27 سبتمبر 2018
أحادية النظر: عن الإمبريالية
تتعدّد المؤثّرات في الواقع. ولهذا عواملُ متعدّدةٌ هي التي تُنتج ما هو قائم. كل مشكلة هي نتاج أكثر من سبب، وكل فشل هو نتاج أكثر من عامل. وحين نركّز على عاملٍ واحد، نكون قد سرنا في تفسيراتٍ لا تُفضي إلى نتائج جدّية، فالواقع متعدّد التفاعلات، على الرغم من اختلاف مستويات تأثير كل منها، ويحوي تناقضات متعدّدة، على الرغم من اختلاف مستويات حدّتها. لهذا، حين نميل إلى التركيز على واحدٍ منها نكون قد ابتسرنا الواقع، وتوصلنا إلى نتائج خاطئة.
في تفسير تخلفنا، وبؤس وضعنا، وعجزنا عن التطور، يُلقى اللوم على آخر. وكان هذا الآخر هو الاستعمار، ثم الإمبريالية، وربما حتى "الغرب" عموماً. لكنه أصبح أيضاً هو النظم الاستبدادية الشمولية، ليس النظم التي حكمت بعد الاستقلال، بل تلك التي أزاحتها تحت شعارات الحرية والاشتراكية. وربما سنجد آخرَ نلقي اللوم عليه، إذا ما استنفد الآخر القائم قدرته التبريرية، حيث يبدو أن "العقل العربي" يحتاج آخر في كل الأحوال.
ما يبدو هنا هو إخراج الذات من كل مساءلة، الذات بمعنى المجتمع، والذات بمعنى الفرد والحزب. وعلى الرغم من تناقض الذين يحمّلون الاستعمار والإمبريالية ما نحن فيه مع الذين يحمّلون النظم الاستبدادية ما وصلنا إليه، فإن المنطق الذي يحكم كلا منهما واحد، حيث يسود النظر الأحادي، وهو النظر الذي يحكم تبرير الذات. يحكم إخراج الذات من كل مساءلة. لنبدو بلا رأي أو رؤية أو قرار أو فاعلية. وليصبح ما نحن فيه هو من فعل آخر. نحن بالتالي مفعول به، هكذا دائماً.
للآخر دور بلا شك، وكان فاعلاً، لكن هذا لا يعني أن يُلقى كل اللوم، ويعاد كل الفشل إلى هذا الآخر، فقد عمل الاستعمار على تخلفنا لأنه كان يريد السيطرة والحصول على المواد الأولية والأسواق، لهذا كان يكيّف البنى المحلية بما يخدم مصالحه هذه، وقد وجد طبقة محلية تتعاون معه، وتستفيد من وجوده. وما زالت الرأسمالية تريد السيطرة والنهب، وتسعى، بما تستطيع، لكي تبقي المجتمع في وضعيةٍ تخدم مصالحها بالتعاون مع طبقةٍ مسيطرة. وما زالت تكيّف البنى المحلية بما يخدم مصالحها. هذا هو الصراع على العالم من أجل المصالح، وهو حقيقة مستمرّة، وتعني أن الرأسمالية تريدنا كما نحن الآن، ولا تريد لنا التطور والاستقلال. ولهذا، تسعى، بكل الوسائل، لكي نبقى كما نحن، غارقين في التخلف والتفكّك، والجهل.
لكن أن نقف عند هذه النقطة، لكي نسترسل في خطابات الردح أو التبرير، فهو الأمر الذي يجب أن يكون مجال نقد، فلا شك في أن الأثر الإمبريالي كبير، خصوصاً أنه أسَّس لطبقة محلية تابعة تتشابك مصالحها مع مصلحة الرأسمالية، لكن يمكن بناء قوى ذاتية قادرة على تغيير الوضع. هذا ما يجري تجاهله، وهذا ما حدث في أطرافٍ كثيرة في العالم، حيث استطاعت الشعوب أن تتحرّر وأن تتطوّر. القوى الذاتية تتشكل عادة من "نخب" تعرف ما تريد، وتعرف واقعها، وبالتالي تعرف كيف تنتصر، معتمدة على "وضع الشعب" الذي يعاني من الإفقار والتخلف، والذي يدفعه ذلك كله إلى التمرّد، هذه الحالة التي هي "طبيعية"، حيث يريد الشعب القدرة على العيش. لكن سنلمس أن من ينوح على الدور الإمبريالي، والأثر الإمبريالي، هو هؤلاء الذين عليهم أن يغيّروا، فبدل أن يعرفوا الواقع، ويحدّدوا آليات تغييره يميلون إلى الرّدح على من سبّب الوضع الراهن. والردح لا يفيد شيئاً، ولا يغيّر في الوضع القائم، بل يدلّ على قصورٍ كبير في الوعي والنضالية، فالسيطرة الرأسمالية التي أفرزت التخلف أفرزت الفقر والتهميش، والميل إلى الثورة كذلك. وبالتالي، فإن تجاوز "الوضع الإمبريالي" يفترض الفاعلية الذاتية المرتبطة بالصراع الطبقي. ولما كان الصراع الطبقي متحفزاً، وانفجر في أكثر من لحظةٍ على مسار تاريخ طويل، فإن الأزمة كمنت في "النخب" التي لم تستطع أن تمتلك الوعي الكافي لفهم واقع الشعوب، وأزماتها، ولرسم إستراتيجيةٍ تفضي إلى انتصارها، ومن ثم تنخرط في الصراع معها.
في تفسير تخلفنا، وبؤس وضعنا، وعجزنا عن التطور، يُلقى اللوم على آخر. وكان هذا الآخر هو الاستعمار، ثم الإمبريالية، وربما حتى "الغرب" عموماً. لكنه أصبح أيضاً هو النظم الاستبدادية الشمولية، ليس النظم التي حكمت بعد الاستقلال، بل تلك التي أزاحتها تحت شعارات الحرية والاشتراكية. وربما سنجد آخرَ نلقي اللوم عليه، إذا ما استنفد الآخر القائم قدرته التبريرية، حيث يبدو أن "العقل العربي" يحتاج آخر في كل الأحوال.
ما يبدو هنا هو إخراج الذات من كل مساءلة، الذات بمعنى المجتمع، والذات بمعنى الفرد والحزب. وعلى الرغم من تناقض الذين يحمّلون الاستعمار والإمبريالية ما نحن فيه مع الذين يحمّلون النظم الاستبدادية ما وصلنا إليه، فإن المنطق الذي يحكم كلا منهما واحد، حيث يسود النظر الأحادي، وهو النظر الذي يحكم تبرير الذات. يحكم إخراج الذات من كل مساءلة. لنبدو بلا رأي أو رؤية أو قرار أو فاعلية. وليصبح ما نحن فيه هو من فعل آخر. نحن بالتالي مفعول به، هكذا دائماً.
للآخر دور بلا شك، وكان فاعلاً، لكن هذا لا يعني أن يُلقى كل اللوم، ويعاد كل الفشل إلى هذا الآخر، فقد عمل الاستعمار على تخلفنا لأنه كان يريد السيطرة والحصول على المواد الأولية والأسواق، لهذا كان يكيّف البنى المحلية بما يخدم مصالحه هذه، وقد وجد طبقة محلية تتعاون معه، وتستفيد من وجوده. وما زالت الرأسمالية تريد السيطرة والنهب، وتسعى، بما تستطيع، لكي تبقي المجتمع في وضعيةٍ تخدم مصالحها بالتعاون مع طبقةٍ مسيطرة. وما زالت تكيّف البنى المحلية بما يخدم مصالحها. هذا هو الصراع على العالم من أجل المصالح، وهو حقيقة مستمرّة، وتعني أن الرأسمالية تريدنا كما نحن الآن، ولا تريد لنا التطور والاستقلال. ولهذا، تسعى، بكل الوسائل، لكي نبقى كما نحن، غارقين في التخلف والتفكّك، والجهل.
لكن أن نقف عند هذه النقطة، لكي نسترسل في خطابات الردح أو التبرير، فهو الأمر الذي يجب أن يكون مجال نقد، فلا شك في أن الأثر الإمبريالي كبير، خصوصاً أنه أسَّس لطبقة محلية تابعة تتشابك مصالحها مع مصلحة الرأسمالية، لكن يمكن بناء قوى ذاتية قادرة على تغيير الوضع. هذا ما يجري تجاهله، وهذا ما حدث في أطرافٍ كثيرة في العالم، حيث استطاعت الشعوب أن تتحرّر وأن تتطوّر. القوى الذاتية تتشكل عادة من "نخب" تعرف ما تريد، وتعرف واقعها، وبالتالي تعرف كيف تنتصر، معتمدة على "وضع الشعب" الذي يعاني من الإفقار والتخلف، والذي يدفعه ذلك كله إلى التمرّد، هذه الحالة التي هي "طبيعية"، حيث يريد الشعب القدرة على العيش. لكن سنلمس أن من ينوح على الدور الإمبريالي، والأثر الإمبريالي، هو هؤلاء الذين عليهم أن يغيّروا، فبدل أن يعرفوا الواقع، ويحدّدوا آليات تغييره يميلون إلى الرّدح على من سبّب الوضع الراهن. والردح لا يفيد شيئاً، ولا يغيّر في الوضع القائم، بل يدلّ على قصورٍ كبير في الوعي والنضالية، فالسيطرة الرأسمالية التي أفرزت التخلف أفرزت الفقر والتهميش، والميل إلى الثورة كذلك. وبالتالي، فإن تجاوز "الوضع الإمبريالي" يفترض الفاعلية الذاتية المرتبطة بالصراع الطبقي. ولما كان الصراع الطبقي متحفزاً، وانفجر في أكثر من لحظةٍ على مسار تاريخ طويل، فإن الأزمة كمنت في "النخب" التي لم تستطع أن تمتلك الوعي الكافي لفهم واقع الشعوب، وأزماتها، ولرسم إستراتيجيةٍ تفضي إلى انتصارها، ومن ثم تنخرط في الصراع معها.