ازدادت أزمة المياه سوءاً في العراق، ما دفع الأهالي الذين لم تعد تصلهم المياه إلى حفر الآبار لتوفير المياه في بلد عُرف طويلاً بنهريه العظيمين
بالرغم من أنّ نهري دجلة والفرات يمتدان من شمال العراق إلى جنوبه، فإنّ ذلك لا يمنع عن العراق التحوّل إلى واحد من أكثر بلدان المنطقة تأزماً على مستوى المياه. ويشير الواقع إلى خللٍ كبير في توزيع الحصص المائية بين المحافظات من جهة وبين الأحياء داخل المحافظة الواحدة من جهة أخرى.
يسوء الوضع أكثر في العاصمة العراقية بغداد إلى حدّ اعتماد بعض أحياء المدينة على حفر الآبار لسحب المياه الجوفية من عمق الأرض إلى السطح بالاعتماد على المضخات البسيطة. وتتضح الأزمة عاماً بعد آخر، خصوصاً مع استمرار استغلال دول الجوار مياه العراق وبناء السدود من دون مشاورة بغداد أو رسم سياسة مائية مشتركة معها، مع ضمان الحصة المائية لبلاد الرافدين التي تشهد بين فترة وأخرى احتجاجات تطالب بخدمات من ضمنها المياه الصالحة الشرب. ولعلّ احتجاجات مدينة البصرة عام 2018 التي واجهتها السلطات الأمنية بالقمع والعنف كان من أبرز مطالبها توفير المياه.
في حي المهدية في منطقة الدورة ببغداد، لم تعد هناك حاجة لفتح صنابيرالمياه، فقد انقطعت بشكلٍ نهائي عن الأهالي، واعتمدوا على الآبار التي تعينهم في شؤون حياتهم، بحسب المواطن علي الجبوري. يقول لـ"العربي الجديد": "أزمة المياه في الدورة ليست عادية، ولم تعد المناشدات والمطالبات تساعد في شيء لانتشال الأهالي من هذا الواقع". يضيف أنّه في "السنوات الماضية كان الأهالي يعتمدون على الخزانات الكبيرة من أجل تخزين المياه لفترات الشح، لكن منذ حوالي عام لم تعد قطرة مياه واحدة تصل إلى أحياء الدورة، ما دفع الأهالي إلى حفر الآبار". يتابع أنّ "أكثر من مسؤول محلي زاروا الأحياء واطلعوا بأنفسهم على الأوضاع المتردية لكن من دون جدوى، مع العلم أنّ الدورة منطقة تحاذي نهر دجلة في الأصل، ومن السهل إمدادها بالمياه عبر تأسيس منظومة مياه جديدة".
من جهته، يقول بكر الطيب، وهو من أهالي حي الرضوانية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أزمة الرضوانية مع المياه تتجدد مع بدء كلّ موسم صيف، إذ تنقطع تماماً، ما يدفع الأهالي إلى حفر الآبار، في مشهد يعيدنا مئات السنين إلى الوراء. مع ذلك، فإنّ المياه التي تستخرج من الآبار تحتوي على نسبة عالية من الكبريت، ما يجعلها غير صالحة للشرب أو الطهي، وتستخدم فقط لغسل الملابس وبعض الاستخدامات الأخرى". يضيف لـ"العربي الجديد": "بعض الأسر العراقية تشترك مع أسر أخرى في سبيل حفر البئر الواحد، الذي ارتفع سعر حفره إلى 500 دولار أميركي، بعدما لم يكن يتجاوز 150 دولاراً".
في الزعفرانية، وهو حي آخر في بغداد، ليست الحال أفضل. يقول الأستاذ الجامعي، أحمد علي، إنّ "العراق يعيش منذ سنوات عدة أزمة مياه آخذة بالتصاعد، لكن خلال العام الحالي ظهرت ملامحها بشكلٍ كبير". يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة المحلية تقول إنّ حلّ أزمة المياه هو ضمن صلاحيات الحكومة الاتحادية، وهذه الأخيرة لا يصلها صوتنا، ولا نعرف إلى أين نتجه، لذلك وجدنا أن الآبار الارتوازية هي الحلّ المتوفر".
بدوره، يشير المهندس في وزارة الموارد المائية العراقية، حيدر عبد الكريم، إلى أنّ "سبب شح المياه وانقطاعها عن كثيرٍ من الأحياء في بغداد يرجع إلى التجاوزات من قبل بعض المسؤولين المحليين الذين يريدون تغذية مناطقهم بالمياه على حساب المناطق الأخرى"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوزارة كانت قد خاطبت الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي من أجل الشروع بحملة منع ومعاقبة المتجاوزين على الحصص المائية الخاصة بالمواطنين، لكنّ التظاهرات واستقالة عبد المهدي حالت دون الاستمرار بالخطة، بالإضافة إلى أنّ الوزارة لا يمكنها العمل على معالجة التجاوزات من دون التنسيق مع أجهزة الأمن". يضيف أنّ "العراق لا يعاني من شح في المياه الصالحة للاستهلاك البشري، إنّما لدينا بعض المشاكل التقنية في الحفاظ على الحصص المائية للمناطق ومنع أشكال التجاوز". ويقول: "رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي على علمٍ ودراية بالمشاكل الخدمية التي تعاني منها العاصمة بغداد، تحديداً المياه، ويعرف تماماً أنّها مشكلة مركّبة، وبالتالي من غير المنصف رمي كرة الإخفاق في ملعب وزارة الموارد المائية وحدها".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد كشفت، العام الماضي، أنّ السلطات العراقية لم تضمن على مدى نحو 30 عاماً حصول العراقيين على كفايتهم من مياه الشرب المأمونة، ما أدى إلى استمرار المخاوف الصحية، ليصل هذا الوضع إلى ذروته مع أزمة مياه حادة تسببت بدخول 118 ألف شخص على الأقل في مدينة البصرة إلى المستشفى عام 2018، وأدت إلى احتجاجات عنيفة.