في عام 2006، أعيد اكتشاف الكاتب المصري وجيه غالي (1929 – 1969) بعد صدور ترجمة روايته الوحيدة "بيرة في نادي البلياردو" التي صدرت باللغة الإنكليزية أثناء إقامته في منفاه اللندني عام 1964، وقد أثار العمل المترجم ردود فعل مرحّبة لأسباب عديدة.
عبّرت الرواية عن لحظة مكثفة من الاغتراب يعيشها بطلها في مصر الستينيات حيث المفارقات الكبرى بين الشعارات السياسية المعروفة وبين الواقع، والتي تقترب من سيرة حياة كاتبها الغامضة -إلى حد ما- حيث لا تاريخ محدّد لولادته، كما أن لديه أفكاراً ومشاعر مختلطة فهو اليساري ابن الطبقة الثرية التي فقدت ثروتها بعد التأميم، فاضطر إلى أن يترك مصر، ويعيش خارجها حتى انتحاره.
تصدر قريباً عن "الكتب خان" الترجمة الكاملة ليوميات وجيه غالي التي صدرت بالإنكليزية عن "منشورات الجامعة الأميركية" في القاهرة عام 2016، ونقلها إلى العربية المترجم المصري محمد الدخاحني.
تُغطّي اليوميات السنوات الخمس الأخيرة في سيرة صاحبها، وتعرض في جزءين أحداثاً كثيرة تعكس نمط عيشه في ألمانيا وبريطانيا وملامح الحياة فيها آنذاك، لكنه لا يفسّر كثيراً منها حيث تظلّ ملتبسة مثل حصوله على وظيفة في الجيش البريطاني، وأسباب تركه المدينة التي كان يقيم فيها غرب ألمانيا.
كما تكشف تفاصيل عن حياته الشخصية، وآرائه وانطباعاته عن الأدب والسينما والمسرح وشؤون العالم، والصراعات الداخلية الني كان يعيشها من كتابة قطعة أدبية جديرة بالاحترام، وجدالاته المعمقة حول المرحلة التي كان يمُرّ بها العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً، إلى جانب مغامراته العاطفية.
يُغطي الجزء الأوّل الفترة من 1964 إلى 1966، والثاني الفترة من 1966 إلى 1968، حيث انتحر في كانون الثاني/ يناير من العام اللاحق في شقة صديقته ديانا أثيل، ووضع وصية مكتوبة يطلب فيها من صديقته أن تُحرّر يوميّاته وتنشرها، إلاّ أن ديانا لم تقم بذلك، واكتفت بنشر مذكّراتها معه بعنوان "بعد الجنازة" (1986).
ويروي الكاتب المصري في مذكراته انخراطه في نشاط شيوعي دون أن يحدد انتسابه إلى حزب محدّد، فترفض السلطات المصرية تجديد جواز سفره، ما يضطره للهرب إلى ألمانيا عام 1958، ومنها إلى بريطانيا، وقد انضم هناك إلى عدد من الحركات اليسارية الراديكالية.
في لحظة عصيبة، لم يحتمل فيها انكساراته وخيباته المتعدّدة وكآبته، ابتلع غالي عشرات الحبوب المنوّمة، وكتب في وصيته: ".. واللحظة الأكثر درامية في حياتي – اللحظة الوحيدة الأصيلة- هي خذلان مريع. لقد ابتلعت موتي بالفعل، يمكنني تقيؤه لو أردت، وبأمانة وإخلاص لا أريد ذلك، إنها لمتعة، أنا لا أفعل ذلك في حزن ودون سعادة، ولكن على النقيض، أفعل ذلك في سعادة، بل وفي (حالة وجودية وكلمة أحببتها دائماً) طمأنينة... طمأنينة".