عذاب من نوع خاص أن يكتشف والدان إصابة ابنهما بداء "التوحد"، خاصة إن لم يسبق لهما أن واجها مثل هذا المرض الذي تتضرر بسببه الأسرة كلها.
تقول السيدة الجزائرية سكينة (42 سنة) لـ"العربي الجديد"، عن مرض ابنها: "لا نعرف ما به، لا يمكننا التجاوب معه، وفي غالب الأحيان لا يتكلم. الأمر كان مخيفا في السنة الثالثة من عمر رامي". تبكي ابنها بحرقة لأنه ليس مثل غيره من الأطفال.
معاناة كبيرة تعيشها العائلات التي تضم طفلا "متوحدا" حسب قول عدد من الأمهات لـ"العربي الجديد"، لأسباب منها نقص تكوين المختصين في الداء على مستوى المراكز الخاصة بأمراض الطفولة والمعاقين ذهنيا.
وتأسف سكينة، أن مرض التوحد أصاب عشرات من أمثال ابنها، "هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى رعاية خاصة تنقذهم من العيش على هامش المجتمع، خصوصا عند وصولهم إلى سن الدراسة".
وتقول المختصة النفسية، نورية بودهان لـ"العربي الجديد" إن "كثيراً من الأمهات يرفضن قبول الواقع. يرفضن حتى قبول أن حالة الطفل ناجمة عن مشاكل نفسية تعرضت لها الأم أثناء الحمل"، لافتة إلى أن "الأسر الجزائرية تعيش انفجارا اجتماعيا بسبب مشاكل قد تبدو كبيرة لكنها في النهاية مشاكل عابرة وتافهة" على حد تعبيرها.
طبياً، يعتبر التوحد نوعاً من الخلل في الجهاز العصبي يؤثر بدوره على النمو العقلي والإدراكي للطفل، وهو ما "يجعل الأهل أمام امتحان عسير" بحسب المختص في علم النفس العيادي، السعيد شيكور، والذي يوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الطفل المتوحد في مرحلته الأولى، قبل بلوغه خمس سنوات، يجد صعوبة في التواصل الاجتماعي واللغوي، مما يدفع بالأمهات إلى الاجتهاد في التعامل معه وربطه بعالمه الخارجي كالعائلة، لكن عندما يصل إلى سن المدرسة يجد مصاعب أكبر في التأقلم مع زملائه".
ويضيف "في المقابل هؤلاء الأطفال شديدو الذكاء، ويستوعبون الأمور الحسابية على وجه خاص، لكن المرض يهضم حقوق العشرات منهم في مواصلة حياتهم الطبيعية".
ويقترح شيكور، لعلاج هذا الداء "ضرورة التنسيق بين عدة هيئات، منها وزارات الصحة والتربية والتضامن الوطني، من أجل توعية الأسرة للتعامل مع الطفل المصاب بالتوحد، ووضع برامج خاصة لللأطفال وعائلاتهم، ووضع برامج تربوية متخصصة تساهم في إعطاء هؤلاء حقوقهم في التعليم ومواصلة الحياة".
وبلغة الأرقام، وصل عدد المصابين بالتوحد في الجزائر إلى 45 ألف طفل، حسب إحصاءات غير رسمية، كما عكفت الحكومة الجزائرية عن طريق وزارة التضامن الوطني والأسرة، على تدريب مختصين لمعالجة مرضى التوحد، فضلا عن تدشين مراكز متخصصة على مستوى عدة ولايات.
ودعت جمعية "أطفال التوحد" بمنطقة بئر توتة في العاصمة الجزائرية، إلى ضرورة التكفل بهؤلاء الأطفال الذين يجدون صعوبات كبيرة في التكيف مع الآخرين، وأكدت الطبيبة سارة بلغيش، لـ"العربي الجديد"، أن الطفل التوحدي يحتاج إلى مهارات تعليمية عن طريق التدريب والتلقين والمساعدة، فضلا عن توعية الوالدين والأسرة ككل بهواجس الطفل التوحدي وكيفية إكسابه مهارات دون إهدار قدراته العقلية، ومنحه فرصته في العيش دون الإشارة إلى أنه "معاق".