحكوميين الذين لا يعملون لمصلحتهم".
ومستندة إلى تهديد تنظيم "داعش" الإرهابي كذريعة، فإنّ إيران قد تلجأ بمساعدة روسيا إلى تعميق حرب بالوكالة في أفغانستان، قد تقوض حكومة الوحدة التي تعاني بدورها مسبقاً، بحسب الصحيفة.
وفي الوقت الراهن، وجدت إيران وروسيا، في أفغانستان، قضية مشتركة مشابهة لشراكتهما في سورية، بحسب ما يحذر مسؤولون أفغان رفيعو المستوى وغيرهم.
وفي هذا الإطار، حذر وزير الخارجية الأفغاني السابق رانجين دادفار سبانتا، من أنّ أفغانستان معرضة لخطر أن تصبح ساحة من ساحات الصراع السني الشيعي في المنطقة. وقال إنّه "يجب على أفغانستان أن تبقى بعيدة من التنافس بين القوى الإقليمية. نحن عرضة للخطر".
وحذّر محمد عاصف رحيمي حاكم هراة من أنّ سقوط ولاية فراه بيد "طالبان" يعني أنّ المنطقة الغربية برمتها لأفغانستان على حدود إيران، ستكون مفتوحة أمامهم، منبّهاً إلى أنّ تدخل إيران قد ازداد إلى حد يجعل البلاد كلّها عرضة لسيطرة "طالبان" وليس هذه الولاية فقط.
غير أنّ سيناريو كهذا من الممكن منعه، برأي محمد عارف شاه جيهان، المسؤول الاستخباراتي رفيع المستوى، والذي تولى مؤخراً منصب حاكم مقاطعة فراه، قائلاً إنّ "الحقيقة هي أنّ أميركا خلقت هذا الفراغ. هذا الفراغ شجع البلدين على الانخراط. القضية السورية أعطت الثقة لإيران وروسيا، وهذه الثقة تؤدي دورها حالياً في أفغانستان".