في عام 2007 طرحت حكومة أحمد نظيف في مصر بنك القاهرة المملوك للدولة للبيع أمام المستثمرين، ورغم أن سيناريو بيع البنك الحكومي لم يختلف كثيراً عن سيناريو بيع أول بنك قطاع عام في البلاد في نهاية 2006، وهو بنك الإسكندرية.
الا أن الملاحظة التي أثارت انتباهي في ذلك الوقت هي حدة الهجوم على قرار الحكومة بيع بنك القاهرة من قبل أطراف رسمية محسوبة على النظام نفسه، وكذا من قبل وسائل إعلام قريبة من السلطة، إضافة لحملة شرسة قادتها صحيفة معارضة كبرى رغم أن الحزب الصادر عنه الصحيفة يؤمن بسياسات الاقتصاد الحر وإعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في الحياة الاقتصادية.
ساعتها استغربت الهجوم الحاد على قرار خصخصة البنك الحكومي، وأثار الأمر فضولي ومثل لغزاً كبيراً بالنسبة لي، خاصة وأنني لم أقتنع بمبررات الهجوم، كان التفسير السريع الذي طرح أمامي في ذلك الوقت هو أن بنك القاهرة يمثل قيمة معنوية واقتصادية لمصر، فهو ثالث أكبر بنك في البلاد بعد البنكين الأهلي المصري ومصر، ويمتلك قاعدة كبيرة من العملاء ويساهم في دعم الاقتصاد المصري، خاصة قطاعات الصناعة والسياحة والمقاولات.
كما أن للبنك الحكومي رمزية تاريخية حيث تأسس عقب ثورة 1952 مباشرة، وبذلك يكون أول بنك مصري يتم تأسيسه عقب انتهاء الاحتلال البريطاني للبلاد وبقرار من مجلس قيادة الثورة.
كما طرح البعض تفسيرات أخرى منها أن المديونيات المتعثرة الضخمة لدى بنك القاهرة باتت تهدد أموال المودعين، وأن البنك بات يمثل عبئا شديداً على الدولة والبنك المركزي، ولذا يجب التخلص منه وبيعه للقطاع الخاص ليتحمل مسؤوليته ويديره بشكل كفء.
إلا أن هذه التفسيرات لم تقنعني، وتساءلت ساعتها: ولماذا إذن تم بيع بنك الإسكندرية رابع أكبر بنك في البلاد، خصوصاً أن القيمة الاقتصادية والتاريخية لهذا البنك لا تقل عن قيمة بنك القاهرة، كما أن حجم البنكين وعدد عملائهما وفروعهما وأصولهما متقارب.
وظللت أبحث عن السبب الحقيقي وراء حدة الهجوم على قرار بيع بنك القاهرة، فعرفت أن وزير الدفاع حينئذ، المشير محمد حسين طنطاوي، هو من أفشل صفقة بيع البنك للحيلولة دون سيطرة الأجانب على مزيد من وحدات القطاع المصرفي، وأنه هاجم رئيس الحكومة خلال اجتماع مجلس الوزراء بالقرية الذكية، حينما وجه كلامه لرئيس الوزراء أحمد نظيف، قائلا له "كفاية بيع بنوك للأجانب".
كان هذا في بداية شهر أغسطس/آب عام 2007 .. ساعتها عرفت أن صفقة بيع بنك القاهرة لن تتم، وسيتم إيقاف عملية البيع ليس بسبب غضبة الرأي العام التي غذتها الصحافة والفضائيات، ولكن بسبب مراعاة السلطة لغضبة المشير طنطاوي التي خرجت في لحظة نادرة حيث لم تحدث من قبل.
وجرى ما جرى بعد ذلك في العام 2008 حينما قررت الحكومة السير في إجراءات الصفقة حفاظا على مصداقيتها أمام المستثمرين الأجانب، الا أن ما كان متفقا عليه في الغرف المغلقة حينئذ هو رفض أي عرض مقدم من البنوك العربية أو الأجنبية لشراء بنك القاهرة، حتى ولو كان مقبولاً تحت بند أن العروض المالية المقدمة غير مناسبة، وأنها تقل عن القيمة السوقية التي حددتها اللجنة المسؤولة عن البيع والتي كان يرأسها المستشار أحمد حسان نائب رئيس مجلس الدولة في ذلك الوقت.
وقد كشف وزير الشباب الأسبق وأمين إعلام الحزب الوطني المنحل، علب الدين هلال، يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2015، جزءاً من هذه التفاصيل، حينما قال في برنامج تلفزيوني إن مجلس الوزراء في عهد مبارك، ناقش قضية بيع بنك القاهرة، إلا أن المشير طنطاوي اعترض وقتها بسبب تحفظه على منظومة الخصخصة.
وحسب كلام هلال، فإن المشير طنطاوي قيل له وقتها "خليك في حالك"، بالطبع ربما يكون قد صدر هذا الكلام من الفريق الذي يقوده جمال مبارك والمتحمس لعملية البيع، ويبدو أيضاً أن هذا الفريق لم يؤخذ برأيه في استكمال صفقة بيع بنك القاهرة، والدليل ما جرى بعد ذلك، كما تحدث مصطفى بكري، عن واقعة المشير بعدها وسرد تفاصيلها.
الآن وبعد مرور 7 سنوات من قرار تجميد خطة بيع بنك القاهرة، عادت الحكومة لتفتح مجدداً ملف بيع البنوك، حيث أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير علاء يوسف، يوم الاثنين الماضي أن الحكومة قررت بيع عدد من البنوك والشركات التابعة للدولة.
صحيح أن عملية البيع الجديدة التي كشف عنها يوسف، لن تمتد لأكبر بنكين هما الأهلي المصري ومصر كما قال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، لكن قد تمتد لمصارف أخرى تسيطر الدولة على 100% من أسهمها مثل المصرف المتحد وبنك الاستثمار العربي، وربما تمتد لبنك القاهرة نفسه الذي كان المشير طنطاوي أحد أسباب فشل عملية بيعه للأجانب، أو قد تمتد لمصارف ناجحة مثل البنك العربي الأفريقي الدولي، أو لحصة الدولة في بنك الإسكندرية البالغة 15% من رأس المال.
والسؤال المطروح هنا هو: هل موقف المشير طنطاوي في 2007 الرافض بيع مزيد من البنوك المصرية للأجانب كان موقفا شخصيا، أم كان يعبر عن المؤسسة العسكرية؟
اقرأ أيضا: مصر تعود لخصخصة المصارف