انتقادات حادة واجهها "متحف بروكلين"، في نيويورك، خصوصاً رئيسته آن باسترناك، من قبل فنانين وناشطين، لاحتضانها معرضاً فوتوغرافياً بعنوان "هذا المكان"، والذي اختتم مطلع الأسبوع الجاري.
تظاهر عديدون داخل القاعة كما خارجها احتجاجاً على إقامة فعالية قُدِّمت على النحو التالي: "يسبر المعرض تعقيدات "إسرائيل" والضفة الغربية، كمكان وكرمز، من خلال أعين اثني عشر مصوّراً عالمياً، يقدّم أكثر من 600 صورة"، بينما رحّب به الإعلام السائد المنحاز لدولة الاحتلال، مثل "نيويورك تايمز"، حيث خصّصت إحدى مقالاتها الرئيسة حول الفرنسي فريدريك برينر (1959)، وهو الفنان الذي أقام المعرض ونفّذ فكرته وجنّد الأموال له، مع إشارة إلى دعوته فنانين إسرائيليين وفلسطينيين للاشتراك فيه، لكن الفلسطينيين رفضوا عرضه.
ومن المعروف أن برينر كرّس أغلب مشاريعة الفنية لتصوير الجاليات اليهودية حول العالم، بما فيها تلك التي تعيش في القدس المحتلة، وخاصة اليهود "الحريديم" (المتديّنون)، حيث يعيش هو هناك جزءاً من السنة.
عُرضت الأعمال أولاً في تل أبيب وبعدها في متاحف مختلفة قبل أن تصل إلى "بروكلين"، وتمكن برينر من رصد 6 ملايين دولار من "أثرياء أميركان يهود ليبراليين"، كما يوضّح في في إحدى المقابلات معه. لكنه لا يذكر أن بعض هؤلاء المتبرّعين هم داعمون لمؤسسات صهيونية وفعاليات تدعم جيش الاحتلال ومؤسساته.
في البداية، دعا ثلاثين مصوّراً من دون التزامات من جانبهم، للذهاب في رحلة إلى فلسطين المحتلة واللقاء مع مؤسسات محلية للاطلاع على واقعها والبحث عن موضوع.
حصل المصوّرون الذين وافقوا على الانضمام للمشروع على "حرية" في اختيار مواضيعهم. كما نال كل منهم منحة بمقدار 70 ألف دولار للبحث والسفر وتغطية تكاليف سفراتهم إلى فلسطين.
ولكن هذه "الحرية" ارتبطت في الوقت ذاته بموافقة مبدئية لبرينر على تلك المواضيع. فهو رفَض، مثلاً، اقتراحاً للمصوّرة ويندي إيوالد لتصوير مشروع تعمل من خلاله على توثيق حياة الفلسطينيين في حي سلوان في القدس المحتلة، وهو أحد الأحياء المتاخمة للبلدة القديمة التي تتعرض الآن إلى اعتداءات المستوطنين. لكنه عاد ليوافق عليه بعدما وسّعت فكرته، واعتمدت فيها على تعليم أطفال ونساء من مناطق مختلفة على التصوير والتقاط صورة يومية من حياتهم ثم قامت بمونتاج تلك الصور وعرضها مع شهادات لهم، بعضها حول معيشة المقادسة تحت الاحتلال.
أما صور جوزيف كوديلكا عن جدار الفصل العنصري فعكست كابوسيّته، وحاولت التعامل معه بشكل نقدي. كما جاءت صور فاصل شيخ (مواليد نيويورك) عن مشاريع "إزهار الصحراء" وتهجير بدو فلسطين من أراضيهم بحجة محاولة استصلاح الأراضي الصحراوية.
وتمكّن هؤلاء الفنانون الثلاثة من إكمال مشاريع كتب، خارج إطار المعرض، تعتمد على فترة عملهم وتشير إلى الواقع الاستعماري الذي تمثله "إسرائيل".
لكن الزائر يشعر بـ"ضياع" أعمالهم الثلاثة وسط بقية الأعمال التي أخرجت كلمة احتلال واستعمار ونكبة وفلسطين من قاموسها وتعاملت معها كـ"مكان محايد" فيه روايات متعددة تتساوى مصداقيتها، كأن يصوَّر المستوطنون في صور عائلية وديعة، لا علاقة لها بما تقترف أيديهم من دمار وملاحقات للفلسطينيين.
إن الربط بين العمل الفنّي وبين الإطار الذي يقدّم من خلاله مهم لقراءة أي مشروع ثقافي/ فنّي. الخطورة في معارض من هذا القبيل ليس فقط ادعاءها "الحيادية" وجذبها أسماء كبيرة لمصوّرين، في الغرب على الأقل، بل في تحويل وتمويه موضوع الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني لفلسطين إلى مجرد رواية توضع بجانب روايات أخرى تساوي بين المستعمِر والمستعمَر.
اتخذ المعرض من أرض فلسطين ثيمة دون أن يرد اسمها في التقديم. ويسقط هؤلاء الفنانون، بوعي أو من دونه، في فخ تكريس الفن في خدمة الدعاية السياسية للاحتلال وإعطاءها شرعية.